سنبقى كالجبال شامخين، وكشجر الزيتون في أرضنا منغرسين، لن نستسلم ولن تلين عزيمتنا حتى التحرير. أودعكم أيها الإخوة، لألقاكم غداً على أرض القدس - عاصمة فلسطين». كانت هذا هي الكلمات الأخيرة للأسير المحرَّر إسماعيل عارف عودة لنا، وهو خارج من القسم محاطاً بالسجّانين لحظة الإفراج عنه، بعد عشرين عاماً قضاها داخل سجون الاحتلال، متنقلاً من سجن لآخر، عاش خلالها الألم والحرمان والبُعد عن أبنائه وأهله ووطنه. إسماعيل عارف عودة، من قرية دير عمار غرب رام الله، اعتُقِل عام 2002 وتم الحكم عليه بمدة عشرين عاماً، تنقَّل خلالها بين معظم سجون الاحتلال، متمسكاً في صموده بإرادته الحتمية للانتصار والحرية، والتي كانت كل يوم تزيد وتقوى بفضل حب واحترام باقي إخوته في القيد له، والذين شكَّلوا معه أسطورةً في هذا الصمود والتحدّي في وجه آلة الاحتلال الهمجية والقمعية. ترك إسماعيل في كل السجون التي حطّ بها أثراً كان من شأنه أن يُقوّي الصفّ الوطني، ويدعمه ضد المسالك الاعتقالية، بدايةً من خطته الأولى في المعتقل في سجن عوفر، وذلك من خلال قيادته العمل التنظيمي هناك، وإعادة ترتيب صفوف الأسرى وتوحيدهم وقيادتهم لخلق الواقع التنظيمي الأفضل، والذي يكفل الحياة الاعتقالية المُثْلَى لمجتمع الأسرى ضمن اللوائح والقوانين والأعراف التنظيمية، والتي ساهم إسماعيل في إعادة ظهورها وانتشارها داخل مجتمع الأسرى، وخصوصاً من بداية انتفاضة الأقصى المباركة وزيادة أعداد الأسرى في سجون الاحتلال، والذين وصل عددهم حينها، بحسب تقرير لهيئة شؤون الأسرى والمحررين، إلى أكثر من عشرة آلاف معتقل، موزَّعين على مختلف المعتقلات الصهيونية. في ذات السياق، برزت شخصية إسماعيل داخل سجون الاحتلال كشخصية وطنية ثورية اجتماعية، لها فاعليتها ودورها، فكانت أهميته في مجتمع الأسرى تنبع من كونه ذا ثقافة وطنية ووعي وطني، وقد تبيَّن ذلك من خلال دوره ونشاطه الفاعل والمؤثر والواسع في عدة سجون. أدرك إسماعيل عودة أن المفهوم الوطني لوجوده مع هذا العدد من الأسرى هو القادر على استمرار وزيادة الّلُحمَة بين مجتمع الأسرى، والذي يؤدِّي في نفس الوقت إلى إنقاذ الوطن، وهو قادر فعلاً على تحقيق الانتصار المؤكد. إن هذا الانتصار الذي سعى لأجله اسماعيل وباقي إخوته لم يهتزّ رغم كل الحوادث التي مرَّ بها داخل المعتقل، فأمسك بيديه دمعته عند وفاة والدته، وسقى بها أغصان القَسَم بالنصر والحرية، فزادت من حقد السجان على هذا الرجل الذي بقي محتفظاً ورافعاً راية النصر بإصبعيه اللتين فقأ بهما أعين السجان، حتى أقدم الاحتلال على استئصال إحدى كليتيه بسبب الإهمال الطبي المتعمد، ليقول حينها إسماعيل لعدوه: إن الضربة التي لا تُميتنا تزيدنا قوة وعزيمة. عاد إسماعيل بعد ذلك كله، كالعادة -وكما تعلمنا منه- مزوداً بمزيد من الإصرار والتحدي لعدوه، فوهب نفسه ووقته داخل السجن ليكون محاضراً لطلبة الجامعة داخل السجون، وتخرج على يديه العديد من الطلبة الذين بفضله سيشكِّلون لبنةً متطورةً للمستوى الشعبي العلمي والأكاديمي في كافة مجالات الحياة. بالإضافة إلى أن تجمُّع هذه النُّخَب المثقفة داخل السجون بين مجتمع الأسرى سيؤدي دوراً في تطوير وتفاعل العمل الوطني داخل المعتقلات، بنقل الخبرات الثقافية والوطنية. وكما ذكَّرنا سابقاً بدور إسماعيل ومشاركته الفاعلة في الحفاظ على الإرث الوطني داخل المعتقلات، والتمسُّك بالثوابت، فقد شكَّلت حريته بحفاوة استقباله وإقبال عدد كبير من المواطنين على المشاركة والاحتفال بحريته بجانبه، دليلاً واضحاً على حرص أبناء الشعب الفلسطيني على التمسُّك بقدسية الأسرى وقضيتهم أم القضايا. هذا بالإضافة إلى اعتبار هذه الحشود التي خرجت لاستقباله بمثابة رفض للاحتلال الصهيوني، وأن هذا الشعب يؤمن بأن المقاومة والتصدي، هما الخيار الوحيد للتخلص منه، وحتماً ستنفجر هذه الجموع التحريرية. هنيئاً لك الحرية يا إسماعيل، وهنيئاً للحرية بك، والتي أشعلت مشاعلها في نفوس الجميع لتكون قناديل لهم تنير دروب الحرية والاستقلال.