استعمال التكنولوجيات الحديثة في الاستراتيجيات التنموية انبثقت العديد من الرسائل عن قانون المالية لسنة 2023، تتجه جميعها إلى مصب النوايا الصادقة للسلطات العمومية في الحفاظ على المكاسب الاجتماعية ودعم الاستثمارات وتحقيق التوازنات المالية. قد تفرض تسمية «الانفراج الاجتماعي والمالي» نفسها لوصف سنة 2023، حيث سجلت أرقاما هي الأولى في تاريخ الخزينة العمومية منذ الاستقلال، من حيث احتياطي الصرف والميزان التجاري والتحويلات الاجتماعية، إلى جانب الميزانيات المخصصة لتجسيد مخططات التنمية البلدية بالمناطق الجنوبية لبعث التنمية بها. ولم تكتف الدولة بالانتعاش الذي تعرفه الأسواق النفطية العالمية، بل قررت التوجه إلى التنمية المستدامة، باعتبارها الاستثمار الآمن بالنسبة للاقتصاد الوطني. يرى الخبير الاقتصادي الدكتور هواري تيغرسي، أن تحديد الإطار المرجعي لقانون المالية 2023، يأتي في ظروف جيو-استراتيجية متوترة، مرتبطة بالمنظومة الاقتصادية، خاصة الأزمة الروسية- الأوكرانية التي استفادت الجزائر بصفة جد إيجابية من تداعياتها، حيث عرفت المداخيل الوطنية انتعاشا ملحوظا، خاصة ما تعلق بالسوق النفطية، حيث وصل سعر البرميل إلى 124 دولار، شهر جوان الماضي؛ دليل على وجود حركية اقتصادية تصب في مسار رفع التحدي من اجل خلق اقتصاد مستدام منتج للثروة ومناصب الشغل. واعتبر الخبير، التوازنات المالية التي عرفتها الخزينة العمومية، مشجعة لبعث الاستثمارات وتحقيق مكاسب اجتماعية، ترجمت جليا من خلال الأرقام المخصصة للتحويلات الاجتماعية. إلى جانب الاستمرار في ديناميكية النمو وترشيد النفقات العمومية، من خلال القانون العضوي لقانون المالية لهذه السنة، ومن خلال تجارب عدة قطاعات وزارية، تمكنت من تحقيق قفزة نوعية من حيث تسجيل أرقام أعمال تبعث على التفاؤل. كما أشاد تيغرسي بوفاء الدولة بالتزاماتها الاجتماعية تجاه المواطن وهذا ما أكده وزير المالية في رده على انشغالات النواب تحت قبة البرلمان، إذ ستستمر الدولة الجزائرية في دعم المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع. والرفع من القدرة الشرائية من خلال الرفع من قيمة التحويلات الاجتماعية التي تضاعفت في ظرف سنتين. بالإضافة إلى تبني منظومة جبائية أكثر مرونة، تمنح تسهيلات ضريبية وجمركية من أجل مرافقة للاستثمارات وكذا للعملية الإنتاجية والاستهلاكية، من أجل تسريع وتيرة التنمية انطلاقا من القانون العضوي الخاص بقانون المالية. كما يتوقع الخبير أن تمثل أحكام القانون العضوي لقانون المالية، بادرة خير للمواطن الجزائري، حيث يحمل في طياته أجوبة للانشغالات المطروحة حول الإدارة الجبائية وتسيير الأملاك العامة والمنظومة الجمركية. وكذا أجوبة حول مؤشرات تأطير القانون، فيما يخص السعر المرجعي لبرميل النفط، التي تم تحديدها بعد استشارة كل الفاعلين المتدخلين في المنظومة المالية، من هيئات استشارية وخبراء والرجوع إلى دراسات مقدمة من طرف مؤسسات مالية عالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لقد استنبطت الجزائر الدروس من الصدمات المالية التي تعرضت لها منظومتها المالية والاقتصادية، يتابع المتحدث، جراء انخفاض سعر البترول الذي وصل إلى حدود 45 دولارا/البرميل حد أدنى، ليعود إلى الانتعاش، مستفيدا من المعطيات الجيو- استراتيجية التي عرفها العالم مؤخرا، والتي جعلت من النفط ومدخلاته موردا ثمينا ومحل تسابق للظفر به، حيث بلغ هذا التسابق شراسة مع اقتراب فصل الشتاء، أين شهدت السوق النفطية تنافسا حادا بين الدول من أجل تمديد عقود التزويد بالغاز الطبيعي الذي تعتبر الجزائر أكبر موردا له. وذكر الخبير، أن الجزائر اغتنمت معطيات السوق النفطية التي تميزت بشدة الطلب أمام شح العرض، لا يكاد