قضايا الأمن القومي توحّد الجزائريين باختلاف أطيافهم وتوجهاتهم فرضت التطورات الأخيرة بالصحراء الغربية، بعد خرق المغرب لاتفاق وقف إطلاق النار مع جبهة البوليساريو، إعادة قراءة دقيقة لموقع الجزائر من كل ما يجري على حدودها الإقليمية، وقدمت إلى الواجهة عديد الأوراق الرابحة لتجاوز ما يسميه أستاذ العلاقات الدولية د.مصباح مناس، «لعبة التطويق الاستراتيجي». لم تعد منطقة شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط بمعزل عن التوترات المترابطة الخلفيات والأبعاد في مختلف المناطق الجغرافية، خاصة مع انهيار السلم الهش في الصحراء الغربية بسبب عجز الأممالمتحدة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب الصحراوي وتعنت الاحتلال المغربي المدعوم من قوى الهيمنة. هذه التطورات اللافتة، يعتبرها أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، د. مصباح مناس، «مرحلة متقدمة من المخاض العسير لميلاد النظام العالمي الجديد»، والذي سيخلف آلاما شديدة لكل الدول والجغرافيات، بحسب قوله. ونظرا لموقع الجزائر وتقاسمها حدودا شاسعة وعرة مع كل الجوار المشتعل، أكد مناس، أهمية «أخذ الأمور بجدية شديدة»، خاصة «من قبل الجبهة الداخلية، باعتبارها أم الجبهات»، وقال: «إن ما يجري على حدودنا كلها، يثبت حديث القيادة العليا للبلاد عن تهديدات مستمرة ليس خطابا أجوف، ويجب أن يكون الجميع واعيا بما يجري وعدم إعطاء فرصة لأعداء البلاد في الخارج». واستطرد مناس، بأن «قضايا الأمن القومي دائما مع توحد الجزائريين، باختلاف أطيافهم وتوجهاتهم»، وهو ما يمكن الجزائر من تجاوز كل التحديات بنجاح، «كما ستفعل مع مرحلة ميلاد النظام العالمي الجديد». ويعلق المتحدث على التطورات الحاصلة مؤخرا في الصحراء الغربية، عقب قيام الجيش المغربي، الجمعة، بخرق اتفاق وقف إطلاق النار بمعبر الكركرات، ورد جبهة البوليساريو بإعلان إنهاء الالتزام بالاتفاق «بالنتيجة الميدانية للانسداد الحاصل منذ عقود في مسار التسوية بين طرفي النزاع». لكن وبوضع الصحراء الغربية في السياق الإقليمي المضطرب في كل من ليبيا (الحدود الشرقية) والساحل الإفريقي (الحدود) الجنوبية، يتضح، بحسب الباحث، مدى التقدم في تنفيذ «ما يسمى بلعبة التطويق الاستراتيجي للجزائر»، وهو «مخطط قديم وليس بالجديد». وتابع بأن «بث الفوضى في ليبيا منذ قرابة 10 سنوات، كان من أهداف قطع الترابط الحيوي بين الجزائر ومصر، وقطع الطريق بين شمال إفريقيا وجنوب الصحراء بإشعال الساحل الإفريقي». في المقابل، رأى في إقدام المغرب على خرق اتفاق وقف إطلاق النار بمعبر الكركرات، «بالخطوة التقليدية المعروفة التي يلجأ إليها النظام المغربي كلما اشتدت أزمته الداخلية»، مضيفا «بأن اقتصاد المغرب خدماتي ويعيش على تمويل ودعم بعض الدول، ولا أشك في أن الأزمة الاقتصادية لم تعد تحتمل مع تفشي وباء كورونا، لذلك يشكل خرق الاتفاق مع البوليساريو والتلويح بالتوتر مع جارته الشرقية (الجزائر) متنفسا يلجأ إليه في كل مرة». وأمام هذه الأوضاع، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية، أن الجزائر ليست بحاجة لاستعراض قوتها العسكرية، لأنه «فعلا الأقوى في المنطقة»، وقال: «إن التطور الذي بلغه الجيش الجزائري ينسجم والعقيدة العسكرية الوطنية الدفاعية لحماية الحدود والتراب الوطني وليس مهاجمة الغير». وأشار إلى حرص الدبلوماسية الجزائرية، على حسن الجوار ومنع انهيار علاقاتها مع جميع الدول، دون استثناء، لذلك يستبعد في الوقت الراهن انزلاق الأمور نحو الأسوأ وبين أية دولة مجاورة. وذكر مناس ببيان وزارة الشؤون الخارجية، الجمعة، الذي دعا طرفي النزاع المغرب والبوليساريو إلى ضبط النفس واستئناف العملية السياسية بتعيين مبعوث أممي جديد من قبل الأمين العام للأمم المتحدة.