عندما أصدر مجلس الأمن الدولي نهاية الشهر الماضي قراره رقم 2654 حول الصحراء الغربية، يصاب المُتابع بالدهشة والذهول، وهو يطّلع على حجم الافتراءات والمغالطات التي حملها التفسير المغربي لمحتواه، حيث زعم المخزن ووسائل إعلامه الضالة، بأنّ القرار كان منسجما تماما مع طرحه الاستعماري المسمى ب "مخطط الحكم الذاتي"، وبأنّه شمل بندا يدعو الجزائر وموريتانيا للجلوس إلى طاولة مستديرة مع طرفي النزاع. الحقيقة أن هذا التفسير كان بعيدا كلّ البعد عن الحقيقة، بل كان مجرّد مزاعم لا تمسّ للواقع بصلة، فالقرار الأممي على العكس تماما، شدّد على الحلّ التفاوضي المقبول من طرفي النزاع "البوليساريو والمغرب"، ولم يشر ولو ضمنيا إلى الخطّة الاستعمارية المغربية، ولا إلى إقحام الجزائر كطرف في المفاوضات ولا في القضية. والفقرة الرابعة من القرار، تنصّ بوضوح على دعوة الطرفين إلى استئناف المفاوضات تحت رعاية الأمين العام دون شروط مسبقة وبحسن نية بهدف التوصل إلى حلّ سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين في إطار تقرير مصير الشعب الصحراوي. حجم الذهول الذي يصيب المتابع من جرأة المخزن على تفسيره المزيّف لمحتوى القرار الأممي، تضاعف بمجرّد أن وقفت على حملة الافتراءات والمعلومات المغلوطة التي شنّها رئيس دبلوماسيته ناصر بوريطة، ووسائل إعلامه على الجزائر خلال استضافتها للقمة العربية قبل أيام، والتي امتدّت إلى اختلاق دعوة مزعومة للرئيس عبد المجيد تبون لزيارة المغرب، وهي معلومات فنّدتها الجزائر، بل وأدانتها واعتبرتها مناورة غير لائقة ولا تعدو أن تكون تبريرا لتخلّف الملك محمد السادس في آخر لحظة عن حضور أشغال القمة العربية. وعكس ما يصاب المتابع العادي من دهشة وذهول، فإن الجزائر كانت تتوقّع تماما السلوك المغربي، وتترقّب سيناريو هاته السوداء التي أمضى وقتا طويلا في حبكها، وكان الأجدر به أن يوجّهها لخدمة قضايا الأمة ولطرح أفكار جديدة لمواجهة التحديات التي تواجهها الشعوب العربية وفي مقدّمتها شعبه الذي بات يئنّ تحت وطأة الفقر والقمع. منذ وصوله إلى مطار الجزائر، ركّز وزير الخارجية المغربي مهمّته على توجيه سهامه إلى الجزائر في محاولة يائسة لإجهاض القمة الناجحة التي احتضنتها، وذلك من خلال توزيع المزاعم والافتراءات يمينا وشمالا، ومن خلال اختلاق وقائع لا أساس لها من الصحة، بداية بترويجه لعدم الحصول على الاهتمام الذي يليق به عند وصوله إلى الجزائر، علما أنه تلقى نفس المعاملة حسب التقاليد الرسمية شأنه في ذلك شأن نظرائه من الوزراء العرب. قضى معظم وقته يقتفي أثر الإعلاميين للتشويش على أشغال القمة، تارة بزعم أن ممثلا لجبهة البوليساريو كان حاضرا ضمن المشاركين في القمة، وأخرى باختلاق قضية الخريطة، وطورا بمحاولة توجيه الأنظار إلى العلاقات الثنائية المغربية الجزائرية، وإشاعة أن هذه الأخيرة ترفض يد السلام المغربية الممدودة. وذهب بوريطة إلى أبعد من ذلك، عندما فبرك دعوة إلى الرئيس تبون لزيارة المغرب، وقد جاء ردّ الجزائر صارما حيث اعتبرت الدعوة "دعاية مخادعة وتبريراً لتغيّب الملك محمد السادس عن القمة العربية التي أقرّ الجميع نجاحها الباهر، وهو ما أثار حنق المخزن، الذي زعم بأنه رغم الظروف الصعبة التي مرّ بها عمل وفده بالجزائر، فإن رأي المملكة كان حاسما في معظم القرارات. كما برّر بوريطة غياب الملك محمد السادس عن القمة، بتأخر السلطات الجزائرية في الرد على ترتيبات ثنائية تخص قدوم الملك. إعلام مأجور يزيّف