ذكرى 24 فبراير تعود في ظروف محلية و دولية مغايرة نحتفل اليوم بالذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين و تأميم المحروقات في ظرف خاص ميّزته التطورات الحاصلة على الصعيدين المحلي و الدولي ،فالأوّل تميّزه الرهانات الكبيرة التي تنتظر الجزائر لتخطّي ما أسماه خبراء الطاقة بعقبة المحروقات فرغم الثروات الطبيعية الهائلة التي منّها اللّه علينا سواء كانت على شكل موارد تقليدية أو غير تقليدية و عائداتها التي لا تنضب إلاّ أنّها كانت هي السبب الرئيسي وراء جمود اقتصادنا و تخلّينا عن القيمة المضافة فبقدر ما كانت كنوزنا الباطنية نعمة مكّنتنا من تحقيق اكتفاء ذاتي من الطّاقة في وقت تتخبّط فيه دول أخرى في أزمات داخلية و خارجية ،بقدر ما كان ريع البترول نقمة علينا يقول الخبراء لأنه عطّل آلتنا الانتاجية و جعلنا شعب يستهلك و لا ينتج و من الرهانات الأخرى التي تنتظر الجزائر على الصعيد الاجتماعي هو الارتقاء بالشريك الاجتماعي فمهما كانت الثروات الطبيعية ضخمة فإنّها لا تساوي شيئا في غياب سواعد قادرة على رفع كل التحديات التي أعلنت عنها الحكومة من أجل دفع الاقتصاد و تحريكه بطاقات جديدة خارج المحروقات ،فليست الصدفة التي جمعت المناسبتين في يوم 24 فيفري ،فبناء الاقتصاد يعني الموارد البشرية و المادية معا و لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل هذا عن ذاك و لن يحتفل الاتحاد العام للعمال الجزائريين هذه السنة دون الالتفات إلى ما تحقّق منذ عهد عيسات إيدير و بن حمّودة و غيرهم ممّن صنعوا أمجاد الطبقة العمّالية إبّان الثورة التحريرية و خلال ثورة البناء و التشييد منذ الاستقلال إلى اليوم فدور النقابة هو تحقيق الاستقرار الاجتماعي و قد حاول الاتحاد تجسيده خلال 59 سنة من النضال ،فلم تكن طريقه معبّدة دائما لأن العمال الجزائريين عاشوا دوامة الأزمة الاقتصادية في سنوات التسعينات بسبب انهيار أسعار البترول و ارتفاع الديون الخارجية أمام تراجع المداخيل و ما انجرّ عنه من غلق لعشرات المؤسسات و تسريح لمئات أو لآلاف العمال و رغم صعوبة الظروف الاجتماعية في تلك الحقبة بقي الاتّحاد العام للعمال الجزائريين إلى يومنا هذا الشريك الاجتماعي الوحيد ببلادنا الذي يحسب له ألف حساب و به حقّقت الطبقة العمالية مكاسب كثيرة لا يمكن نكرانها و إلغاء المادة 87 مكرّر من قانون العمل هو المكسب التاريخي، فبه استطاعت المركزية النقابية تصحيح أخطاء ارتكبت في حق العامل في فترة التسعينات جرّاء وضعنا الاقتصادي المتدهور ،فهذه المادة قيّدنا بها صندوق النقد الدولي آنذاك و ألغاها الاتحاد بالاتفاق مع الحكومة و الباترونا بعدما تأكّدت أطراف الثلاثية بأن لا جدوى من بقائها ،و إلغاؤها يعني زيادات معتبرة في أجور العمال و تحسين القدرة الشرائية و المستوى المعيشي للملايين من العمال الجزائريين و لم يبق اليوم سوى تطبيقها بأثر رجعي منذ الفاتح جانفي 2015 البترول التقليدي زائل بعد 10 سنوات و ذكرى 24 فيفري تعود اليوم بطرح جديد و هو تحقيق التوازن الاقتصادي و الاجتماعي و هذا التوازن تراه الحكومة قابلا للتجسيد من خلال توحيد صفوفنا لبلوغ هدف واحد و هو تجنّب الوقوع في أزمة اقتصادية سببها تذبذب أسعار النفط بالأسواق العالمية كانت قد اجتاحت الكثير من البلدان المعتمدة على ريع البترول و حتى البلدان المتطورة ،فالشعب الجزائري يدرك جيّدا بأن المخرج ليس في المحروقات و خاصة البترول التقليدي الذي هو على وشك النضوب ،إذ قدّر الخبراء الجزائريون ذلك بحوالي 10 سنوات كأقصى حدّ، فالحل حسبهم يكمن في تنويع الطاقات لتغطية الطلب الداخلي و الحفاظ على معدّل النمو الاقتصادي و تنويع مصادره . و إذا كان البترول و الغاز في الماضي هما الغاية لبلوغ نموّ اقتصادي وفق ما تمليه الضوابط و المعايير الدولية ،فاليوم يجب أن يتحوّل إلى وسيلة أو أداة نستعملها لتحريك الصناعة و تثمين المنتوج المحلي من خلال تنمية قطاعات كثيرة لتشجيع الابداع و التجديد داخل المؤسسات ،و هذا التحوّل تمليه متغيّرات جديدة طرأت على سوق المحروقات على الصعيد الدّولي ،فالبترول لم يعد الورقة الرابحة في يد منظمة الأوبيك مذ ظهرت طاقات جديدة و بديلة و منها الغاز الصخري الذي قلب موازين السوق بدخول دول منافسة و منها الولاياتالمتحدةالأمريكية بأكبر مخزون عالمي من النفط و الغاز الصخري ،و ما انخفاض أسعار النفط بالأسواق العالمية منذ منتصف العام الماضي و عجز المنظمة في ضبط الأسعار و الانتاج و خصوصا المملكة العربية السعودية التي تلعب كل أوراقها للحفاظ على حصصها في الأسواق و لو على حساب عائداتها فمنذ سنوات السبعينات استطاعت منظمة الدول المنتجة للنفط التحكم في زمام السوق و نظام العرض و الطلب فظلت مركز ثقل الاقتصاد العالمي في غياب بدائل طاقوية أخرى.و بقيت الكثير من الدول العضوة في المنظمة تعتمد على مكانتها كمنتج في الوقت الذي طوّر الغرب طاقات أخرى لم تعد تنافس النفط فحسب بل ستحلّ محلّه لا محالة فيحدث له ماحدث للفحم الذي وراء النهضة الاقتصادية في أوروبا لذلك يجمع الخبراء بأن زمن النفط قد ولّى و حلّ محلّه طاقات غير تقليدية و أخرى نووية أو متجدّدة ، و ليس أمام الجزائر سوى تنويع انتاج كل هذه الطاقات لكي لا تتخلّف عن الركب و لا تتحوّل من بلد منتج إلى مستورد للطاقة