اعتبر مصطفى صايج خبير العلوم السياسية والعلاقات الدولية، زيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس اليوم للجزائر خطوة من الإليزيه لإنعاش العلاقات الثنائية بعد حالة الفتور التي مرت بها بسبب ملف الذاكرة واستفزازات فرنسا المتكررة في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وسياسة اليمين المتطرف. وقال صايج أن بروز تيارين أحدهما إيجابي والآخر سلبي جعل التناقض السمة البارزة على المواقف بين البلدين، موضحا بأن الظروف التي تمر بها المنطقة والبلدان تجعل التقارب ممكنا على مستوى المصالح الاقتصادية والتجارية مع تواصل التجاذبات حول ملف الذاكرة وخاصة الجرائم المرتكبة في حق الشعب الجزائري طيلة الفترة الاستعمارية. هذه الملفات.. وأمور أخرى سنكتشفها في هذا الحوار الذي خصنا به الدكتور صايج.. ❊ “الشعب”: ينزل اليوم لوران فابيوس وزير الشؤون الخارجية الفرنسي ضيفا على الجزائر، فهل لك أن تقيم لنا العلاقات الفرنسية الجزائرية في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة والبلدان؟ ❊❊ الدكتور مصطفى صايج: تتزامن زيارة وزير الشؤون الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مع تحولات سياسية واقتصادية وأمنية متشنجة تمر بها منطقة المتوسط والساحل الصحراوي، ستنعكس على الزيارة التي ستحمل أبعادا أخرى مبنية على تبادل المنافع والمصالح، والتي لن تسقط بطبيعة الحال ملف الذاكرة وجرائم الاستعمار في الجزائر. وعليه، فالعلاقات بين الجزائر وباريس يحكمها اتجاهان متناقضان أو اتجاهان أحدهما ايجابي والآخر سلبي. الاتجاه الإيجابي سيركز على إمكانية التوصل إلى بعث العلاقات الاقتصادية والتجارية وتعزيز الاستثمار بالنظر لسعي باريس للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي تتخبط فيها واستغلال ما توفره الجزائر من فرص استثمارية وراحة مالية باحتياطي صرف يقارب 200 مليار دولار، كما أن انتشار الجالية الجزائرية وتواجدها على مستويات هامة في فرنسا من شأنه أن يصب في خانة تحسين العلاقات والدفع بها بما يخدم مصالح البلدين. أما الاتجاه الثاني أو السلبي كما يطلق عليه فيركز بشكل كبير على الذاكرة والتاريخ وكل ما يحكمه من تناقضات بين مواقف البلدين، والجزائر وكما هو معروف من عهد الرئيس الراحل هواري بومدين تتعامل مع مبدأ طي الصفحة وعدم تمزيقها وهو عكس ما تصبو إليه باريس التي عمدت إلى إصدار قانون يمجد الاستعمار في فيفري 2005 كخطوة من اليمين المتطرف للوقوف أمام أي اعتراف بالجرائم الفرنسية في الجزائر. ومنه فالملفات العالقة وتواصل التناقضات على مستوى الدبلوماسية تجاه بعض الملفات كالشراكة المتوسطية التي حملها ساركوزي في مشروع الاتحاد من أجل المتوسط وبروز اختلاف حول الاتحاد المغاربي بسبب قضية الصحراء الغربية بسبب انحياز فرنسا لطرح الاستعمار المغربي كلها عوامل فاعلة في تحديد العلاقات بين البلدين والتأثير عليها مستقبلا. وإرسال الرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند لوزير خارجيته للجزائر مبادرة منه لتكريس الاتجاه الإيجابي في التعامل مع الجزائر من خلال منظور براغماتي يراعي مصالح فرنسا الاقتصادية والمالية ويدعم مواقف باريس الاقتصادية التي قررت إنشاء مصنع »رونو« للسيارات في بلادنا وتشجيع المؤسسات الفرنسية للمجيء إلى الجزائر. مع محاولته تحييد ملف الذاكرة ولو بطريقة دبلوماسية من خلال بعض التصريحات حول الماضي الاستعماري الفرنسي في الجزائر لكن بنسق لا يوحي باعتراف فرنسا بجرائمها والاعتذار للجزائر. ويبقى على