إنّ الحديث عن تنشئة الطفل وعوالم هذه التنشئة هو الحديث عن العناصر الأساسية للتنمية الشاملة، والاهتمام بالطفولة هو اهتمام بمستقبل المجتمع بكل معاييره الحضارية والثقافية والاجتماعية...، وذلك من خلال تنمية مواهب الطفل ومعارفه باعتباره ميدان استثمار للرأس المال البشري، فلا بد من الاستجابة لاحتياجاته الأساسية من خلال التخطيط العلمي وتوفير الموارد البشرية والمادية اللازمة لتنشئة الطفل تنشأة سليمة. تقاس حضارة أي مجتمع على أساس ما تقدمه لأطفالها من معرفة ثقافية واهتمام بالطفل وأدبه، وذلك من خلال كل السبل المتاحة شفاهة أو كتابة مع توجيه الإعلام ووسائله. فما نشهده اليوم من منافسة شديدة بين الوسائل التقنية الحديثة مثل التلفزيون وشبكة الانترنت ووسائل التواصل الأخرى يعكس الأثر البالغ في تطور أدب الأطفال، كما أدت إلى قصر المسافة بين الأطفال والتكنولوجيا حتى باتوا ينافسون الكبار في اقتناء أجهزة الاتصال الحديثة التي أصبحت تشكل بالنسبة لهم متطلبات أساسية في حياتهم اليومية، وأصبحت هذه الفئة محاطة بعدة تحديات جسيمة لاسيما في مجتمعنا بسبب عدم التحكم في الإعلام الجديد الذي أضحت مضامينه تؤثر بشكل أو بآخر على حياة الطفل، وأصبحت التكنولوجيا بفعل ما تمارسه من تأثير على الطفل تضطلع بعدة أدوار كانت تقوم بها مؤسسات أخرى كالأسرة والمدرسة والمسجد وحتى الشارع أحيانا. لقد أضافت الوسائط الرقمية والإعلامية للطفل شيئا جديدا، وهو الخصوصية وأصبح يستطيع متابعة كل ما يخصه من قصص وحكايات من المكان الذي يراه مناسبا، وأصبحت تلك النصوص أكثر تحررا من الموجودة في الكتب والمجلات، فهي تعرض على الحاسوب المحمول أو الهاتف الخلوي الذكي، كما ساعدت الديناميكية السريعة المتطورة والتصاميم الجذابة التي وضعتها شركات البرمجة المحسوبة بين يدي الطفل على تشجيع القراءة وانتشار الفنون المختلفة لأدب الطفل، ومزجت بين مهارات اللعب وبين تسلسل القصة وبذلك أصبحت الألعاب الالكترونية وسيلة فاعلة في تنمية التفكير المتوازي، إضافة الى تعزيز الشعور الذاتي وتنمية المشاعر، وكذا تنمية الملكة اللفظية لدى الطفل مما يمنحه قدرة كبيرة على التعبير وفهم اللغات وإتقانها، وتقديم معلومات مختلفة ممّا يزيد من اطلاعه ويوسّع خياله من خلال أفلام الكرتون الهادفة والجيدة المحتوى التي تقدم دورا مهما في غرس القيم التربوية عند الأطفال. تؤمن الشبكات أيضا بيئة تعلم محفّزة ومثيرة للأطفال الذين يدرسون مستمدّة من واقعهم الاجتماعي، إذ تشركهم في التعبير عن آرائهم عن طريق الشبكات الاجتماعية ومنتديات المناقشة التي توفّر لهم إمكانية التدوين عن مواضيع اهتماماتهم ومناقشة القضايا ووجهات النظر والمشاركة في طلب وتقديم المشورة. ومنه يمكن الاعتراف بأنّ وسائل الاتصال الإلكترونية خطت بفكر أطفال اليوم وساعدتهم على الارتقاء بمستواهم، وأصبحوا أكثر ابتكارا إذا أحسنوا استغلالها. في الجهة المقابلة ومع التدفق السريع للمعارف كمّا وكيفا عبر العديد من هذه الوسائل أصبح مع العسير القدرة على التحكم في دقة انتقاء وسائل أدب وثقافة الأطفال، فأصبح أطفالنا اليوم يواجهون أخطارا كبيرة ناجمة عن الاستغلال السيء للأنترنت، من خلال العمل المباشر على الشبكة بلا توعية مسبقة أو إرشاد من الأهل أو ذوي الرعاية، وهي تتزايد يوما بعد يوم؛ ومن أهم مظاهر الخطورة على أطفال اليوم اعتيادهم وإدمانهم عليها..كما أنّ تكرار المشاهد يؤدي إلى تبلد الإحساس بالخطر وقبول العنف كوسيلة استجابة تلقائية لمواجهة الصراعات، ناهيك عن التنمر السيبراني، والصور والأفلام غير اللائقة التي لا تلائم نمو الطفل، فتؤثر مشاهدتها ليس على نموه الذهني والمعرفي فقط وانما ايضا على سلوكياته وتصرفاته مع الآخرين..ممّا يسيء للطفل فيشعر بالإحباط. ومن هذا المنطلق وأمام هذا الواقع المرير، وجب تضافر جهود الجميع وكل المعنيين بالطفولة للقيام بنهضة لتطوير عالم الطفل وصناعة محتوى يليق بأطفالنا يرسم خطوات مستقبلهم، يزرع فيهم القيم الثقافية والدينية والوطنية، ويغرس في نفوسهم المبادئ التي تساندهم في مراحل شبابهم وصولا الى تحقيق أهدافهم بعيدا عن العنف والانعزال، إضافة الى تلقين الأطفال ثقافة المطالعة من خلال خير جليس وهو الكتاب، لتنشئة جيل واع ومسؤول في المجتمع الرقمي وفي المجتمع الواقعي على حد سواء..