أجانب تساءلوا كيف تقبل الجزائر العمل بنظام القرض السندي(كريدوك) التحدي كيف يمكن استعادة الأموال التي هرّبت، سرقت أو تم تبييضها الظاهرة أخذت أبعادا خطيرة تهدد امن البلاد وترهن مستقبل أجيال بكاملها، لذلك يستوجب التصدي لها ضمن إطار قانوني وقضائي شفاف وصارم على أساس انجاز تدقيق للحسابات في البنوك وتحليل مالي للمؤسسات التي يشملها مكافحة الفساد. الفجوة التي وفرت المناخ للمتعاطين مع الفساد على نطاق واسع، تكمن في الصفقات العمومية وسطوة مراكز القرار السياسي على أعلى المستويات، مما اضعف الأدوات المالية في ظل تراجع فظيع لقيم الأخلاق. والخيار الأمثل أن يتم انتقاء قضاة غير فاسدين يعملون مع خبراء اقتصاديين أكفاء لانجاز مشروع استرجاع ثروة الأجيال، وتشمل المهمة كل مؤسسة دون النظر لهوية اصطحابها. يعبر هذا عن مضمون الرسالة التي وجهها الخبير المالي مبارك سراي والأستاذ في الاقتصاد عبد الرحمان عيّة من منبر الشعب أمس، في ندوة لتشخيص مختلف جوانب المعضلة والآفاق التي يمكن رسمها لتحقيق الهدف المركزي، ألا وهو استرجاع ما أمكن من تلك الأموال التي تعرضت للنهب عن طريق تحويل غير شعري للعملة أو تضخيم الفواتير إلى غيرها من أشكال الفساد كالرشوة والمنافع غير المشروعة والغش ... تفعيل عمل مؤسسات الرقابة التي بقيت لسنوات ولا تزال في حالة «تعطيل» لا يمكن تبريره، على غرار مجلس المحاسبة والمنتشية العامة للمالية والآليات المتدخلة والمكلفة بمعالجة قضايا الفساد، التي ينبغي إخراجها من وضعية سبات طال أمده، لتستعيد نفسها من أجل مواكبة مسار تصحيح المنظومة الاقتصادية وخاصة المالية والتدارك قبل فوات الأوان. الخبير سراي منطلقا من معرفته لتفاصيل مذهلة في سوق الاستثمار والممارسات العنكبوتية للفساد، استهجن ما بلغته الجزائر، (حتى وان كان الفساد موجود عبر العالم لكن يتم التصدي له بالقوة المناسبة لكسر شوكته)، في وقت كان يمكن إحداث نقلة كبيرة على مسار البلدان الناشئة وتفادي الوضعية لصعبة القائمة. تضخيم الفواتير والتلاعب بالقروض الاستثمارية فاقت كل تصور، في وقت وجد فيه المتورطون منافذ لتحقيق مآربهم الدنيئة، وهي في الأصل سرقة بمعنى الكلمة لأموال الشعب وتدمير لمقدرات الآمة. في هذا الإطار أشار إلى الكوارث المالية الناجمة عن اعتماد نظام القرض السندي(كريدوك) في المعاملات الخارجية، موضحا أن حتى أجانب أنفسهم تساءلوا كيف لبلد ناشئ كالجزائر يقبل بدفع مبالغ بالعملة الصعبة لموردين أجانب قبل استلام البضاعة أو التجهيزات أو المواد الأولية. ونجم عن سوء استعمال هذه الآلية المالية خسائر فادحة خاصة بتواطؤ متعاملين جزائريين تجردوا تمام من أدنى انتماء للوطن أو وفاء لشعبه فانغمسوا في استهداف الثروة المالية لسنوات طويلة تحت غطاء استثمار وهمي وعمليات استيراد مفبركة وصل بها المر إلى درجة استيراد حاويات من نفايات وحجارة وخدرة. ودعا إلى الإسراع بالرجوع إلى آليات العمل السابقة بحيث لا تدفع الجزائر لحساب المتعامل قيمة الصفقة، إلا بعد وصول البضاعة أو التجهيزات ومراقبتها من حيث المطابقة مع وثائق الملف. وسجل للأسف وجود شريحة معتبرة من صناعيين وتجار يفتقرون للكفاءة في التعامل مع الأسواق الخارجية مما يعرضهم في غالب الأحيان للوقوع في قبضة شركات دولية قوية تلتهم التمويلات القادمة من البنوك الجزائرية، مما يستوجب تحرك بنك الجزائر لتحددي الخلل والحد من تداعياته. ونبّه إلى مسألة جوهرية أخرى تتعلق بالتحكيم الدولي الذي لا تتحكم فيه الجزائر بشكل يحمي مصالح المؤسسات والمتعاملين، لذلك من الضروري كما يضيف، العمل على صعيد رسكلة قضاة مؤهلين وتنمية قدرات قانونيين يشتغلون في الحقل الاقتصادي، لتشكيل نخبة محكّمين يكون لها دور في قضايا التحكيم التي عرفت فيها مؤسسات جزائرية خسارة لأكثر من مرة. وثار جدل ساخن بشان العلاقة بين البنوك والمواطنين بمختلف مراكزهم الاقتصادية، زبائن عاديين، متعاملين أو رؤساء مؤسسات، ليؤكد ان الثقة في هذه المعادلة هي الحلقة المتينة لتعزيز استقرار السوق، محذرا البنوك من الصمت امام ارتفاع معدل سحب السيولة النقدية، وانه من المستعجل ان تخرج المصارف باتجاه المحيط وخاصة زبائنها لاقناعهم بعدم الوقوع في هلع الظرف الراهن وترسخ الثقة المتبادلة، وهو مبتغى يتطلب المبادرة بتحسين المناخ البنكي من أول اتصال بالاستقبال إلى تحسين الخدمات ونشر ثقافة التواصل لبناء علاقة شفافة. واعتبر أن شهر رمضان الذي يقتر ليتربع على المشهد الاقتصادي هو المقياس الذي يمكن به تقييم ومراقبة سلوك المواطن من حيث ترشيد استعمال مدخراته أو السقوط في شراهة استهلاك سوف يكون لها عواقب وخيمة ليس على المستوى الفردي للمستهلك وكذا العائلي وإنما على استقرار السيولة في البنوك. حقيقة يوجد تحد اليوم حول مدى القدرة على استرجاع الأموال المصنفة في خانة الفساد سواء تم تهريبها أو سرقتها أو تبييضها في مشاريع عقارية مختلفة بالخصوص. الأستاذ عيّة عبد الرحمان منطلقا من أدوات مستمدة من أرضية قانونية اصطبحت تفتح مجال متابعة المتورطين إلى درجة الفروع، أشار إلى إمكانية معالجة القضايا التي يتم ضبطها وفقا لقواعد العدالة باليات تقنية محاسبية مثل التصفية إذا كانت المؤسسة التي يشملها الملف مفلسة أو الحجز على الأملاك من أرصدة مالية إن وجدت وسائل إنتاج وعقارات، لكن يكون ذلك بعد القيام بتحليل مالي وجرد شامل للأملاك أو على الأقل ما أمكن إنقاذه منها. وابعد أي تخوف من فقدان إحدى حلقات تبع مسارات القروض التمويلية التي منحتها البنوك للاستثمار في شتى القطاعات، حيث للمنظومة المصرفية بنية هيكلية وتكنولوجية تسمح برصد الفجوات وتحديد مواقع الظل لإعادة الإمساك بخيط التقويم، وفقا للمبادئ التي تحكم نشاط البنك وضوابط القروض.