المجتمع المدني الجزائري ووسائل الإعلام مواصلة النضال والمقاومة لاسترجاع حق الجزائر ونيل ما نريده من فرنسا لأن العديد من التجارب في العالم أكدت قدرة المجتمع المدني والأحزاب في تحقيق مكاسب لأن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم. ❊ تعتبر قضية تدهور الأوضاع في مالي والساحل بصفة عامة من الملفات الساخنة التي كانت محور اهتمام الجزائروفرنسا من خلال زيارات شخصيات فرنسية للجزائر، فماهي إمكانيات التنسيق لمجابهة التدهور الأمني بالمنطقة وإيجاد حل سياسي مثلما تسعى إليه الجزائر؟ ❊❊ إن قضية الساحل معقدة نوعا ما وتحمل تناقضات بين مواقف باريس والجزائر، ففرنسا تسعى بكل الطرق للحفاظ على نفوذها ومواقعها في الساحل الصحراوي ومنطقة غرب إفريقيا بصفة عامة، بينما تتحسس الجزائر من هذا الملف لكونه يهدد استقرار أمنها على مستوى الحدود، كما أن الجزائر ترى فيه تطويقا لمناطقها الجنوبية وعليه فهي تسبق دائما للحوار بين الأطراف المالية وإيجاد حل وسطي لتفادي إندلاع مواجهات عسكرية تزيد من حالة الاحتقان على مستوى الحدود بعدما أفرزته الأزمة الليبية من مخلفات خطيرة أحدثت انعكاسات سلبية على مستوى الحدود الجزائرية ومنطقة الساحل من خلال تدفق السلاح وانتشار الفلتان الأمني. ولكن يبقى العمل المشترك والتشاور حول الوضع في مالي والساحل مهما، بعد أن كان محورا لزيارة الوفد الفرنسي للجزائر الأسبوع الماضي بقيادة »هيلين لوغال« مستشارة الرئيس الفرنسي للقضايا الإفريقية والسيد فيليكس باغانون ممثل وزير الشؤون الخارجية الفرنسي في الساحل حيث التقوا السيد عبد القادر مساهل الوزير المنتدب المكلف بالشؤون الإفريقية والمغاربية، وأكدوا تقاسم نفس الانشغالات في انتظار التوفيق بين الحلول المقترحة مع تأكيد الجزائر على ضرورة استبعاد الخيار العسكري الذي قد يزيد من تدهور الأوضاع في ظل انتشار الجريمة المنظمة والإرهاب. كما أن الجزائر يمكن أن تستغل مكانة فرنسا في الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي لتمرير وجهة نظرها لإيجاد الحلول اللازمة في المنطقة، وستكون الزيارة فرصة للدبلوماسية الجزائرية للتحرك وتفادي الانعزال الذي تحاول العديد من الجهات الخارجية فرضه علينا في بيئة متحركة كثيرا. كما أن الزيارة ستكون قيمة مضافة للجزائر في ظل العلاقات المتميزة التي تربطنا مع واشنطن والدول الآسياوية ونافذة باريس ستقوي أكثر القراءات الجزائرية لمختلف القضايا. وبالتالي فإعادة بناء الإستراتيجية الأمنية في الساحل سيجعل تعاون فرنساوالجزائر حتمية بالنظر لتموقع كل بلد في المنطقة. ❊ هل ننتظر تغيير فرنسا لموقفها تجاه قضية الصحراء الغربية بعد وصول الاشتراكيين بقيادة هولاند؟ ❊❊ إن موقف فرنسا تجاه الصحراء الغربية لن يتغير بتغير الرؤساء، وتذكرني هنا مقولة الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران الذي حكم فرنسا في الثمانينيات وقال أن السياسية الخارجية لفرنسا تسطرها الشركات المتعددة الجنسيات والمصالح، كما أن العامل الثقافي والحضاري وتخوف فرنسا من استقلال الصحراء الغربية والاعتراف باللغة الاسبانية كلغة رسمية من شأنه أن يكسر نفوذ فرنسا في غرب إفريقيا ويجعل الاسبانية منافسا لها. كما أن تأثير اللوبي الصهيوني في فرنسا والمغرب والذي كان وراء كسر قرارات الأممالمتحدة في مجال توسيع صلاحيات »المينورسو« لمراقبة حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية بعد تزايد الاعتداءات والانتهاكات المغربية يؤكد صعوبة تغيير الموقف الفرنسي تجاه القضية الصحراوية.