الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي لا تسقط بالتقادم، وتعد مجزرة 17 أكتوبر 1961 من اكبر الجرائم التي ارتكبتها السلطات الاستعمارية ضد الجزائريين ليس في الجزائر ولكن فوق أرضها، وهذا ما جعل السلطات الاستعمارية تلقي بجم غضبها وكل الحقد الدفين الذي تكنه ضد الشعب الجزائري، وتلقي بعدد كبير من الجالية الجزائرية في فرنسا آنذاك في نهر «السين». هذه الفكرة التي انطلق منها الباحث عمر بلخوجة في المداخلة التي ألقاها بالندوة التاريخية، التي نظمها أمس مركز «الشعب» للدراسات الإستراتيجية حول أحداث 17 اكتوبر1961 الأليمة التي خلفت عدد كبير من الشهداء فوق أرض فرنسية، وكانت سابقة في التاريخ كما قال، لأنه لأول مرة تنقل الثورة من البلد الذي استعمر إلى البلد المستعمر. وذكر الباحث بلخوجة بان مجازر 17 أكتوبر، تأتي ضمن سلسلة الجرائم التي ارتكبت من قبل السلطات الاستعمارية منذ دخولها إلى الجزائر سنة 1830، حيث كانت أول جريمة ارتكبتها في 1832 في الجزائر العاصمة وبالتحديد في الحراش، حيث قامت بعملية قتل جماعي ضد قبيلة «العوفية» التي محتها من الخارطة. وأبرز بأن فكرة التقتيل والإبادة بشتى الأساليب سواء بالحرق الجماعي أو بدفن الجزائريين بالمئات وبالآلاف تحت الأرض فكرة مستمرة وسياسة لم تتراجع عنها السلطات الاستعمارية، بل أخذت تطور الوسائل التي تستخدمها لذلك، وقد اختارت بدقة متناهية أفضل من يقومون بهذه المهام الوحشية، ولم تكتفي بذلك كما قال الباحث بل جعلت من هذه الأخيرة تحفيزا للجنود الفرنسيين لترقيتهم إلى أعلى المراتب. ومن بين من اختارتهم السلطات الاستعمارية آنذاك لتنفيذ خطتها الجهنمية موريس بابون الذي اشرف على المجازر التي ارتكبت في نهر (السين) بباريس باعتباره ممثلا لشرطة دولة، وراحت تبرر ذلك ما قال المتحدث بأن ما قامت به يعد حق من حقوق الدولة للحفاظ على الأمن العام، لتغليط الرأي العام الفرنسي، في حين أن عملية القمع الوحشي التي مورست ضد المهاجرين الجزائريين خطط لها ودبرت على أعلى مستويات السلطات الاستعمارية، حيث خطط لها كما قال سياسيون ونفذتها الشرطة الاستعمارية، التي ألقت بجثث الجزائريين في هذا النهر الباريسي أمام مرأى ومسمع العالم في تلك الفترة. وقد ركز الباحث خلال مداخلته على منفذ المجازر موريس بابون كأحد أهم السفاحين التي استخدمتهم السلطات الاستعمارية لتنفيذ جرائمها الوحشية ضد الجزائريين، المتواجد ضمن قائمة اكبر مجرمي الحرب في فرنسا والعالم وهو الذي يتقن التعذيب، وقد مارسه في السابق في نظام (فيشي) ليصبح بعد ترقيته نظير المهام القذرة واللاإنسانية التي قام بها إطارا ساميا في الدولة الفرنسية. وانطلاقا من تحليله للأحداث التاريخية المتعلقة بتلك الفترة وبالتحديد ما قبل حدوث المجازر، أكد الباحث بلخوجة أن ما قامت به السلطة الاستعمارية ضد المهاجرين يعد انتقام، إذ لم تتحمل جرأة الجزائريين في الخروج في مسيرة سلمية فوق أرضها لرفع حضر التجوال، لأنهم استطاعوا بذكاء كبير نقل الثورة من الجزائر إلى فرنسا، وهذا ما لم تهضمه فرنسا الاستعمارية، وقابلته بأبشع وسيلة للتعذيب والتقتيل، وإلقاء جثث الجزائريين في نهر «السين». ويؤكد انه من الضروري أن يكون انتقام الجزائريين لكن بطريقة سلمية، وليس بطلب الاعتراف من فرنسا بما اقترفته أكثر من قرن في الجزائر، وإنما باسترجاع الكتابات التاريخية لهذه الفترة، وعلى المؤرخ الجزائري أن يركز من خلال كتاباته على أن الثورة الجزائرية ليست عمليات عنف وإنما رد فعل طبيعي من قبل الجزائريين ضد السياسة الوحشية الانتقامية التي مارسها الاستعمار في الجزائر.