تطرح مشاركة جبهة القوى الاشتراكية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إشكالية جديدة حول مستقبل الأداء السياسي لتشكيلة آيت الحسين في الساحة الوطنية، وما إذا كان فعلا قد قرر الإقلاع عن خطه المعارض للسلطة الذي تبناه لأكثر من عشرية كاملة، أم إن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تكتيك حسابي كما جاء على لسان مسؤوليه الحاليين من أجل تجاوز العديد من المشاكل التي عاشها الأفافاس خلال الفترة الأخيرة، وكادت أن تقصم ظهره وتدخله إلى المتحف بالنظر إلى حالة النزيف التي شهدتها قواعده النضالية طوال مرحلة المقاطعة السياسية! ماذا جنى حزب جبهة القوى الاشتراكية من المشاركة في الانتخابات التشريعية الفارطة، وهل فعلا تمكن من تحقيق كل الحسابات التي رسمها قبل أن يقدم على هكذا خطوة؟ هي أسئلة يطرحها كل المتتبعين لشأن الأفافاس الذي أكد مرة أخرى من خلال النتائج المعلنة في الاستحقاقات ذاتها أنه التشكيلة السياسية الوحيدة القادرة على منافسة أكبر القوى السياسية في مناطق محددة من الوطن مثل القبائل والعاصمة. كما أثبتت من جهة أخرى محدودية انتشاره وتمثيله على مستوى باقي مناطق الوطن. وبالعودة إلى تاريخ أو نشاط حزب جبهة القوى الاشتراكية منذ عهد الانفتاح السياسي، فلا بد من الوقوف على مجموعة من الحقائق التي تؤكد جميعها أن حزب آيت أحمد الذي يعد أقدم حزب سياسي معارض في الجزائر تمكن من اختراق الساحة السياسية بشكل كبير جعله يتبوأ المراتب الأولى في الانتخابات التشريعية التي جرت في سنة 1991، بل أكثر من ذلك فقد استطاع خلالها من إزالة حتى جبهة التحرير الوطني وقتها ليحتل الصف الثاني بعد الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، وهذا دليل قاطع على القوة التي كان يتمتع بها وقتها. لكن الخط الذي تبناه قائده التاريخي المعروف بنمطية مواقفه السياسية حيال السلطة وأيضا إزاء كل المشاريع التي قدمتها مباشرة بعد توقيف المسار الانتخابي، جعل حزب جبهة القوى الاشتراكية يدخل في مداومة سياسية وتنظيمية أدت إلى إحداث تغييرات متتالية على مستوى قيادته بشكل عكس ربما عدم قدرة الأفافاس على التكيف بالشكل الجيد مع المعطيات التي طبعت الساحة السياسية في تلك الفترة، قبل أن يقر في آخر مطاف الرحيل إلى شاطئ المعارضة الراديكالية التي فرضت على الحزب مقاطعة أغلب الانتخابات والاستحقاقات السياسية التي شهدتها البلاد منذ سنة 1999. وتبين أن حزب الأفافاس عجز كثيرا عن تسويق هذا الموقف وسط مناضليه، وحتى بين بعض من قيادييه الذين لم يستطيعوا تحمل هذا الموقف الذي رأوا فيه مجازفة حقيقية بمستقبلهم السياسي وقتلا مبرمجا لجميع طموحاتهم، مما اضطر عددا كبيرا منهم إلى مغادرة الحزب نحو أحزاب جديدة، أو الاستقالة نهائيا من العمل السياسي مثلما فعل علي راشدي وآخرون، وهي جميعها مؤشرات تكون قد لعبت دورها وهزت مؤسسه التاريخي حسين آيت لمعاودة مراجعة موقفه من قرار المقاطعة، ولو ان التفسيرات التي ساقها مسؤولوه في أعقاب المؤتمر الأخير الذي انتهى بإزالة كريم طابو من الأمانة العامة، كانت تصب في مناح أخرى لخصها السكرتير العام الجديد في رغبة الأفافاس في المشاركة في إحداث تغيير سلمي في البلاد! الانتخابات التشريعية الحالية أظهرت أن حزب حسين آيت أحمد لم يتأثر كثيرا من قرار المقاطعة ويبقى يحافظ ربما على وعائه الانتخابي نفسه، لكن التساؤل الذي يطرح في هذا السياق يتعلق بما يخبئه الأفافاس مستقبلا، وهل سيلتحق بالأحزاب السياسية الغاضبة من النتائج أم سيفضل معارضة السلطة من داخل قبة البرلمان، كما فعل غريمه التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية خلال العهدة البرلمانية السابقة؟