يغطي حاجيات السوق، لتفرض منطقها في مراجعة الأسعار، وتتفاوض من موقع الطرف الأقوى في المعادلة. لتكون الخزينة العمومية المستفيد الأول، من الفارق المسجل في أسعار البترول بين السعر المرجعي والسعر المتداول، وهذا بتحويل هذا الأخير لصالح الميزان التجاري، الذي سجل فائضا هو الأعلى منذ الاستقلال للسنة الثانية على التوالي. وعن المشهد الاقتصادي المتوقع سنة 2023، فإن بوادره باتت واضحة المعالم من خلال التعليمات الصارمة لرئيس الجمهورية من أجل التوجه الحتمي إلى اقتصاد متنوع بدل الاعتماد على الاقتصاد الريعي، يقول تيغرسي، حيث سيكون لقطاعات الفلاحة والصناعة والصناعات التحويلية الطاقة والمناجم والشركات الناشئة، حظ أوفر فيما يخص الميزانية المخصصة للاستثمار. إن التوجه إلى بناء الاقتصاد الوطني وتنويعه وحمايته، يستوجب نظرة استشرافية، لا تكتفي بتطورات السوق النفطية العالمية وانتعاشها «المؤقت»، بما أن هذا الأخير كان نتيجة تغيرات على مستوى السياسات الدولية، أثرت على توازنات العرض والطلب والأسعار على مستوى الأسواق العالمية، من الصعب تحديد مجالها الزمني أو التكهن بديمومتها. وتطرق تيغرسي، إلى تقديرات النمو الاقتصادي التي ستقفز من 4,1٪ سنة 2023، إلى 4,4٪ سنة 2024، لتصل إلى 4,6٪ في سنة 2025، وهذا مرتبط بأداء القطاعات الإنتاجية وفرص تطويرها، ما يجعل الجزائر في خانة الدول ذات معدل نمو سريع وهذا ما سيمنحنا الكثير من الحظوظ الاستثمارية والضمانات التي يمكن تقديمها للدول ذات الاقتصادات الكبرى، باعتبارها سوقا استثمارية واعدة، مستقطبة. ومن المرتقب أن يعرف قطاع الزراعة حركية كبرى، بفضل تشجيع السلطات العمومية لهذا القطاع الحساس والجهود المبذولة من اجل تحقيق الأمن الغذائي. كما تناول المتحدث، الامتيازات المهمة التي منحت للاستثمارات الهيكلية، التي ستنتج أكبر قدر ممكن من الثروة في الجزائر، من خلال بعث المشاريع الاستثمارية الكبرى، والحد من الاستيراد ودعم الصادرات واستعمال التكنولوجيات الحديثة في الاستراتيجيات التنموية. أما فيما يخص مناطق الظل، فالجهود متواصلة من اجل تحريرها من البؤس الذي تعيشه ساكنتها. وكان رئيس الجمهورية قد أمر وبكل صرامة، خلال لقاء الحكومة- الولاة، الانتهاء من برامج تنمية 13% المتبقية من مناطق الظل، بعدما تم القضاء على 82% وامتيازات معتبرة أيضا منحت للمناطق النائية أو «مناطق الظل»، المتواجدة بالجنوب الكبير والحدودية والداخلية، أين تسجل معدلات غنى منخفضة جدا، إلا أن التحفيزات التي أتى بها قانون الاستثمار وسيأتي بها قانون الجماعات المحلية الذي يحمل بين أحكامه، مواد تشجع المنتخب المحلي على المبادرة ببعث المشاريع على مستوى إقليمه المحلي. أرقام مطمئنة، يضيف الخبير، ودعت من خلالها سنة 2023 سابقتها، حيث بلغ احتياطي الصرف 59.7 مليار دولار، نتيجة ارتفاع الصادرات وانخفاض الواردات. أما بالنسبة للتضخم كأزمة عالمية، الذي وصل معدله إلى 10% في بعض البلدان الأوروبية، فإن الجزائر وعلى الرغم من أن معدل التضخم قد بلغ 7,7٪ في توقعات إغلاق السنة المالية 2022، إلا أنها قد كثفت من نشاطها الإنتاجي في المجال الفلاحي لتوفير المنتجات الأساسية ومحاربة المضاربة من خلال النصوص التطبيقية الصارمة والرفع من القدرة الشرائية للمواطن. وما زاد من الأريحية المالية المتوقعة لسنة 2023، ارتفاع قيمة الدينار الجزائري، ب12%، وتأثيره على أسعار السلع المستوردة، دليل على الحركية الاقتصادية التي تعرفها بلادنا في جميع القطاعات، لاسيما قطاع الفلاحة، الذي استفاد من تحفيزات تنظيمية عديدة من أجل النهوض بالفلاحة في بلادنا، حيث كان البنك الوطني للبذور أهم هيئة تم استحداثها من أجل تحقيق الاكتفائي الذاتي من البذور والاستغناء عن استيرادها.