قوانين لاسترجاع شخصية الحدث الجانح مواقع التّواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية..آثار خطيرة على الطّفل قاضي الأحداث يتّخذ تدابير رحيمة مخفّفة هدفها الإصلاح والتّهذيب تعد ظاهرة جنوح وانحراف الأحداث من أخطر المشكلات التي تهدّد كيان الأسرة وتزعزع استقرار المجتمع، لكونها تمس فئة عمرية ضعيفة وحسّاسة، واللبنة الأساسية لبناء وتطوير وتقدم المجتمعات، لذلك ركّز المشرّع الجزائري على التدابير الوقائية والعلاجية لمكافحة الجريمة، وتقويم سلوك الأحداث الجانحين، وضمان حقهم في الحماية والرعاية. سجّلت محكمة فلوسن بوهران في 2022، زهاء 74 ملفا لطفل في خطر معنوي، و335 ملف بالنسبة للأحداث الجانحين، منهم 58 في مراكز إعادة التربية، و22 طفلا تمّ وضعهم في مراكز خاصة، حسبما أكّدته قاضي الأحداث بنفس المحكمة، حمدي نسرين. وصنفت قاضي الأحداث «ظاهرة جنوح الأطفال والقصر»، ضمن أخطر الظواهر التي يجب الحذر منها، خاصة وأنها في تزايد وتطور مستمر، ولم تعد حكرا على الذكور دون الإناث، ولا تقتصر فقط على السرقة أو الضرب، وغيرها من الجرائم المعتادة في حياتنا اليومية، بل تعدّته إلى الجرائم الأخلاقية وشتى صور الاعتداء والعنف، حتى ضد الوالدين أو الأصول». وهنا دعت حمدي إلى «أهمية التفريق بين الطفل في خطر معنوي والطفل الجانح، فالطفل في خطر معنوي تكون تربيته وأخلاقه أو صحته عرضة للخطر، إذا لم نقم بحمايته»، مشدّدة - في الوقت ذاته - على أن «ظاهرة جنوح الأطفال، تؤثر على شخصية الجانح وتجعله عرضة للاضطرابات النفسية، الناجمة عن خلل اجتماعي، سببه دائما هو الإنسان البالغ، الذي يتدخل، بشكل من الأشكال، لإيقاظ غريزة عنيفة في هذا الطفل». وتؤكّد قاضي الأحداث أنّ «ظاهرة انحراف الأشخاص، دون الثامنة عشرة من العمر، من الظواهر القديمة المنتشرة في كل المجتمعات، ولم تخلق من عدم، وإنما هي توليفة معقّدة من العوامل الفردية والأسرية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، تؤثر في سلوكه وتزيد في حدة طبعه». وتطرقت - في هذا الشأن - إلى عدة عوامل وأسباب، يتصدّرها العنف بجميع أشكاله بدنية، جنسية أو عاطفية ورمزية، سواء يرتكب من الشارع أو الأسرة أو المدرسة ومراكز الحماية التي أوجدتها الدولة، وغيرها من الفضاءات التي يتعايش معها الطفل. وأوضحت أنّ «القسوة وإساءة المعاملة، تؤثر سلبا في شخصية الطفل وتكوينه، سواء كان العنف والانتهاك جسدي بالضرب، أو معنويا بالإهانة اللفظية أو التوبيخ والتهديد وحرمانه من احتياجاته الأساسية من الناحية البدنية والعاطفية والتعليمية والطبية». وحذّرت المتحدّثة من أضرار الحرمان العاطفي الذي يعتبر بدوره من أكثر أنواع الحرمان خطورة على الطفل نفسه، وعلى عائلته والمجتمع المحيط به، حيث ينمو ويكبر على عدم الثقة والشعور بالظلم بشكل دائم، ليصبح شخصا عنيفا وعدوانيا، وفق تعبيرها. 90 بالمائة من الجانحين..ضحايا طلاق ذكرت قاضي الاحداث، نسرين حمدي، أنّ «90 بالمائة من الأطفال الجانحين، ضحايا الطلاق والتفكك الأسري، استنادا إلى القضايا ذات الصلة بالموضوع»، مبينة أن الطفل يجبر منذ صغره على دخول أروقة المحاكم بسبب عداوة الأزواج، بعد الطلاق، فيتعرف على الإجرام ويتعود عليه، كما أشارت إلى أن الأغلبية الساحقة من الأطفال الموجودين في نزاع مع القانون، مستوى أولى متوسط وأقل، ما جعلها تنبّه إلى الأفكار السلبية المدمّرة التي تسمم عقل الطفل، ومنها تصور أن الدراسة لا معنى لها بالحياة المهنية، ودعت الأسرة والمدرسة معا - في هذا الصدد - إلى بذل المزيد