عرف الوضع الأمني في العراق تدهورا خطيرا في هذا الأسبوع الدموي، حيث شهد يوم الإثنين الماضي سلسلة تفجيرات وهجمات إنتحارية تعد الأعنف منذ أشهر، أدت إلى مقتل 66 شخصا وجرح أكثر من 241 آخرين، بينهم عناصر في الشرطة والجيش العراقي، وقد استهدفت هذه العمليات محافظات ديالى والكوت وتكريت والنجف وكركوك وكربلاء وشمل بغداد، في حين سجل ليلة الاثنين وصباح أمس الثلاثاء مقتل تسعة أشخاص وإصابة تسعة آخرون بجروح بينهم ثمانية من رجال الشرطة أحدهم ضابط في أعمال عنف متفرقة، مما ينبئ بإستمرار هذا التصعيد الدموي خلال الأيام القادمة، ويخلط بذلك حسابات المراهنين على رحيل قوات الاحتلال بنهاية السنة وفق الاتفاقية الأمنية المبرمة بين بغداد وواشنطن. وإذا كانت الجهات الأمنية قد وجهت أصابع الإتهام إلى تنظيم القاعدة بإعتباره يقف وراء هذه الهجمات الدموية التي مست محافظات من بينها بغداد، داعية إلى إستحداث خطط أمنية جديدة لمواجهة الإرهاب، فإن القيادات العراقية من جهتها نددت بشدة بالتفجيرات، مثلما فعل الرئيس جلال طالباني الذي أكد بأن إرتكاب مثل هذه الجرائم يأتي بسبب وجود ثغرات أمنية من أهمها عدم تنفيذ التفاهمات التي توصلت إليها القيادات السياسية، ضمن »إتفاقيات آربيل« داعيا القوى السياسية العراقية إلى التعالي عن الخلافات والشروع فورا في إيجاد القواسم المشتركة والعمل سويا للضرب على يد الإرهابيين وقطع الطريق على مثيري الفتنة. وبالفعل فإن وجود هذه الثغرات الأمنية أكدها نائب رئيس الجمهورية العراقية طارق الهاشمي الذي قال في بيانه الصادر يوم الاثنين: »إن إستمرار الاعتداءات وسهولة وصول الإرهابيين إلى أهدافهم، يجعل الشكوك تحوم حول ما يحدث، ويؤكد وجود إختراقات أمنية، لم يعد السكوت عنها أمرا ممكنا«. إن إشارتي رئيس الجمهورية العراقية ونائبه تعني فيما تعني، بأن هناك جهات خفية تعمل لأجندة تهدف بالتأكيد على تعكير الجو في العراق، وجعل الوضع صعبا، بما يفتح المجال أمام التمديد لقوات الاحتلال التي ينتهي بقائها بنهاية السنة الجارية وفق الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية، والذي لن يتم إلا بطلب من الجانب العراقي، الذي يجري تعجيزه بمثل هذه الهجمات المستهدفة من حيث عددها وإتساع رقعتها وخسائرها الكبيرة في الميدان. وإذا كان المتحدث بإسم الجيش الأمريكي في العراق جيفري بيوكاتن قد أوضح من جهته بأن المدربين والقوات الأمريكية القليلة التي ستبقى في العراق بعدد من المواقع ستكون تحت سيطرة السفير الأمريكي في بغداد، مشيرا إلى أن كل الوسائل التي يمتلكها الجيش الأمريكي في العراق ستتحول جميعها إلى السفارة الأمريكية، مع العلم بأن الرئيس جلال طالباني قد إنتهى بعد إجتماعه بقادة الكتل السياسية العراقية بتكليف نواب رئيس الوزراء تخويل حكومة المالكي بالابقاء على مدربين أمريكيين للقوات العراقية في إطار إتفاقية الاطار الاستراتيجي. ومن المؤكد فإن سلوك الجهات الخفية في التمهيد لتمديد قوات الاحتلال بالعراق لن يتحقق، لأن هناك إجماع في العراق على إحترام تاريخ إنسحاب القوات الأمريكية من جميع الأراضي والمياه والأجواء في موعد لا يتعدى 31 ديسمبر 2011، بإعتبار أن العراق دفعت ثمنا باهظا لوجود هذه القوات بأراضيها، التي حققت أهدافها كاملة في تدمير العراق شعبا وأرضا وإمكانيات، ولم تحقق لا الديمقراطية أو الأمن والاستقرار.