تمر، 65 سنة على تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين ليكون سندا للثوار إبان حرب التحرير المجيدة ضد الاحتلال الفرنسي ثم مساهما في معركة البناء والتشييد بعد الاستقلال ومرافقا وفيا للعمال في نضالاتهم من أجل مكتسبات جديدة وتنتظر الاتحاد عديد الرهانات في ظل بناء الجمهورية الجديدة التي يتساوى فيها المواطنون ويوضع فيها جميع عمال الجزائر في نفس الكفة، ليكونوا الحصن المنيع في مسعى تقوية الجبهة الاجتماعية والحفاظ عليها من كل محاولات الاختراق أجل المساس باستقرار وأمن الجزائر. تأسّس، الاتحاد العام للعمال الجزائريين، في 24 فبراير 1956 إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر من أجل إعطاء نفس جديد للثورة، وتدعيما لصفوفها بواسطة جمع شمل الطبقة العاملة الجزائرية في تنظيم نقابي واحد وأيضا لدفع هذه الشريحة الاجتماعية للمساهمة ليس فقط في الدفاع عن مصالح العمال المادية والاجتماعية، وإنما لنشر الوعي السياسي والكفاح المسلح من أجل تحرير الجزائرفحظرتها السلطات الفرنسية بعد تأسيسها بفترة وجيزة (في ماي من نفس العام)، واستمرت في العمل بعد الاستقلال كمنظمة عمالية جزائرية، تدافع عن حقوق العمال في كل المجالات، وتداول على رآستها العديد من الأمناء العامين الذين بقيت أسماءهم خالدة بالنظر لها قدّموه للعمال وما حقّق من انتصارات خلال فترة رآستهم للإتحاد العام للعمال الجزائريين وعلى رأسهم النقابي الراحل عيسات إيدير وهو أول أمين عام للاتحاد وكان له بذلك شرف قيادة أمانته العامة قبل أن ينال الشهادة وهو على رأس هذا التنظيم يوم 26 جويلية 1959 تحت تعذيب جنود روبير لاكوست، ومن دون أن يتخلى عن مطالب العمال الجزائريين في الاستقلال والحرية والعدالة. كان من الأهداف المتوخاة من وراء تأسيس الاتحاد، تدويل المشكلة النقابية الجزائرية والتجنيد الفعال لكل عمال العالم من أجل تأييد قضية العمال الجزائريين المكافحين، ولتجسيد هذه الأهداف ؛ انضم الاتحاد إلى الجامعة العالمية للنقابات الحرة، التي وجد فيها منبرا لتبليغ صوته إلى الرأي العام العالمي، وأسس فروع للاتحاد في كل من تونس والمغرب، فرنسا، وقد مكنته هذه الخطوات من القيام بنشاط كبير في المجال الدولي للتعريف بالحركة النقابية الجزائرية، ومشكلة الحرب في الجزائر ونتائجها الاجتماعية، وكسب تأييد عمال العالم لكفاح العمال الجزائريين والشعب الجزائري. وتوجت هذه التحركات العالمية من تقديم مساعدات هامة للاجئين الجزائريين في كل من تونس والمغرب والحول على منح دراسية وإرسال عدد من العمال الجزائريين للتكوين والتخصص في مختلف المصانع الدولية، وقد حاولت السلطات الاستعمارية الحد من نشاط وتحركات الاتحاد، من خلال عرقلة نشاطه وعدم السماح لقادته بالخروج من الجزائر، والزج بهم في السجون الفرنسية وكان الأمين العام للاتحاد عيسات إيدير من ضحايا هذه السياسة، وهكذا، وبفضل هذا الاتحاد تمكنت جبهة التحرير الوطني من التشهير بجرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر في المحافل الدولية والتجمعات العمالية، وبالتالي العمل على كسب الرأي العام الدولي لصالح القضية الجزائرية. ويحيي العمال الجزائريون، اليوم، الذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات، المصادفة ل24 فيفري من كل سنة، في ظل مكاسب الاستقلال التي بدأت بمساهمتهم البطولية في تحرير البلاد ثم تواصلت عبر إنجازات البناء والتشييد بمشاركتهم في تأميم الثروة النفطية الوطنية، وصولا إلى تحمل أعباء التحول الاقتصادي والمشاركة في السلم والتنمية الإجتماعية، بالتوقيع على أول عقد اجتماعي واقتصادي في تاريخ العمال الجزائريين سنة 2006، وتتواصل انجازات الاتحاد من خلال مرافقة العمال والمطالبة بحقوقهم. مكاسب تتعزز لقد كان لاختيار الرئيس الراحل هواري بومدين تاريخ تأسيس المركزية النقابية ومقرها المركزي دار الشعب بأول ماي، لإعلان تأميم المحروقات، دلالة رمزية تستمر أوصالها عبر الأجيال والأزمان، ذلك أن في مثل هذا التاريخ زاد لهيب الثورة التحريرية من خلال قرار العمال الجزائريين بإنشاء تنظيمهم النقابي للدفاع عن حقوقهم المهنية والنضال من أجل استقلال الجزائر حيث انصهرت مطالبهم في مطلب واحد هو الكفاح من أجل الحرية والانعتاق. كل الظروف التي أنشئ في خضمها الاتحاد العام للعمال الجزائريين تؤكد أن التنظيم النقابي للعمال الجزائريين قد ولد من رحم الثورة ليعيش الاستقلال مستمرا خالدا، لا يغيب عن أي مرحلة عرفتها البلاد مهما كانت طبيعة هذه المرحلة أو تلك، فكان في عهد التسيير الاشتراكي المدافع على العمال من الإدارة والحارس الأمين على تجسيد إنجازات المرحلة الكبرى، ولعل ذلك ما جعل الرئيس هواري بومدين يقدم تنظيرا خاصا في الحكم عبر معادلة إقامة التوازن السياسي والاجتماعي بين الجيش، النقابة والجامعة. وفي مرحلة الثمانينات، ترك الاتحام العام للعمال الجزائريين بصماته في عملية استقلالية المؤسسات ثم مرحلة التحول نحو اقتصاد السوق بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث شكل مؤتمره الثامن في جوان 1990 منعرجا حاسما نحو تكريس استقلالية المنظمة النقابية عن أي حزب أو تنظيم أو جهة إدارية وانعكس ذلك جليا في مواقفه السياسية والاقتصادية حيث انضم الاتحاد إلى جبهة الدفاع عن الجمهورية (لجنة إنقاد الجزائر) في خريف 1991، ووقف ضد حل المؤسسات الاقتصادية العمومية بقيادة المرحوم عبد الحق بن حمودة «1990-1997». وتنتظر الاتحاد العام للعمال الجزائريين عديد الرهانات التي سيعمل لا محالة على تحقيقها في ظل مساعي الحكومة في تحقيق التنمية الشاملة والمساواة بين كل عمال الجزائر المدعوون اليوم للانخراط في مسعى تقوية الجبهة الاجتماعية وتحصينها من محاولات الاستغلال المريب للأوضاع الاقتصادية الصعبة.