قال عن جريدة «الشعب» إنه يمكن أن تتحوّل إلى رافد من روافد الكتابة التاريخية، إذا ما توفّرت فيها الشروط العلمية، هكذا يرى الأستاذ والدكتور مزيان سعيدي، مؤرخ وباحث أكاديمي، وقد عبر عن ذلك في حديث له عشية احتفال هذا العنوان التاريخي بالذكرى 57 لتأسيسه. من خلال الحديث الذي خص به «الشعب» أبرز المؤرخ والباحث في التاريخ، أنّ أمّ الجرائد يمكن أن تساهم في إحياء ذاكرة الأمة، وتفعيل التاريخ الوطني خاصة في المناسبات المبرزة لثقل التاريخ الوطني، ومرجعيته في توثيق الروابط الاجتماعية وتعزيز روح الانتماء للوطن. وعندما سألته هل يمكن أن تكون «الشعب» مرجعا من خلال العودة إليها في الكتابة عن وقائع تاريخية معينة؟ ردّ قائلا إنّها في الأساس، لا تمثل مصدرا رئيسيا في كتابة التاريخ لأن مصادره الأساسية: الوثائق الأرشيفية والكتابات المصدرية ومذكرات صانعي الحدث...لكنها تتحول إلى رافد من روافد الكتابة التاريخية، إذا توفرت فيها الشروط العلمية، مثل الكتابة الموضوعية وفق الأسلوب التاريخي لا الأدبي، طبيعة التوثيق، نوعية الكاتب (هل هو أديب، طبيب، صحفي متمرس، باحث في التاريخ، مهتم بالأحداث التاريخية أم باحث أكاديمي متخصص). وأضاف أن المسألة الثانية وهي هامة تتمثل في طبيعة المواضيع المتناولة بالدّراسة، فهي رأس الأمر لكونها تسترعي الانتباه وتخرج من الدائرة الكلاسيكية للدراسات الجافة. وعندما ذكرت له أن جريدة «الشّعب» تخصّص صفحة كاملة كلّ أسبوع للتعريف بمجاهدين وشهداء غير معروفين، بالإضافة إلى إجراء مقابلات وبحوث لأساتذة في التاريخ، استحسن الدكتور والباحث سعيدي ذلك واعتبره شيئا محمودا، والاستعانة بمؤرخين لهم باع في البحث العلمي المتخصص، يزيد من مصداقية الموضوع المعالج ومن طرح الجريدة في بحثها عن الحقيقة التاريخية. وأوضح في هذا السياق، أن التعريف برجالات المقاومة الجزائرية والثورة التحريرية المطمورين وغير المعروفين خاصة باستعراض وثائق للاستدلال التاريخي، والإدلاء بشهادات لا التباس فيها، تزيد من قيمة الشهادة الشفوية التي تغطي النقص الملحوظ في الحصول على الوثائق الأرشيفية، خاصة وأن فرنسا الاستعمارية قد قرصنته مع استرجاع الجزائر لاستقلاها وسيادتها. توخّي الصّدق والموضوعية لكشف الحقيقة الموثّقة واعتبر أنّ المقابلات والحوارات التي تجريها الجريدة مع المؤرخين «عين الصواب» لأنّ واجب المؤرّخ الأولي هو كشف الحقيقة الموثقة التي لا لبس فيها، بتوخي الصدق والموضوعية، علما أنّ الخوض في تفسير الأحداث الماضية ومقاربتها بالواقع المعيش أمر لابد أن يترك لأهله، فالتاريخ ليس حكايات تروى أو أحاديث تقص فهو علم قائم بذاته. كما سألته إن كانت لديه انتقادات أو اقتراحات فيما يتعلق بالمواضيع السياسية ذات العلاقة بالتاريخ التي تنشرها؟ فأجابني بصراحة أن السياسة ابتلعت كل شيء، وأضحت المواضيع الثقافية والفكرية غائبة مغيبة في مضامينها في الجرائد بصفة عامة. وقدّم اقتراحه المتمثل في أن تخصص الجريدة كل يوم اثنين مثلا صفحة كاملة عن موضوع تاريخي هام ومعالج لمحطات تاريخية من تاريخ الجزائر، الذي يمتد على مدى عشرة آلاف سنة وفق بعض الشروط العلمية المذكورة أعلاه «فسترون عجبا في قادم الأيام».