تعرف الجزائر تحولا هاما في بنية الصادرات الوطنية عامة والصادرات خارج المحروقات خاصة لم تعرفه البلاد منذ الاستقلال، ساهمت فيهما تحولات سوق الطاقة العالمية وارتفاع أسعار المحروقات والإرادة الوطنية الحكومية الرامية إلى رفع الصادرات خارج المحروقات إلى مستوى سبع ملايير دولار أمريكي نهاية العام الجاري، و10 ملايير دولار أمريكي عام 2023. تعرف صادرات الجزائر من المواد الخام نموا معتبرا مقارنة بالعام الماضي، حيث سبق وكشف وزير الطاقة والمناجم بداية الشهر الجاري، أنّ صادرات الجزائر من المحروقات ارتفعت بنسبة 77 بالمائة على أساس سنوي إلى 42.6 مليار دولار في الفترة الممتدة من شهر جانفي إلى سبتمبر 2022، فيما عرفت صادرات نفس الفترة من العام الماضي مداخيل ب24.1 مليار دولار، ومن المنتظر أن تفوق مداخيل الجزائر 50 مليار دولار أمريكي مع نهاية السنة الجارية. ووسط تفاؤل أكبر من أجل تطوير الصادرات خارج المحروقات، أكد الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان نهاية الشهر الفارط، بلوغ صادرات الجزائر خارج المحروقات حاجز ال 5 ملايير دولار أمريكي، مع توقعات بنمو هذا الرقم لغاية 7 ملايير دولار مع نهاية العام الجاري، وسط مساعٍ حثيثة لرفع وتيرة هذا المسار المتنامي من أجل بلوغ 10 ملايير دولار مع نهاية عام 2023 المقبل، التي ستكون حسب بن عبد الرحمان سنة تعزيز أمننا الغذائي والصحي لتوفير المواد الأساسية التي يتم استيرادها حاليا وتحقيق اكتفائنا المحلي والعمل على تصدير الفائض منها، مع العمل على الرقي بالصناعة المحلية قصد الرفع من مستوى تغطية احتياجاتنا الوطنية بصفة كلية من المواد الأساسية، التي تعرف تقلبات في السوق الدولية والتي يمكن أن تعرف ندرة في المستقبل بالنظر للتغيرات الجيو استراتيجية الحاصلة في الساحة الدولية، حيث تعتزم الحكومة مع نهاية عام 2023 الوصول إلى تحقيق 100 بالمائة من الطلب الداخلي من مادة زيت المائدة، و80 بالمائة من احتياجات الجزائر من مادة السكر، و80 بالمائة من الطلب المحلي من المواد الصيدلانية. في هذا المنحى، أكد الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني، أن هناك إرادة لتنويع مداخيل الاقتصاد الوطني من العملة الصعبة، حيث تخطت الجزائر نهاية سبتمبر حاجز 5 ملايير دولار خارج المحروقات، وهو أكبر رقم تحققه الجزائر منذ الاستقلال، ومع قانون الاستثمار الجديد الذي يشجع الاستثمار والصادرات المنتجة في الجزائر، خصوصا مع دخول الجزائر لمنطقتي التبادل الحر العربي والإفريقي، والعديد من الاتفاقيات الثنائية من أجل الترويج للوجهة الجزائرية للاستثمار، كما فتحت الجزائر عديد الوجهات البرية والبحرية مع كل من موريتانيا والسنغال وقطر .. وغيرها لتعزيز التوجه الحكومي من أجل ترقية الصادرات. وأشار سليماني إلى أن الجزائر كذلك تعمل على تطوير ميكانيزمات التصدير من خلال تصدير الكهرباء لأوروبا، وهو ما كشف عنه وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، ما يستحق التثمين لأنه يعطي قيمة مضافة للمنتجات الموجهة للتصدير عبر الخروج من النمط التقليدي لتصدير المواد الخام على حالتها الطبيعية، بل توفير القيمة المضافة وتعزيز القدرات المحلية وترقيتها. من جانبه، قال الدكتور جلول سلامة خبير الاستراتجيات الاقتصادية لتقويم المؤسسات والمشاريع الكبرى حول أهمية التوجه الحكومي لترقية الصادرات في تنمية الاقتصاد، إنّ الصادرات هي التي تؤثر إيجابا في ميزان المدفوعات، إذ أنّ ارتفاع الصادرات دلالة على قوة الاقتصاد ومتانته، من حيث جلب كميات معادلة من النقد الأجنبي، أي رفع الصادرات في حقيقة الأمر هو رفع القدرة الشرائية للدولة لاقتناء حاجياتها التي لا تنتجها داخليا أولا يمكنها إنتاجها بما يكفي، ومثال على ذلك حاجيات الجزائر من السلع الغذائية من محاصيل زراعية كالحبوب، وكذلك حاجياتها من الدواء والسلاح ووسائل النقل بمختلف أنواعها، وكذلك الخدمات التي تعجز الدولة عن تقديمها لمواطنيها من خلال كفاءاتها المحلية. ونوّه سلامة إلى أنّ تنويع الصادرات يُعد ضمانا لمنع المخاطر الاقتصادية بفعل الصدمات الخارجية الناتجة أساسا عن استحالة التحكم في تذبذبات البورصة، أي قانون العرض والطلب العالمي على السلع الأساسية، بحيث أن الصادرات تكون وسيلة حيوية لحماية الاقتصاد الوطني من التقلبات في حركية الأقطاب الجيو سياسية المتحكم فيها من الفاعلين الدوليين الكبار كالولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وغيرهم. إضافة إلى ذلك أكد سلامة أن التوجه الحكومي الرامي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي يعتبر ضرورة قصوى بحكم مخاطر ظهور سياسات الإغلاق البيولوجي وتوقيف سلاسل الإمداد بقرارات أحادية، مثل الإغلاق الصيني لموانىء شنغهاي التي أثرت على 10 بالمائة على التبادلات التجارية في العالم، إضافة لمخاطر تبني سياسات عقابية مالية وخطورتها في عزل اقتصاد الدول التي تعد (مارقة) في منظور الدول المهيمنة. بالمقابل، ومع تبني الحكومة ميزانية معتبرة، دعا سلامة إلى ضرورة بناء وتنمية الاحتياطي النقدي والسلعي الاستراتيجي للجزائر من أجل التدخل السريع في حالة حدوث سيناريو عالمي غير ملائم لتنمية الاقتصاد الوطني، بناء على التحديات والمخاطر العالمية المحتملة.