ستون عاما تمر على استرجاع السيادة الوطنية، بعد سنوات من الكفاح ضد إحدى أكبر الدول الأوروبية وهي الاستعمار الفرنسي. ستون عاما قطعت فيها ولاية النعامة كغيرها من ولايات الوطن أشواطا كبيرة من أجل البناء والتعمير، فكيف كانت عقب الاستقلال مباشرة؟ وكيف هي اليوم من الناحية الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية؟ ذلك ما نحاول التطرق اليه اليوم من خلال هذا الموضوع بأخذ شهادات حية عمّن عايشوا هذه المرحلة. تعتبر ولاية النعامة إحدى الولايات الحدودية السهبية الرعوية بالجنوب الغربي، فهي ولاية فتية وليدة التقسيم الإداري الأخير لسنة 1984 بعدما كانت تابعة إداريا لولاية سعيدة، تتربع على مساحة تقدّر ب 29514.14 كلم 2، تحتل جزءا كبيرا من منطقة الهضاب العليا الغربية، تتكوّن من ثلاث مناطق جغرافية كبيرة، منطقة سهبية بمساحة 20319.88 كلم 2. يغلب عليها النّشاط الرعوي، وتعرف زحفا واسعا للرمال بسبب تدهور الغطاء النباتي، ومنطقة جبلية تتمثل في سلسلة الأطلس الصحراوي بمساحة تقدّر ب 5195.51 كلم 2، أما المنطقة الجنوبية فهي شبه صحراوية، وتشمل المساحة المتبقية تقدر ب 3998.75 كلم 2، ويتمركز السكان بطريقة غير منتظمة أكثر من نصف عددهم يقطنون بمدينتي المشرية والعين الصفراء. تتكون من 12 بلدية موزعة على 07 دوائر، حيث تعود التركيبة السكانية لهذه الولاية للتفاعلات التاريخية والثقافية التي نتجت عن التجمعات البشرية التي سكنت المنطقة ابتداء من عصور ما قبل التاريخ إلى الفتوحات الإسلامية، وحتى دخول الاستعمار الفرنسي إلى المنطقة سنة 1847، وظهرت التركيبة السكانية الحالية والتي تفرّعت عن قبيلتي بني عامر وبني هلال، وهما العمور التي تضم مجموعة من العروش تتمركز في جنوب الولاية. وتعتبر مدينة العين الصفراء المدينة التجارية الرئيسية لالتقاء وتعامل هذه العروش مع بعضها البعض، والقبيلة الثانية هي قبيلة حميان التي تضم هي الأخرى مجموعة من العروش، وتتمركز في شمال الولاية حيث تعد مدينة المشرية نقطة الالتقاء والتعامل التجاري لهم. النعامة التي عرفت تواجد الإنسان منذ القدم استقر بها البعض بالقصور العتيقة التي تمّ بناؤها على ضفاف المجاري المائية والواحات الخضراء والبساتين الخلابة تم بناؤها بكل مرافقها بشكل هندسي معماري رائع يتناسب مع طبيعة ومناخ المنطقة (مسجد، المدرسة القرآنية، البيوت، الساحة تتخللها أزقة واسعة وضيقة مترابطة مع بعضها البعض، منها خمسة قصور ما زالت على حالتها الطبيعية وهي: قصر مغرار، قصر قلعة الشيخ بوعمامة، قصر تيوت، قصر عسلة وقصر صفيصيفة). فيما تمّ هدم قصر العين الصفراء الذي لم يبق منه سوى بعض المنازل تعد على أصابع اليد، سكان هذه القصور كانت مهنتهم الفلاحة، وهي الفئة التي كان لها الحظ في الدراسة عند المستعمر الفرنسي أو في المدارس القرآنية بينما الاغلبية كانت تسكن في البادية أي بدو رحل، فبادية النعامة هي أراضي السهوب الشاسعة التي تصلح للرعي