تبقى المنظومة البنكية القطاع الذي لم يدخل مسار الاصلاحات بالقوة المطلوبة في وقت يزخر فيه بموارد مالية غير مسبوقة هي عرضة لما يترتب عن عنصر التضخم الذي يتآكلها وما يعرفه مستوى قيمة العملة الوطنية الدينار من فقدان للوزن في السوق دليل الى جانب ما يحدث من شتى أشكال الفساد الذي يتهدد الاحتياطات المالية من سيولة تسيل لعاب الكثيرين في ظل الأزمة المالية العالمية التي وان لم تضرب الاقتصاد الوطني بقوة الا ان الخطر يبدو ملوحا في الافق ما يجعل السيولة المالية التي تحسد عليها بلادنا بمثابة الثروة الثميتة التي يجب ان تحاط بكافة الضمانات من اي خطر قد يلحقها. لا تزال البنوك العمومية تهيمن على الساحة المالية، ومن ثمة تبقى احد ابرز المواضيع التي تشغل الرأي العام الاقتصادي بين متحفظ منها ومتمسك ببقائها شرط ان تمر الى درجة متقدمة في النشاط بالانفتاح اكثر على السوق من خلال تبسيط اجراءات التعامل وتيسير التمويلات للمؤسسات الاقتصادية، وبالطبع للبنوك مبرراتها في تحصين خزائنها بكافة الضمانات التي تحمي الموارد المالية وهو ما يمثل سيفا ذي حدين بحيث بقدر ما يوفر الضمانات بقدر ما يعطل ايضا التمويلات التنموية في زمن السرعة والمبادرة. ما هي طبيعة الإصلاحات التي تحتاج اليها البنوك العمومية التي يجري حولها نشاط تستفيد منه العديد من البنوك الخاصة بفضل الديناميكية التي تعرفها عجلة التنمية الشاملة والتحفيزات التي تخصصها الدولة للمؤسسة الاقتصادية والمستثمرين من مختلف انحاء العالم. بالتاكيد انه لا يعقل ان تتخلى البنوك عن اسلحتها القانونية والاجرائية التي تضبط العمليات وتسيج التعاملات دون تمييز بين القطاع العام والقطاع الخاص، لكنها ايضا لا يعقل ان تستمر في العمل بوتيرة اقرب للعمل البيروقراطي بكل ما يسببه من ضياع للوقت وقلة الفعالية ومن ثمة لا مناص من ان تبادر تحت اشراف البنك الام بنك الجزائر بالخروج الى الساحة الاقتصادية والاستثمارية والتعامل معها باحترافية على اسس مشاريع استثمارية انتاجية تستجيب لاحتياجات السوق في مختلف القطاعات الاقتصادية والخدماتية بما فيها السكن والتركيز على تحصيل القروض والارباح بنية مقبولة على المدى البعيد من 10 الى 15 سنة. لا يعقل ان تتحول البنوك الى مجرد مواقع لجمع الموارد من السيولة النقدية او تسيير قروض تقليدية وانما يبدو ان الظرف العام يقتضي ان تتحول الى دينامو للتنمية من خلال تحرير المبادرة وفتح المنافسة ليس على جبهة تمويل الاستثمارات بناء على ملفات مشاريع مضبوطة وواضحة ولها الضمانات القانونية السليمة وانما بدخولها سوق التجارة من خلال اعادة صياغة اسلوب القروض الاستهلاكية وفقا لمسار مدروس ويرتكز على آلية تأمين القروض بما يعطي في الجوهر دفعا للانتاج من خلال تشجيع الاستهلاك. بالطبع أدخلت إصلاحات على المنظومة البنكية في جوانب عدة لكن الاصلاح اساسا هو مسار لا يتوقف وانما يتطور باستمرار حسب الحاجة والتحولات.وتمثل الموارد البشرية ذات الكفاءة الحلقة القوية للبنوك ومن ثمة ضرورة حمايتها من الاستقطاب الذي تسوقه بنوك اجنبية ومحلية خاصة يمكن القول انها سرقت الاطارات المالية والبنكية من البنوك العمومية باللعب على التحفيزات والتأهيل والاستثمار في جوانب الضعف للبنوك العمومية التي تعاني مثلما تعاني منه المؤسسات الاقتصادية العمومية المختلفة بسبب عدم ارتقائها للعمل بمعايير الكفاءة.