«الإتحاد الأوروبي» لم يولد من العدم، بل هو نتاج التجمع الذي كان موجودا.. بعد منتصف الخمسينات، فيما يعرف ب«اتحاد الحديد والصلب».. وتطور هذا الصرح رويدا رويدا إلى غاية تحوله إلى نموذج سياسي يحتذى به.. وكل الشعوب في هذا العالم تنظر إلى هذا الإتحاد بنظرة الاحترام والتقدير على أنه استطاع أن يجعل من مساحات جغرافية بوتقة تنصهر فيها كل الإرادات السياسية الطموحة إلى غد أفضل... وقد انتقلت العديد من المنظمات التي كانت تحمل هذا الإسم إلى إتحادات.. منها منظمة الوحدة الإفريقية إلى الإتحاد الإفريقي، كما يرغب الكثير في أن يطلق إسم الإتحاد العربي بدل من الجامعة العربية. أنجز هذا الإتحاد مسارا سياسيا واقتصاديا مذهلا.. عززه ودعمه بانضمام حوالي 16 كيانا عقب إنهيار المعسكر الإشتراكي.. وبعد أن كان يسمى مجموعة ال12 بلدا.. وصل اليوم إلى حوالي 21 بلدا.. وما يلفت الإنتباه هو أن كل الاستثمارات ذهبت إلى تلك الكيانات ما بعد سقوط جدار برلين.. وكان مقررا أن تحط في شمال إفريقيا لكن... وكل ما كان له علاقة بتوحيد أوروبا أنجز بسهولة كبيرة ما عدا رفض إدخال تركيا إلى هذا الفضاء لأسباب معروفة، ولم يصطدم أي زعيم أوروبي بإشكال كبير يمنعه من دخول الإتحاد.. رغم التحفظات البارزة لبريطانيا في الإندماج المباشر في المنظومة الإقتصادية والنقدية الأوروبية، وحتى فيما يتعلق بمعاهدة ماستريخت ومنح تأشيرات شنغن. وفي خضم هذه التجاذبات السياسية والإقتصادية، كان هناك منطق آخر يحاول فرض نفسه. وتزعم هذا الإتجاه كل من فرنسا وألمانيا، وحرصهما على فرض عملة موحدة وهي «الأورو» محل العملات المحلية لكل بلد.. وكل البلدان التي أبدت امتعاضا من هذا التوجه النقدي.. لم تجد أمامها أي خيار ما عدا السير على هذا النحو والقبول بالأمر الواقع.. على أساس أنه الطرح الوحيد الذي يستدعي الأمر الحسم فيه بصفة نهائية. والبوادر الأولى لأزمة الأورو، كانت مع الأزمة المالية التي عصفت بالولايات المتحدة، عقب إفلاس البنوك والسقوط الحر للعقارات.. وفي كل مرة يلاحظ بأن هناك من الدول الأوروبية من كان يأمل في العودة إلى عملته الوطنية.. إلا أن اللقاءات المتكررة والعديدة لساركوزي وميركل، كانت ترفض مثل هذه الدعوات.. مشددين على ضرورة الحفاظ على ما يعرف بمنطقة الأورو. هذا التهليل السياسي لمنطقة الأورو.. كان يخفي حقائق ملموسة منها.. أن اليونان وهو بلد منهم، تلقى ضربة في الصميم، وتهاوت كل تلك الإدعاءات الصادرة عن ساركوزي وميركل، في الحفاظ على المنطقة المزعومة للأورو، فاليونان لم يتلق أي دعم مالي حقيقي، كل ما في الأمر أنها مسكنات، كما طلب منه أن يحدث تغييرات في آدائه السياسي، أي ذهاب باباندريو وإحلال محله باباديموس، وأي مبادرة محلية أراد الوزير الأول السابق اتخاذها أجهضت في المهد، ولم يترك له هامش تنظيم الاستفتاء والاستشارة الشعبية لمعرفة رأي اليونانيين في خطة «التعديل الهيكلي» التي طلب من باباديموس التوقيع عليها بالأحرف الأولى للإلتزام بتطبيقها كلية. لذلك فإن كل التوقعات التي كانت كل من ميركل وساركوزي يلوحون بها، ذهبت أدراج الرياح، بدليل أنهما تخليا عن اليونان بشكل مثير للدهشة والإستغراب تترجم تلك الأنانية المفرطة عندما تصل الأمور إلى خطورتها فارضين عليه شروطا تعجيزية. ويوجه العديد من الشخصيات السياسية الأوروبية انتقادات لاذعة لأصحاب القرار في حكومتهم، بخصوص العجز الذي أظهروه في التعامل مع ملف أزمة الأورو، مبدين تخوفهم من تفشي أزمة اجتماعية حادة قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة جدا على النظام المعيشي للعديد من البلدان، داعين إلى الإسراع في توحيد الميزانيات وإصدار السندات. ويلوم هؤلاء كثيرا آداء المؤسسات التابعة للإتحاد الأوروبي على أنها غير قادرة على مواكبة مثل هذه الصدمات، وهو ما يؤكد حقيقة مفادها أن الأورو بني على هالة سياسية أكثر منها إقتصادية، واليوم كل تلك المواقف التي كانت متحفظة على هذا المسعى تطفو إلى السطح... بمعنى أن «الورقة النقدية» لكن الأداءات تصطدم بواقع صعب.