لما تتوفر عليه من نباتات رعوية تناسب المناخ وتقلباته في المنطقة منها الحلفاء، الشيح، الدرين، الرتم والرمث وغيرها من الأعشاب ذات الفائدة الغذائية للأغنام التي تعد المصدر الاساسي لحياة هذه الفئة بل اقتصاد هذه الولاية أو المنطقة لانها لم تكن ولاية آنذاك بل كانت تابعة اداريا لولاية سعيدة. وهي جزء من بوادي الهضاب العليا التي تتوسط الشمال، التل والصحراء، وتمتد هذه البوادي من الغرب الجزائري إلى شرقه في هذا المستوى المنبسط، الذي يستوعب ساكنتها من البدو الرحل الذين يعتمد نشاطهم الاقتصادي على تربية الماشية أساسا، فهو دائم التنقل والترحال هروبا من شرّ الأعداء، وبحثا عن المناجع ومرتع أغنامه، يتنقلون نحو الشمال في زمن الحر ونحو الجنوب فصل البرد بحثا عن الدفء لهذه الثروة الحيوانية وللكلأ للحفاظ عليها. منازله خيام تنسج من صوف الغنم وشعر الماعز، ومصدر رزقه أغنامه. شهدت ولاية النعامة كباقي ولايات الوطن مقاومة عنيفة للاستعمار الفرنسي منذ أن وطأت أقدامه أرض المنطقة، وكانت أبرزها المقاومات الشعبية التي امتدت من الجنوبالوهراني إلى أقصى منطقة في الجنوب الجزائري كأدرار، منها مقاومة الشيخ بوعمامة المقاومة الشعبية في الجنوب الغربي الجزائري، والتي دامت أكثر من 20 سنة (1881 إلى 1904)، هذه المقاومة وغيرها من المقاومات الشعبية الأخرى كمقاومة محمد ولد علي، والتي كان لها أثر كبير في تكوين شخصية متمرّدة ومقاومة في المنطقة سهّلت عملية احتضان الثورة منذ الشرارة الأولى لاندلاعها، حيث كانت المنطقة تابعة للولاية الخامسة، المنطقة الثامنة التي شهدت عدة معارك منها على سبيل المثال معركة أمزي (جبل امزي بالعين الصفراء 6، 7 و8 ماي 1960)، والتي استعمل فيها سلاح النبالم المحرم دوليا، معركة بولغفاد، معركة بني سمير، معركة مير الجبال، معركة جبل مرغاد ومعركة جبل عيسى وقد دفعت ولاية النعامة كباقي ولايات الوطن ضريبة غالية من خيرة أبنائها سقطوا في ميادين المعارك، إذ نحصي أكثر من 1605 شهيد. هذا بالإضافة إلى شريحة كبيرة من المعطوبين، والتي ما زالت في تزايد بسبب مخلفات الاستعمار، وما زرعه في هذه الأرض الطيبة من ألغام وأسلاك شائكة، حيث ما زال خط شال وما يحويه من سموم شاهدا إلى يومنا هذا على وحشية الاستعمار وهمجيته. ماضٍ ثوري كبير
تاريخ النعامة الثوري لا تزال شواهده موجودة الى اليوم، فبالإضافة إلى أبراج المراقبة تبقى المعتقلات خير شاهد على ضراوة الثورة وبسالة أبنائها بالمنطقة، ممّا اضطر المستعمر الغاشم إلى حشرهم في معتقلات أقل ما يقال عنها أنها وصمة عار في جبينه، منها معتقل منفى الثوار بجنين بورزق أو أم المناطق ومعتقل الدزيرة بالعين الصفراء والمكتب الثاني بالثكنة العسكرية بالعين الصفراء أو ما يعرف بالنار الحمراء لما ناله مجاهدو المنطقة من عذاب وتنكيل به بعد ان تفنّن المستعمر الفرنسي في الاستمتاع والقيام بكل انواع التعذيب به من استعمال الكهرباء الى الماء المغلي فالكي بالنار...