يشكّل قطاع الصيد البحري إلى جانب السياحة والفلاحة أهم مورد اقتصادي بالنسبة لولاية بومرداس، حيث كان وإلى وقت قريب يستقطب عشرات المهنيين والعائلات التي كانت تسترزق من هذا المورد الهام باحترافها لمهنة الصيد البحري المتوراثة أبا عن جد عبر مؤسسات صغيرة تنتشر في كل من زموري، رأس جنات ودلس، إلاّ أنّ القطاع شهد في السنوات الأخيرة وخاصة في العشرية السوداء التي مرّت بها الولاية حركة استنزاف كبيرة أدّت إلى توقف العديد من الصيادين أو تحويل نشاطهم إلى مناطق مجاورة مثل أزفون وبجاية وحتى موانئ بالجهة الغربية للعاصمة مثل بوهارون. لقد بذلت وزارة الصيد البحري والموارد الصيدية في المدة الاخيرة مجهودات كبيرة لإصلاح القطاع وإخراجه من القوقعة التي يعيشها في الميدان عن طريق مديرية الصيد البحري وغرفة الصيد وتربية المائيات كهيئة مكلفة بالمهنيين والتكفل بانشغالاتهم وتوسيع مجالات التكوين في كل من مركز زموري ودلس، بالاضافة إلى الاجراءات التحفيزية الكثيرة المتخذة لتشجيع الصيادين وحثهم على الاستمرار في المهنة، ومحاولة جلب مستثمرين جدد بالاعتماد على وكالة دعم وتشغيل الشباب (ansej) والصندوق الوطني للتأمين عن البطالة (cnac)، وهي وكالات أخذت على عاتقها دعم ومساعدة الشباب في انشاء مؤسسات مصغرة في مجال الصيد البحري وتوجيهم ميدانيا، خاصة في مجال الدعم البنكي لاقتناء سفن صيد صغيرة، إلاّ أنّ كل هذه الاجراءات والتدابير المتخذة لم تكن في نظر المهنيين والمختصين كافية لانتشال القطاع من الفوضى، وعدم القدرة على استغلال الثروة السمكنية أحسن استغلال ،التي شهدت هي الأخرى تراجعا رهيبا مما أدى إلى ارتفاع سعر السمك بدرجة غير معهودة ومفاجئة للمستهلك الذي لم يهضم تجاوز سعر الكلغ الواحد من السردين 350 دينار في مناطق كانت مشهورة بانتاج هذه الأنواع السمكية، بالاضافة إلى الوضعية المهنية الصعبة للبحارة الذين يشتكون بدورهم من ظروف العمل الصعبة وغياب الحقوق المهنية. أكثر من 10 آلاف طن سنة 2011 وسط كل هذا الوضع المعقد الذي يعيشه القطاع، أظهرت إحصائيات صادرة عن مديرية الصيد البحري وتربية المائيات لولاية بومرداس ارتفاع ملحوظ في الانتاج السمكي خلال سنة 2011، الذي قدر ب 3 ، 10 ألف طن مقارنة مع سنة 2010 التي شهدت إنتاج 5 ، 6 ألف طن من الإنتاج الإجمالي، أي بزيادة حوالي أربعة أطنان في حين وصل إنتاج تربية المائيات على مستوى الأحواض 120 طن مقابل 3 طن سنة 2010 بعد أن دخلت مزرعة تربية المائيات ببلدية رأس جنات حيز الاستغلال. وقد ربط المصدر سبب هذا النمو المسجل بتوسع حجم النشاط وانتشار حرفة الصيد بين سكان المناطق الساحلية، خاصة لدى الشباب الذين بادروا إلى خلق مؤسسات مصغرة متخصصة في إنتاج أنواع مختلفة من الأسماك في إطار تشغيل الشباب. ومن الأمثلة عن ذلك، كشف مصدر من مديرية الصيد البحري عن تسليم 47 رخصة استغلال جديدة سنة 2011 مقابل 12 رخصة فقط سنة 2010، وهي العملية التي مكنت من اقتناء قوارب صيد جديدة بين الصغيرة والمتوسطة وبالخصوص على مستوى موانئ زموري، رأس جنات ودلس، وبعض المرافئ الطبيعية التي