تدخل الجزائر مرحلة جديدة، بعد الاستفتاء حول تعديل الدستور، تبدأ معها ورشات الإصلاحات السياسية والقانونية والمؤسساتية، لملاءمة القوانين مع الوثيقة الأسمى بالبلاد، والبداية تكون بأولويات تفرض نفسها لإحداث القطيعة مع ممارسات سابقة من شأنها أن تعيق أي إصلاح، وهو ما يتفق عليه سياسيون وقانونيون. يقدّم علي ربيج، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في تصريح ل»الشعب ويكاند» تحليلا للمرحلة الحالية، التي يرى فيها أن الجزائر أغلقت ورشة تعديل الدستور الذي تم الاستفتاء عليه كضرورة للتماشي مع المرحلة الجديدة، لاسيما فترة ما بعد الحراك، وتعديل الكثير من النقاط التي كرّست الكثير من الإختلالات بين السلطات، سواء من حيث الصلاحيات، المهام، الحدود والمفاهيم، ناهيك عن السلطة التشريعية التي كانت تعرف في مرحلة سابقة حالة ضياع، بسبب تغول المال الفاسد خاصة في شراء الذمم وقوائم الترشيحات وغيرها.. إبعاد شبح التزوير.. وأوضح ربيج أنه كما كان متوقعا تم المضي في مشروع تعديل الدستور الذي خاض تجربة استثنائية، باعتباره جاء في ظروف صحية معقدة كان لها الأثر الكبير على المناخ العام في تجسيد التزام من رئيس الجمهورية منذ بداية خروج مسودة لعرابة وتضارب المواقف بين التأييد والرفض، مرورا بالحملة الاستفتائية التي كانت ذات طبيعة خاصة، على عكس الزخم والنشاط التي تعرفه الانتخابات العادية. وحسب الأستاذ، المفاجأة في الاستفتاء أو ما اعتبره ب»المكسب» هو النجاح في إبعاد شبح التزوير وقطع الطريق على الممارسات السابقة، ما سمح بتدارك هذا الأمر. السلطة المستقلة للانتخابات نجحت في الامتحان واستطاعت غلق ملف التزوير، في حين تبقى المقاطعة والعزوف الانتخابي تحدّ لابُد من التخفيف منه، حتى وإن كان من الناحية القانونية الأمر معقول ولا يطرح أي إشكال. سياسيا، ستحاول المعارضة الاستثمار في الكتلة المقاطعة وفي ما إذا كان هذا السلوك عزوف سياسي أو مقاطعة عن وعي، مشيرا إلى أنه أمر يصعب دراسته لغياب مراكز صبر الآراء أو دراسات استراتيجية. وفيما تعلق بمرحلة ما بعد الدستور، أوضح متحدث «الشعب ويكاند» أن الفواعل السياسية من رجالات الدولة أحزاب ومجتمع مدني استخلصت عديد الدروس، بداية بدراسة المقاربة الانتخابية والدستورية لتسوية الخلافات السياسية. ويرى ربيج أن رئيس الجمهورية سيعمد إلى الإسراع في تغييرات على مستوى المجالس المنتخبة والمحلية بانتخابات مبكرة، إضافة الى تعديلات ستمس بعض النصوص القانونية كقانون الانتخابات، الأحزاب، العمل، الاعلام، الجمعيات، قانون البلدية والولاية حتى تكون مطابقة لروح الدستور الجديد. المعارضة مطالبة بمقاربة جديدة وبخصوص الأحزاب التقليدية يؤكد ربيج: «أنه هناك دور محتشم لها، إلا أنه يجب الاعتراف أن الأفلان والأرندي نجحا في تجاوز مرحلة محاولة إبعادهما عن المشهد السياسي، أما المعارضة فهي مطالبة بتبني مقاربة بعيدا عن المقاطعة». وأشار المتحدث إلى أن بعض أحزاب المعارضة بدأت في التكتل وتقترح نفسها ممثلا للحراك واستغلال الفراغ ومنها مبادرة نداء ال 22، تحضيرا للانتخابات المبكرة، بما في ذلك التيار العلماني الديمقراطي. وفي السياق اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن التدافع السياسي بين السلطة والمعارضة ظاهرة صحية، شرط أن تصب في خدمة المصحة العليا للبلاد، بعيدا عن أي تبعية أو تعامل مع جهات أجنبية لفرض منطق معين غير المنطق الوطني. نتائج إجرائية قانونية تفرض نفسها من جهته، أوضح أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بخميس مليانة بلال بلغالم، أن الاستفتاء تتبعه نتائج إجرائية وبعدها ورشات للتماشي مع الوضع الجديد، فبعد إعلان المجلس الدستوري للنتائج النهائية، والنظر في الطعون المقدمة، يصبح الدستور ساري المفعول بمجرد نشره بالجريدة الرسمية. وعلى الصعيد المؤسساتي، تصبح مؤسسات الدولة ملزمة باحترامه والتكيف معه سواء بتعديل أو إلغاء النصوص التي تتعارض مع الدستور، باقتراح من حكومة ومصادقة من البرلمان، بداية بقانون الانتخابات، فبعض الأحكام المنافية أو الذي تتعارض مع المبادئ الدستورية يجب أن تعدل حتى تتماشى مع الدستور الجديد. وبخصوص هياكل مؤسسات الدولة، سيتم إلغاء المجلس الدستوري الذي سيُعوّض بالمحكمة الدستورية، حيث سيتم تعيين أعضائها وفقا للدستور الجديد، ناهيك عن الانتخابات التشريعية. وهنا، هناك احتمالان: إما القيام بحل المجالس المنتخبة والذهاب إلى انتخابات مسبقة وهو أمر مستبعد، لأن رئيس الجمهورية اختار الانتخابات المبكرة مع الاحتفاظ بالمجلس الشعبي الوطني وباقي المجالس المنتخبة التي تبقى خاضعة للأحكام الانتقالية من الدستور إلى غاية النظر فيما ستفرزه النتائج، فإذا كانت هناك أغلبية رئاسية سيتم تعيين وزير أول، وإذا كانت أغلبية برلمانية فرئيس الجمهورية ملزم بتعيين رئيس حكومة. ويرى بلغالم أنه على رئيس الجمهورية مراعاة الوضع السياسي والتريث قليلا، قبل الذهاب إلى انتخابات مبكرة، خاصة وأن الجزائر عرفت مواعيد منها انتخابه كرئيس جمهورية، ثم استفتاء في فترة قصيرة، حيث لابد من التوقف عند القراءة الأولية للعملية الاستفتائية، لاسيما ما تعلق بنسبة التصويت، التي كانت مرتفعة لدى انتخابه وتقهقرت في الاستفتاء. ويوضح أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بخميس مليانة أن أهم الأولويات التي تفرض نفسها هي إعادة النظر في المجتمع المدني، لاسيما ما تعلق بإنشاء المرصد الوطني للمجتمع المدني، والذهاب نحو إلغاء دعم الدولة لتحقيق التنمية المحلية، حيث سيترك المجال لترك الجماعات المحلية وتحريرها لتعمير مناطق الظل من خلال ما يسمى ب»سلطات عدم التركيز»، من ولاة ورؤساء دوائر، ناهيك عن الرقي بمشاركة المجتمع المدني في تمثيل الشؤون العمومية في إطار الديمقراطية التشاركية التي لا يمكن أن تتحقق إلا على المستوى المحلي.