وغيرها مما جادت به قريحته، ورغم محاولة الاستعمار الدؤوبة لطمس معالم الهوية الجزائرية، إلا أنها بقيت ثابتة واضحة المعالم يشهد عليها وتبقى كموروث ثقافي كبير. تتوفر ولاية النعامة على عدة مؤهلات فهي أرض عذراء وفي مختلف القطاعات، ولاية سياحية بامتياز تتربع على متحف طبيعي يتمثل في الصخور المنقوشة والمكتشفة الاولى في العالم، قصور عريقة بفن معماري متميز يعود لآلاف السنين، أبراج مراقبة، اكتشاف مستحثات الديناصورات والغابات المتحجرة، وكذا المحطة الحموية حمام عين ورقة السياحي، استفادت كغيرها من الولايات من مختلف البرامج التنموية من عدة مشاريع وتوسع عمراني كبير، فبعدما كانت منطقة بدوية تتوفر على هياكل عمومية تعد على الاصابع، أصبحت اليوم تتوفر على 149 مدرسة ابتدائية و1203 حجرة دراسة و49 متوسطة بعدد اقسام يقدر ب 617 حجرة دراسة، فيما قدّر عدد الثانويات ب 27 ثانوية بمجموع 410 حجرة دراسة، بالإضافة الى 12 وحدة كشف ومتابعة و05 داخليات، ولتحسين ظروف التمدرس والتكفل الامثل بالتلاميذ تمّ تعميم ثلاثية النقل التدفئة والاطعام، حيث يتوفر قطاع التربية بالنعامة على 128 مطعم مدرسي، وكذا مطعمين مركزيين. الى جانب 55 حافلة مدرسية وكل المدارس مزودة بالتدفئة المدرسية، أما قطاع التكوين المهني فتتوفر على معهد وطني متخصص و2، واحد في الدراسة والاخر قيد الانجاز، 09 مراكز للتكوين المهني و04 ملحقات. بالإضافة إلى 04 فروع منتدبة في الوسط الريفي أي بمناطق الظل، مركز جامعي، أما قطاع الصحة فالولاية تتوفر على 04 مؤسسات عمومية استشفائية، 04 مؤسسات عمومية للصحة الجوارية، 03 مراكز لتصفية الدم، 19 عيادة متعددة الخدمات و62 قاعة علاج. أما قطاع الثقافة فتتوفر ولاية النعامة على دار للثقافة، 13 مكتبة عمومية، 02 سينما، متحف واحد، 01 ملحقة لدار الثقافة، 08 مركبات رياضية جوارية، 08 قاعات متعددة الرياضات، 06 مسابح شبه اولمبية وجوارية، 09 احواض للسباحة، 17 بيوت ودور الشباب، 03 ملاعب متعددة الرياضات، 123 ملاعب جوارية، 05 مؤسسات فندقية، 54 مكتبا بريديا. بالاضافة الى شبكة طرق هامة، منها 648 كلم طرق وطنية، 385 كلم طرق ولائية و1663 كلم طرق بلدية منها 693 كلم معبدة، اضافة الى خط السكة الحديدية الذي يربط وهران بشار مرور بالولاية، اما فيما يخص الطاقة فقد وصلت نسبة الادخال الخاصة بالكهرباء إلى 79.94 %، ونسبة الادخال الخاصة بالغاز الطبيعي ب 84.52 %، فيما وصلت نسبة الحظيرة السكنية للولاية الى 71885 وحدة سكنية، هذه الارقام تبين الاشواط التي قطعتها ولاية النعامة والمكاسب التي حققتها طيلة 60 سنة من الاستقلال. ولنقل صور عن جانب من الاستعمار، وكيف عاش سكان المنطقة فرحة بزوغ الحرية، كيف سايروا مرحلة ما بعد الاستقلال وكيف كانت الوضعية الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية للسكان، وماهي المراحل التي مرت بها خلال ستين سنة من الاستقلال، جمعنا بعض العيّنات.