من الجهود لمكافحة ظاهرة التسرب المدرسي والإنجاح المسار التعليمي للتلاميذ، معتبرة أنها من «أخطر المشكلات التي تدفع بالتلميذ لأن يكون ضحية، وأن يسلك مسار الانحراف والإجرام». وأضافت: «يجب أن نحتاط بما فيه الكفاية، خصوصا في ظل الانفتاح الفكري وصراع الثقافات، محذّرة من سلبيات التكنولوجيا الحديثة، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، وآثارها الخطيرة سواء على الصحة النفسية والجسدية، أو على الحياة الاجتماعية، قانون قائم بذاته لحماية الطّفل بتدابير رحيمة وبما أن جنوح الأحداث، يمس الأطفال والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، فقد انتهجت الجزائر سياسة تشريعية، تستند إلى منظومة كاملة من القوانين والآليات الخاصة التي يغلب عليها الطابع التربوي، والابتعاد بقدر الإمكان عن سياسة القمع والعقاب، نظرا لعواقبها المحتملة على شخصية الحدث الجانح. وأوضحت حمدي أنّ «المشرّع الجزائري قام بإصدار قانون خاص قائم بذاته لحماية الطفل، تحت رقم 15-12 المؤرخ في 15 يوليو 2015، والذي جاء في المادة 11 منه أن تستحدث لدى الوزير الأول، هيئة وطنية لحماية وترقية الطفولة، يرأسها المفوض الوطني لحماية الطفولة، تكلف بالسهر على حماية وترقية حقوق الطفل، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي». و»جاء في المادة 21 من قانون حماية الطفل، أنّه تتولى الحماية الاجتماعية للأطفال على المستوى المحلي مصالح الوسط المفتوح بالتنسيق مع مختلف الهيئات والمؤسسات العمومية والأشخاص المكلفين برعاية الطفولة؛ وهذا يعني أن الهيئة تكون على المستوى الوطني، أما مصالح الوسط المفتوح، فنجدها في جميع الولايات. وأضافت حمدي: «المشرّع الجزائري خصّ الحدث الجانح بإجراءات وقائية حمائية، ليس لها طابع عقابي إطلاقا؛ إذ نجد أن قاضي الأحداث يتخذ تدابير مختلفة حسب المراحل المقررة قانونا من تحقيق، محاكمة، تنفيذ الحكم، وتتواصل هذه التدابير حتى بعد تنفيذ الحكم، وتتسم بأنها تدابير رحيمة مخففة، هدفها إصلاح وتهذيب سلوك هذا الحدث، بما يتماشى ومبادئ وقواعد الأممالمتحدة». وأضافت إنه «من الناحية القانونية - بالنسبة لقاضي الأحداث الذي يتولى دراسة شخصية الطفل - فإنه لا يحكم عليه بأنه طفل جانح من المرة الأولى، وتستغرق القضية وقتا للبحوث الاجتماعية والفحوص الطبية والعقلية والنفسانية ومراقبة السلوك». «ويمكن لقاضي الأحداث بعد البحوث والاستعانة بمصالح الوسط المفتوح التي تساعده كثيرا في مهامه أن يتّخذ تدابير لإبقاء هذا الطفل في أسرته إن كان ما زال محتاجا للجو العائلي، أو يتم تسليم الطفل لوالده أو الطرف الذي لا يمارس حق الحضانة، بعد بحوث اجتماعية معمّقة، تصب في إطار ما يعرف بمصلحة المحضون بقانون الأسرة أو المصلحة الفضلى لقانون حماية الطفل، أو تسليمه لأحد الأقارب». دعوة إلى تحمّل المسؤولية الجماعية في ختام حديثها إلى «الشعب»، جدّدت قاضي الأحداث بمحكمة فلوسن، حمدي نسرين، التأكيد على أن حماية الأطفال والقصر من الانحراف، مسؤولية الجميع، بعدما جعلت الأسرة في المرتبة الأولى، والمؤسسات التربوية في المرتبة الثانية، من أجل التمكن من توفير بيئة آمنة وسليمة، تضمن لهم الحماية الهادفة إلى سلامتهم وأمن حياتهم. وتبقى إحصائية 2022 التي أعلنتها محكمة فلوسن عن قضايا الخطر المعنوي التي طالت أكثر من 74 طفلا و335 طفل جانح بوهران لوحدها، مخيفة وتستدعي دق ناقوس الخطر، سيما إذا علمنا أن مجلس قضاء وهران يتكون من ثمانية محاكم، يعني ضرب الرقم ثماني مرات، ناهيك عن الجرائم المتستر عليها