تحمل زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس التونسي قيس سعيد، إلى الجزائر، اليوم، مدلولا سياسيا له وزنه في ترقية العلاقات الثنائية المتميزة وتوسيعها إلى مجالات استراتيجية تطالب بها المرحلة، في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية واتساع بؤر التوتر بالمنطقة، عقب الوضع المهتز في ليبيا والجهود المضنية لحل الأزمة فيها سياسيا، تتولاه الأطراف المعنية بعيدا عن التلويح باستعمال القوة والتدخل الأجنبي. هذا الموقف تسانده الدولتان اللتان ترافعان لمرافقة العمل السياسي في البلد الجار الشقيق، للخروج من حالة الاضطراب ومواجهات مسلحة، إلى الانفراج والاستقرار. اتخذ هذا الموقف، في أكثر من لقاء، وتكرر في اجتماع الجزائر الوزاري الأخير لدول جوار ليبيا، حيث أجمع المشاركون على خيار التسوية السياسية والالتزام بدعم وقف إطلاق النار، باعتباره ممهدا لأرضية الحوار التوافقي، الذي يعول عليه في إعادة الثقة المهتزة بين الفرقاء الليبيين وتنقية الأجواء بينهم، وإقناعهم بجدوى الإندماج في مفاوضات تقود إلى مرحلة انتقالية ضرورية تسبق بناء دولة المؤسسات. للجزائر وتونس أيضا، تطابق في وجهات النظر تجاه التحوّل السلمي الديمقراطي، بإشراك القوى الفاعلة في حوار مسؤول يؤسس للبناء الوطني ولا يفتح المجال أمام المغامرة والدفع بالبلدين باتجاه السقوط في المجهول. كما لهما ذات المواقف تجاه قضايا الساعة، منها بالخصوص ما يحاك ضد فلسطين، قضية العرب الأولى، من مؤامرة تحمل تسمية «صفقة القرن»، غايتها إجهاض القضية التي كانت ولازالت جوهر الصراع في الشرق الأوسط ومدخل السلام والأمن في المنطقة. يحتفظ البلدان بروابط الأخوة والتضامن المستمدة أسسها من علاقات تاريخية مرسّخة، يترجمها النضال المشترك ضد المستعمر الفرنسي، امتزج فيه دم الشعبين الجزائريوالتونسي في أحداث ساقية سيدي يوسف التي نحتفل بذكراها 60 هذه الأيام، وسط ديناميكية جديدة تطبع العلاقات الثنائية. تعترف تونس بدور الجزائر في دعم مسارها السياسي ما بعد التغيير الهادئ، والروابط المتينة التي نسجت على ضوء التحول الذي يعرفه البلدان الشقيقان وإرادتهما الراسخة، على أن تبقى الأخوة والصداقة قاعدة معتمدة بينهما وقيمة مضافة يستند إليها في كل محطة تقارب وتعاون تستدعيها سياسة حسن الجوار. وهي سياسة تستدعي التنسيق والتشاور بينهما دوما لمواجهة تحديات الظرف والتهديدات الإقليمية. إنّ الرغبة في تعزيز التعاون الأمني، وفق إستراتيجية وقائية استباقية، تضع مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في صدارة الأولويات، تعزّزها مشاريع تنمية الحدود وجعلها قاطرة تحريك مسار تنوع اقتصادي مع ترقيته إلى مستوى توفير مناصب الشغل وتحقيق الثروة والقيمة المضافة، تطبيقا لاتفاقات التعاون الثنائي ومذكرات التفاهم التي يحرص الطرفان على اعتبارها الإطار الأنسب للشراكة، حاملة الصبغة الإستراتيجية اليوم وغدا.