تنتظر التأهيل في كل من حي المنارة بدلس وقرية الزاوية ببلدية اعفير، كما ساهمت العملية أيضا في خلق مناصب شغل عديدة لفائدة الشباب قدرها المصدر ب 549 منصب جديد ليصل إجمالي المناصب المستحدثة في قطاع الصيد البحري وتربية المائيات إلى 5296 سنة 2011 مقابل 4747 سنة 2010. وعن المؤشرات الاقتصادية للقطاع وآفاقه المستقبلية، كشفت الأرقام المقدمة من قبل المصالح المعنية أن عدد وحدات الصيد البحري للأسطول المحلي ارتفع من 416 وحدة إلى 432 وحدة من مختلف الأصناف، أي بزيادة 16 وحدة، مع تسجيل ارتفاع في عدد البحارة الدائمين والموسميين إلى 118 بحارا في شتى الأصناف والتخصصات. هذا وقد شكّل موضوع تذبذب الإنتاج السمكي وندرته أحيانا وما صاحبه من ارتفاع مطرد غير مسبوق وغير مبرر في الأسعار على مستوى الأسواق المحلية خلال الثلاثة سنوات الأخيرة الكثير من التساؤلات التي لم تجد إجابة شافية لدى المواطن، وحتى القائمين على القطاع بولاية بومرداس التي كانت معروفة جدا بإنتاجها الوفير ذو النوعية الجيدة، حيث ربطه البعض بتقلبات المناخ وما واكبه من تأثيرات سلبية على البيئة أثرت بدورها على الحياة البيولوجية المائية للأسماك، في حين ربط بعض المختصين ظاهرة تراجع الإنتاج السمكي بنسبة التلوث المرتفعة التي ازدادت حدة على طول الشريط الساحلي للولاية بالنظر إلى حجم النفايات الصناعية والإنتاجية المرمية بطرق عشوائية على ضفاف الأودية، لكن تبقى الفرضية الثالثة المتعلقة بالمضاربة والاحتكار وعملية البزنسة في أعال البحر الأقرب إلى التصديق والمنطق في ظل غياب الرقابة وفوضى الأسواق، وإلاّ ما مبرّر ارتفاع سعر الكلغ من السمك إلى أكثر من 300 دج في مناطق اعتبرت إلى وقت قريب المرجع في الإنتاج السمكي كبلدية دلس؟ ثم أين هي مصالح الرقابة في ضبط عملية السوق ومراقبة نقاط البيع غير القانونية المعروفة بطاولات بيع الأسماك المنتشرة على طول الطريق الساحلي المعرضة لأشعة الشمس، التي قد تضر بصحة المواطن الأكثرية منها تعرض سلع مجمدة وتقديمها للمستهلك على أساس أنها منتوج اليوم؟ كما أنّ الوضعية الادارية التي تعيشها غرفة الصيد البحري بالولاية من حيث تراجع دورها في الميدان، خاصة في مجال تكوين المهنيين ومتابعتهم على مستوى المراكز المتخصصة، قد قلّص من أهمية القطاع الذي ينتظر مشاريع استثمارية هامة لانتشاله من هذا الوضع الامر الذي دفع بالمهنين والمتربصين إلى تنظيم قبل ايام انتخابات لتحديد ممثل ولائي بالغرفة الوطنية من اجل اعطاء دفع جديد لهذه الهيئة، في انتظار أيضا توسيع عدد المزارع المائية التي بإمكانها تعويض نقص الثروة السمكية بالولاية التي تتعرض للاستغلال الفظيع بعيدا عن أعين الرقابة والصيد غير القانوني حتى في فترات الراحة البيولوجية، وهي هواجس وانشغالات دفعت بمديرية الصيد بالولاية إلى تنيظم يوم تحسيسي الأسبوع الماضي لفائدة المهنيين من أجل تحسيسهم حول أهمية الراحة البيولوجية الممتدة من أول ماي إلى غاية 31 أوت، بالاضافة إلى أهم الاجراءات العقابية المتخذة في حق المتجاوزين بما فيها سحب رخص الاستغلال وحجز سفن الصيد.