الوضع العربي الراهن في تدهور مستمر، وربما في حالة غير مسبوقة. وقد لا نجد له مثيلا إلا في نهاية الدولة الأندلسية المتفككة بفعل الثراء الفاحش والغرق في ملذات الدنيا وتجاهل التحديات الخارجية الخطيرة المحيطة بها بفعل الانقسامات واستقواء ملوك الطوائف بالأجنبي، الذي كان ينتظر الفرصة للانقضاض على ما تبقى من الأندلسيين، الذين نكّل بهم في نهاية الأمر شر تنكيل. ولم تنفع معها التحالفات مع الأجنبي أو العهود والمواثيق لضمان هجرة آمنة إلى الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. ورغم المعاناة من ويلات الاستعمار الحديث، وحصول معظم البلدان العربية على استقلالها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فإن طموحات شعوبها لم تكن في مستوى تسيير حكامها. فبدلا من اتحاد دولها، كرس التقسيم الاستعماري بعد أن غرست إسرائيل في قلب العالم العربي، وانشغل الجميع شعوبا وحكاما بمواجهتها بالكلام والخطب الرنانة من دون أن يكون هناك مخطط عمل واضح لإرجاع الحقوق المسلوبة إلى مستحقيها، رغم أن حقائق حرب 6 أكتوبر 1973 أكدت إمكانية مواجهة إسرائيل، ولكن سرعان ما تحول الانتصار إلى هزيمة واستكانة تحت لواء الحماية الأمريكية. والنتيجة التي نعيشها اليوم، رغم الثراء التي تعيشه الدول العربية النفطية بفعل الطفرة البترولية، أن تطورنا كان فوضويا وغير محسوب، لا يعتمد بالمرة أسباب القوة مثلما فعلت إسرائيل ودول أخرى كالصين والهند وباكستان والنمور الآسياوية التسع وجنوب إفريقيا والبرازيل والأرجنتين والمكسيك وغيرها من دول أمريكا اللاتينية، والتي يكاد بعضها يناطح مجموعة الثماني الكبرى بالعالم. والواقع أن عوامل النجاح عديدة، لم يتم الأخذ بها، رغم أن شعارات الوحدة العربية والتعاون والتضامن التي كانت تملأ المكان والزمان، غير أنها وللأسف لم تأخذ طريقها إلى التطبيق الفعلي. ويكفي أن نعود إلى أرشيف الجامعة العربية، حيث سنجد كما لا يعد ولا يحصى من القرارات والتوصيات الداعية إلى تفعيل العمل العربي المشترك في مختلف المجالات، ولكن من دون جدوى. وفيما حددت إسرائيل حدود دولتها المستقبلية من النيل إلى الفرات من دون أدنى حياء، وأصبحت اليوم خامس قوة عسكرية على مستوى العالمي، بفضل العمل وجديتها في تحقيق أهدافها بقضم ما تبقى من أرض فلسطين، لم نقبل التحدي المفروض علينا. وصمّم حكامنا على سلوك سياسة النعامة التي تخفي رأسها وراء كومة رمال، واستكانوا إلى الواقع المفروض عليهم. وبدلا من أن يأخذوا بأسباب القوة مثلما يفعل أعداؤهم، حوّلوا كل ما لديهم من قوة لتحصين سلطانهم ضد شعوبهم من أجل إبقاء سلطتهم حتى الممات ليتوارثها من بعدهم أبناؤهم..! ولعل واقعنا اليوم ليس في إحياء الذكرى 64 للنكبة، والتي ولدت نكسات ونكبات تهدد مستقبل الأمة العربية برمتها. فهذه شعوب ثائرة على حكامها لحد الممات، ونكبة فلسطين ولدت نكبة أخرى في السودان، الذي أصبح سودانان، جنوبه متربص به وأكثر عداء من إسرائيل ذاتها، والمتربصون به يعملون ليل نهار من أجل تفتيته إلى دويلات أخرى من بعد نزع ثروته النفطية وتسليمها إلى دولة الجنوب. والمؤامرات لا تتوقف عند هذا الحد في ضوء التشتت والضعف العربي المستمر. إذ يجري التدبير في ليل لإعلان دولة للأكراد تقتطع من أرض العراق وسوريا، مثلما هو الشأن في البحرين التي تئن تحت وطأة ثورة شيعية شعبية، لم ينفع معها تدخل قوات درع الجزيرة أو حتى قيام الوحدة مع السعودية مستقبلا، لأن التململ الشيعي قد يمتد إلى مريده في هذه البلد أيضا، الذي يحضر له أعداؤه سناريوهات عديدة للقضاء على أمنه واستقراره، ويزيد من سوء حظه أن يعيش بعض دول الجوار على فوهة بركان، مثلما هو الأمر في الأردن وحتى لبنان.. وبعد كل هذا ألم يفق العرب وحكامهم بالخصوص بأن مستقبل الجميع في خطر، ويستدعي التحرك السريع قبل أن يصبح الأمر مستحيلا.. ! عبد الجليل جلالي