الحقيقة في الواقع السلطات الجزائرية لم تتفاجأ بسقطة النظام الملكي المغربي هذه، ولم يصدمها حجم المغالطات التي نشرها إعلامها المأجور، الذي روّج لكذبة كبرى مفادها منع الصحافيين المغاربة من تغطية أشغال القمة العربية وإرغامهم على العودة من حيث أتوا. الإعلام المغربي كعادته كذب الكذبة وصدّقها، وسعى لتحويلها إلى معول لتهديم جهود الجزائر في إنجاح القمة، لكن كذبته سقطت في الماء، بعد أن أكّدت الجزائر بالدليل القاطع أن الوفد الإعلامي المغربي لم يقدم طلباً للحصول على الاعتماد في الآجال المحدّدة، وأوضحت بأن تغطية فعاليات أي قمّة تتمّ وفق الأطر والتنظيمات المعمول بها، بما فيها الإجراءات الخاصة بالاعتماد والملزمة لجميع الإعلاميين الجزائريين والأجانب على حدّ سواء وبدون أي تمييز أو استثناء وفي الآجال المحدّدة". واعتبرت وزارة الاتصال أن "هذه المغالطة تعد الثانية من نوعها، بعد تلك التي سجلت خلال ألعاب البحر الأبيض المتوسّط في وهران خلال جوان الماضي، والتي، ككل مرة لا تعدو كونها محاولة فاشلة للتشويش على ما يتحقّق في الميدان بشهادة الجميع، لاسيما وأن الصحافة الدولية المعتمدة لتغطية أشغال القمة العربية في الجزائر أشادت بالمستوى الرفيع لظروف العمل الإعلامي والوسائل المتاحة للقيام بهذه المهمة النبيلة". حبل الكذب قصير ما فعله رئيس الدبلوماسية المغربية وإعلامه الضال من محاولات تشويش على قمّة الجزائر، لم يكن حالة شاذة، فقد سبق وفعله لإفشال القمة الإفريقية اليابانية بتونس في الصائفة الماضية، وفعله قبل ذلك لإجهاض القمم والاجتماعات التي عقدها الاتحاد الإفريقي بسبب مشاركة الجمهورية العربية الصحراوية، وهي عضو مؤسس للمنتظم القاري ومن حقّها حضور كل اجتماعاته. المغرب لا يتوقّف عند التشويش على القمم والاجتماعات بقصد إفشالها، بل إنّه كما سبق وشهدناه مع القرار الأممي الأخير رقم 2654، يعمد بكل لؤم على تحريف مواقف الدول وتزييف تصريحات المسؤولين لجعلها في صالح سياسته الاستعمارية التوسعية، والشواهد على هذا الانحراف والشذوذ كثيرة، ففي أوت الماضي زعم المخزن بأن وزيرة الخارجية الألمانية "أنالينا بربوك "التي زارت المملكة، أكّدت أن برلين تدعّم ما يسمى "مخطط الحكم الذاتي" الاستعماري في الصحراء الغربية، وتجده أساسا جيّدا لحل مقبول، لكن الوزيرة الألمانية أصيبت بالصدمة جراء هذا التزييف والبهتان الذي طال تصريحاتها، ونفت الكذبة المخزنية اللئيمة، مجدّدة دعم بلادها للمسار الذي ترعاه الأممالمتحدة، من أجل التوصل لحل مستدام لملف الصحراء الغربية. وفي تصريح مشترك بمناسبة زيارتها للمغرب، أكدت بربوك، دعم بلادها "القديم للمسار الذي ترعاه الأممالمتحدة من أجل التوصّل لحل سياسي واقعي وبراغماتي ومستدام ومقبول من طرفي النزاع، المغرب وجبهة البوليزاريو"، واتفقت مع الطرف المغربي أيضا على "أن الأممالمتحدة هي الوحيدة التي تقود المسار السياسي"، مؤكدين على دعمهما لبعثة الأممالمتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية "المينورسو" في اعتراف ضمني من المغرب بأن الحل لهذا الملف يكون عبر تنظيم استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي. ومعلوم أن ألمانيا، وعكس بعض الدول التي لا تستقرّ على رأي بخصوص القضية الصحراوية، فهي تدعّم بشكل ثابت حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال. من ليس معنا فهو ضدّنا من الأسس التي تعتمدها الدبلوماسية المغربية للدفاع عن ما تعتبره قضاياها المصيرية، هو "محاربة" كلّ من يعارض أطروحاتها أو يتبنى مواقف لا تأتي على هواها، والمقصود بالمحاربة هنا، هو شنّ حملة اتهامات ومزاعم تمتدّ إلى الأمور الأخلاقية مثلما يحصل مع المعارضين في الداخل. فلإسكات صوت المعارضة وقمع الرأي الآخر، التهم جاهزة بالنسبة للنظام المغربي، وهي الاعتداء الجنسي والتجسّس، وكل الإعلاميين والنشطاء المغاربة يمضون أحكاما ثقيلة بنفس هذه التهم، فقد أصدرت محكمة مغربية حكماً بسجن الصحفي المعارض عمر الراضي ست سنوات بعد أن أدانته بتهمة الاعتداء الجنسي وتلقي أموال من جهات أجنبية بغاية المسّ بسلامة الدولة الداخلية، وصدر الحكم بعد عشرة أيام من إصدار المحكمة نفسها حكماً على الصحفي سليمان الريسوني بتهمة جنسية أيضاً، ما أثار قلق منظمات حقوق الإنسان التي تقول بأن السلطات المغربية تلجأ إلى تهم أخلاقية لإسكات الأقلام الصحفية النزيهة والمعارضين. وليس من يعارض مواقف المخزن في الداخل هو من يفتح أبواب جهنّم على نفسه، فقد وقفنا على العراقيل والاتهامات التي توّجه للمبعوثين الأمميين، فقط لأنّهم يسعون إلى أداء مهامهم بحياد ووفق الشرعية، كما شهدنا ردود الفعل المغربية تجاه من يبدي موقفا حول الصحراء الغربية يكون غير منسجم مع طرحه الاستعماري، فقد ألغت الرباط اجتماعا مع ممثل السياسة الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بسبب تصريحاته حول موقف دول الاتحاد من قضية الصحراء الغربية. وكان بوريل شدّد في مقابلة مع قناة اسبانية على ضرورة التشاور مع الشعب الصحراوي في أي حل للنزاع، وهو ما أثار غضب المغرب. كما أوضح المسؤول الأوروبي أن "موقف الحكومة الإسبانية كان ولا يزال موقف الاتحاد الأوروبي، أي الدفاع عن إجراء مشاورات حتى يكون الشعب الصحراوي هو الذي يقرّر كيف يريد أن يكون مستقبله". حملات تشهير وتشويه ومثل كثيرين طالت حملات التشهير والتشويه إعلاميين كبار أيّدوا الجزائر وانتقدوا سياسة المخزن، خاصة تطبيعه مع الصهاينة، فاستهدفهم إعلامه وذبابه بصور جنسية مفبركة وتغريدات مزيفة وتهم ملفّقة، ونذكّر هنا بما حصل لمذيع "الجزيرة "جمال ريان، الذي قال في تغريدة عبر حسابه على تويتر "لن أرد بالمثل على إعلام المغرب الذي ملأ وسائل التواصل بالهجوم علي وعلى والدي وعائلتي بالفتوشوب والصور الجنسية المفبركة لمجرد أن قلت "لا للتطبيع". مضيفا "الأوطان والمبادئ والأهداف لا تباع ولا تشترى، ولا حتى بتغريدة من دونالد ترمب". وكان مذيع قناة الجزيرة جمال ريان، قد نشر تغريدة عبر حسابه على تويتر يوم 30 ديسمبر 2021، أكد فيها أن "التاريخ سيسجل أن النظام الجزائري بريء من الدم الفلسطيني عكس نظام المغرب بعد اتفاق التطبيع". في الواقع، لا يفوّت النظام المغربي وإعلامه المأجور حدثا أو مناسبة إلا ويطلق العنان لتصدير الإشاعات ونشر الأخبار المغلوطة والمضللة التي تتخذ شكل حملات وهجمات عدائية خاصة عندما يتعلّق الأمر بالجزائر وبقضية الصحراء الغربية، وبمعارضيه في الداخل، الذين يلفّق لهم دوما تهما جنسية تمسّ شرفهم وكرامتهم ليلقي بهم في غياهب السجون. كما يعمد دوما إلى دفع إعلامه المأجور للتشويش على القمم والاجتماعات التي يرى بأنه سيكون الخاسر فيها، لكن هذه الأساليب المرفوضة، لا تجلب للمخزن غير مزيد من الفشل والخيبة، لهذا عليه بدل التركيز على خلق أعداء وهميين، أن يوجّه اهتمامه للأعداء الحقيقيين الذين ينخرون المجتمع المغربي، ليعلن الحرب على غلاء الأسعار والبطالة والفساد وتدهور المعيشة والقمع والاستبداد..