تمر اليوم الذكرى ال19 لتأسيس اتحاد المغرب العربي، والبناء لم يستكمل بعد بسبب بعض الخلافات السياسية التي لازالت قائمة على خلفية قضية الصحراء الغربية، فباستثناء هذه القضية التي يفترض أن حلها لا يخرج عن إطار الشرعية الدولية، تظل الإرادة المعبر عنها من قبل قادة الدول الخمسة تبعث على التأكيد بأن الصرح المغاربي الذي يعد ضرورة ملحة لتنمية المنطقة، هو مشروع قابل للتجسيد ومتمسك به من قبل كافة بلدان المنطقة، على غرار الجزائر التي جددت مؤخرا وككل مرة تشبثها بتجسيد الوحدة المغاربية واستعدادها للمساهمة في تدارك الفرص الضائعة· وتراهن الجزائر التي جددت مؤخرا تمسكها الراسخ بالاندماج المغاربي، على تكييف مسار الاندماج المغاربي مع التحولات التي يشهدها العالم، حتى يواكب حركية التكتل والاندماج التي تعيشها مختلف القارات والمناطق عبر العالم، وذلك قناعة منها بأن بناء الصرّح المغاربي الموحد يجب أن يتم وفقا لمزاياه الخاصة ومن خلال توازن في الحقوق والواجبات والمصالح المشتركة، كما هو الشأن بالنسبة لكل التكتلات· وقد دعت في هذا الإطار على لسان الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية السيد عبد القادر مساهل خلال الدورة ال27 لمجلس وزراء الشؤون الخارجية للاتحاد إلى اعتماد سياسات مشتركة في القطاعات الاستراتيجية والحيوية كالزراعة والطاقة والموارد المائية والبنية التحتية بهدف تحقيق إندماج اقتصادي مغاربي، مع التأكيد على أن البناء المغاربي يفرض على الدول المغاربية التشاور والتنسيق وتبادل الآراء حول علاقات الإتحاد مع مختلف التجمعات الإقليمية للوصول إلى مواقف موحدة مع الشركاء والدفاع عن المصالح المشتركة لشعوب المنطقة· وجدد السيد عبد القادر مساهل أمام الاجتماع السادس لوزراء خارجية بلدان غرب المتوسط التي جرت الشهر الماضي بالرباط، تمسك الجزائر الراسخ بهدف الاندماج وتعزيز اقتصاد اتحاد المغرب العربي، مؤكدا بأن هذا الهدف طالما كان حافزها في كل محاولاتها الرامية إلى إعطاء دفع جديد للصرح المغاربي، ومن ضمنها اقتراح ترقية مجموعة اقتصادية مغاربية· وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر التي باشرت برامج تنموية ضخمة ضمن مخططي الإنعاش الاقتصادي، ودعم النمو راعت في مشاريعها الهيكلية البعد المغاربي، والأهداف الرامية إلى دعم حركية نمو المنطقة المغاربية ككل، ومن أبرز المشاريع المعلنة في هذا الإطار مشروع الطريق السيار شرق غرب، وخط السكة الحديدية الذي يضمن هو الآخر الربط بالدول المغاربية· ولا تدخر الجزائر جهدا لتدارك الفرص الضائعة في بناء الاتحاد من خلال مساهمتها الحيوية في ترقية التشاور السياسي بين دول الاتحاد وتفعيل أداء اللجان القطاعية والمؤسسات المغاربية· وقد تحدثت بعض المصادر مؤخرا عن تحركات ومشاورات بين الجزائروتونس من أجل إنعاش مسيرة بناء الصرّح المغاربي، معتبرة أن المحادثات التي جمعت الرئيسين عبد العزيز بوتفليقة وزين العابدين بن علي بمناسبة الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية، إلى تونس في السابع فيفري الجاري تناولت سبل دعم مسار الإتحاد وإمكانية عقد قمة طارئة، مع استبعاد قضية الصحراء الغربية من النقاش· هذه القضية التي يبدو أنها أضحت المشكل الوحيد الذي يعترض تطور مسار بناء الاتحاد، بالرغم من أن إطار حلها معروف ومتعارف عليه لدى جميع الدول التي تحترم الشرعية الدولية وحقوق الإنسان، ترفض الجزائر أن تساوم بها من أجل بعث المشروع الإقليمي، وقد أشار رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في جوان الماضي خلال الكلمة التي ألقاها بمناسبة زيارة الرئيس النيكاراغوي دانيال أورتيغا أن مشكل الصحراء الغربية يقف حجر عثرة أمام تشييد المغرب العربي الكبير الذي يتوقف عليه مستقبل المنطقة بأسرها، مؤكدا بأن إنجاز هذا المشروع لن يكون على حساب الشعب الصحراوي· ولم يخف الرئيس أمله في أن تفضي المفاوضات القائمة بين المغرب وجبهة البوليزاريو والتي سمحت بالخروج من حالة الجمود التي عرفتها القضية، إلى حل مرض يراعي حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، مجددا التأكيد على وحدة وثبات الموقف الجزائري بشأن ترقية أهداف ومبادئ منظمة الأممالمتحدة، ولا سيما فيما يتعلق بمبدأ احترام حقوق الإنسان ببعدها العالمي المتكامل، والذي يفسر على حد تأكيده سعي الجزائر إلى تكرّيس حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفقا للشرعية الدولية· وفيما تؤكد الجزائر ثبات موقفها بشأن حق الشعوب في تقرير المصير، لا تتوانى في كل مناسبة في تجديد تمسكها بمشروع اتحاد المغرب العربي كخيار استراتيجي لا رجعة فيه· وبالرغم من الصعوبات التي يعرفها هذا المشروع الإقليمي، يظل الأمل قائما لدى شعوب المنطقة في تجسيد الوحدة التي ستعزز مكانة الدول الأعضاء في المحافل الدولية، بل هذا التكتل المغاربي أصبح اليوم يشكل مطلبا ملحا لمواجهة الآثار الاقتصادية للعولمة الزاحفة ولنجاح مشاريع الشراكة والتعاون مع التكتلات الإقليمية الكبرى على غرار الإتحاد الأوروبي· وقد طالب الأوروبيون والأمريكيون في الكثير من الأحيان بضرورة تفعيل الاتحاد وإحداث منطقة تجارة حرة لتسهيل تكامل البلدان الأعضاء ودخولها الساحة الأوروبية والدولية من أكبر أبوابها، وكان وزير الخارجية الإسباني ميغيل انخيل موراتينوس قد أعرب الشهر الماضي عن أمل الاتحاد الأوروبي في قيام إتحاد مغاربي موحد، مؤكدا بأن الاندماج بين دول المغرب العربي أضحى ضروريا وملحا·