غزة - مضى ما يقارب عقدين من الزمن مرت السنوات كلمحٍ بالبصر على رحيل الشهيد الرئيس أبو عمار رحمه الله، ولقد تّغَشانا، ولفنا ألم الذكرى، والفراق وعشقتنا الأحزان وتُلاحقنا الذكريات الأليمة بفقدان الأحبة، وتترقرقُ الدموع في المُقل، وتتسارع ضرباتُ نبضِ القلب، ويحارُ العقلُ، والفكرُ، والفهِمُ، في ما مضي، وكان!؛ وكأن سَهم السُم لا يزال يسري في الجسد، والروح، فتبتسمُ الجراحُ، من الُبكي فّتأَبي الذاكرةُ النسيان!؛ وهل ينسي الانسان روحهُ؟؛ إنه القائد الشهيد البطل الأب الرئيس المؤسس مُفجر الثورة، الحنُون على الغلابى، «ياسر عرفات»، أبو عمار، رحمه الله.. إن كلماتِه الأولى، والأخيرة لازالت تطرب مسامعنا، وتسارع نبضات قلوبنا، وتشدنا لعالم الخلود، حينما قال للأعداء المحتلين، حينما شعر بدنو الأجل، وتعرضهِ للقتلِ، والُسم: «يريدوني اما قتيلاً، واما طريدًا، واما أسيرًا، وأنا بّقلُهم شّهيداً، شّهيداً، شّهيداً»؛ لقد خُّلِدَتْ تلك المقولة في ذاكرة التاريخ، والتي كانت من آخر كلمات القائد الرمز الشهيد البطل، «أبو عمار- ياسر عرفات»؛ واسمهُ الحقيقي: محمد بن عبد الرحمن عبد الرؤوف القدوة الحسيني، رحمهُ الله رحمةً، واسعة، وأسكّنَهُ فسيح جناتهِ. لقد كان ووسف يبقي أبو عمار، الفصل الأَطول، والأجمّل، والأعظم، والآصفي، والأوفى، والأنقى، والأحلى، والأقوى، والأطهر، والأصدق من تاريخ الشعب الفلسطيني الطويل، ومن تاريخ الأمة العربية، والإسلامية؛ ولقد عّرفهُ العالم أجمع من كوفيتهِ وسيرته ومسيرتهِ الكفاحية الفدائية النضالية الطويل ضد الاحتلال الغاشم المجرم. كان أبو عمار رحمهُ الله كالشمس المُشرقة الصافية الجميلة في رابعة النهار، يّسْتَنّيُر بها كل الأحرار، والأبطال في العالم؛ أْحّبَ شّعَبهُ، فّأحَبَبهُ شعبهُ، وخُلدت ذكراهُ العاطِرة، وسيرتهِ، ومسيرتهِ المشرفة المشرقة الفدائية الوطنية الكبيرة في أنصع صفحات وسجلات التاريخ البشري المُعاصر، وبقيت الفكرة والذكري خالدة في أفئدة، وعقول الملايين من المحبين والعاشقين والوطنين في العالم، وكأنها تصنُ، وتّطنُّ رنيناً في الأذنُ حتى اليوم، وبعد مضي السنة الخامسة عشر لرحيله وارتقاء روحه الزكية إلى الرفيق الأعلى، في لية القدر السابع، والعشرين من شهر رمضان الفضيل، وفي يوم الحادي عشر من نوفمبر ميلادي؛ وكأننا لا نزال نّسَمعَهُ يقول للاحتلال المجرم: «حينما تشتد المحن وبطش الاحتلال والقتل والتشريد، فيقول لشعبهِ: «يا جبل ما يهزك ريح»،، ويُغرد نشيداً، وأهازيجاً جهادية وثورية، وفدائية بصوتهِ القوي الجهور البتار الصارم كالحُسامٍ المُهّندِ قائلاً لعصابة الاحتلال: «على القدس ريحين شهداء بالملايين»؛ ويتحدى الجلاد الغاصب حينما يُحاصرونه ويهددون بقتلهُ فيقول لهم بكل عنفوانٍ ثوري: «اللهم يا رب الكون أطعمني أن أكون شهيداً من شهداء القدس»؛ وكأننا الآن نراجعُ صفحات من ذاكرة الأيام حينما عملنا في مكتب الشهيد أبو عمار، والذي كان يسمي «المنتدي الرئاسي» في غزة، والتي دخلها القائد الشهيد لأول مرة في شهر تموز عام 1994م؛ حيثُ كان ينتظر موعد صلاة الفجر، ليصليها حاضراً، وطّلْ برأسهِ الرئيس أبو عمار من شباك مكتبه بغزة، وقد كان في الطابق الأول، فرآني في حراستهِ، فلوح لي بيديهِ بالتحية، وهو ينظر لنا نظرة أبٍ رحيم رفيقِ برعيتهِ؛؛؛ وكان حينما ينزل من سيارته يمشي سريعاً بالكاد يلحق به المرافقين من الشباب، لِهمته العالية، ونشاطهِ الكبير؛ ومما نذكرهُ أثنا عملنا في المنتدي الرئاسي بالحراسات أولًا للرئيس الشهيد، ومن ثم مفوضاً سياسياً، ووطنياً؛ جاءت في ذلك الوقت مُظاهرة علي مكتبهِ بغزة، وكان المتظاهرين من العمال الفلسطينيين، والذين منعُهم كيان الاحتلال الصهيوني من العمل بالدخل الفلسطيني المحتل، وكان العُمال المتظاهرين يحملون صحُون وحِّللْ وأواني فارغة من أدوات المطبخ، ومعهم معالق من حديد، فيضربون بها على الأواني فتخرج صوتاً، وضجيجاً مُزعجاً، وعلم الرئيس أبو عمار بمكتبهِ وسمع عن المُظاهرة، وقد قام بعض العمال أيضاً بالشتم، والسب وبعض الألفاظ الُسوقية!!، ولو كان هذا الأمر حدث مع زعيم وقائد آخر غير أبو عمار رحمهُ الله، فهل يا تُري ماذا سيفعل بهم؟، أقل شيء لأودعُهم في السجون، ولو كان جباراً عتياً لمسحهم عن وجه الأرض عن بكّرةِ أبيهم!؛ ولكنه القائد أبو عمار المعلم البطل صاحب القلب الحنون الرحيم أتدرون ماذا فعل بهم؟، أمر بإكرامهم، وبراتبٍ شهري، وتأمين صحي مجاني لهم، ولأُسِرهم؛ هذا هو ياسر عرفات الأسطورة، التي عزّ أن تجد قائداً مثلهُ. تّمُر علينا ذكري رحيل القائد أبو عمار رحمه الله والأمة العربية والاسلامية والشعب الفلسطيني يمرون في ظروفٍ صعبة، وانقساماتٍ حادة، والمصالحة الوطنية لازالت حبيسة التوقيعات حبراً علي ورق لم تنجز واقعياً!؛ وتعيش الأمة أسوأ مراحلها؛ بعدما خسرت فلسطين، والعالم أجمع قائدًا تاريخيًا ومناضلاً بطلاً صنديدًا عنيدًا فريدًا رحيمًا كريمًا كبيرًا بقامتهِ ومقامه ياسر عرفات أبو عمار؛ والذي ترك لنا ذخراً نضالياً وإرثاً ثورياً يضيء التاريخ إلى الأجيال القادمة فهو ظاهرة نضالية تاريخية نادرة، استطاع بشخصيته الثورية أن يجعل فلسطين قضية العالم وقضية القضايا؛ وطوال حياته النضالية الطويلة كان اسم فلسطين دائماً متقدماً وفي طليعة العناوين؛ فكانت فلسطين هي حياتهُ وقلبهِ، وروحهِ، وعقله قبل لسانهِ؛ فتحية إلى روحة الطاهرة، وستبقى ذاكرة تاريخنا ونضالنا الوطني تحتفظ له بالحضور الدائم باعتباره قائداً ومفجراً للثورة الفلسطينية التي احتضنت المشروع الفلسطيني نحو التحرير والحرية ونيل الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. لقد ظل الشهيد القائد ياسر عرفات وفياً للثوابت التي أمن بها، كقضايا القدس واللاجئين والدولة، وهي خطوط حمراء عُرفت بالثوابت الفلسطينية التي لا يجوز لأحد تجاوزها، رحل عنا شمس الشهداء أبو عمار، ولكنهُ لا يزال بذكراهُ العاطرة خالدًا فينا، وإرثهُ باقيًا ومحركا رئيسيًا لكل من سار على درب الشهادة أو النصر من أجل أن يحيا شعبها بحرية وكرامة وعزة؛ ومن أجل القدس الشريف عاشت ذكراك خالدة في قلوبنا أبو عمار ما بقي الليل والنهار، فلقد عرف العالم القضية الفلسطينية من كوفيتك أبا عمار؛ لقد نال منك الاحتلال وأذنابهُ، بّدسْ الّسُم، فلا نامت أعين الجبناء، الرحمة لروحك الطاهرة عند بارئها، كما كُنت تُردد دوماً :»شّهيداً، شّهيداً، شّهيداً».