بوغالي: الجزائر تتبنى رؤية شاملة لمعالجة أسباب الآفة باشيكو: الفلسطينيون توحدوا بفضل الجهود الجزائرية أكد مسؤولو برلمانات دولية وإقليمية، انسجام المقاربة الجزائرية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، مع التطلعات العالمية لمكافحة الظاهرة في منطقة الساحل، كونها تقوم على رؤية شاملة تدمج البعد الأمني بالأبعاد التنموية والمجتمعية، ودعوا إلى تعزيز دور القادة الدينيين والوجهاء المحليين للمساهمة في استتباب الأمن. تستضيف الجزائر، منذ أمس (وعلى مدار يومين)، فعاليات الاجتماع الثاني، من سلسلة مؤتمرات «نداء الساحل» حول موضوع «دور زعماء المجتمعات المحلية في مكافحة الإرهاب والوقاية من التطرف العنيف». اللقاء المنظم من قبل الإتحاد البرلماني الدولي، بالتعاون مع المجلس الوطني الشعبي، سيتوج بتوصيات تضاف إلى مخرجات الاجتماعات الأربعة المبرمجة، لتقدم في قمة عالمية خلال السنة الجارية بعنوان «الاستجابة العالمية لنداء منطقة الساحل». والنداء هو خطة عمل تنفذ عبر سلسلة مؤتمرات، يعالج كل واحد منها مجالا من التحديات التي تواجهها منطقة الساحل، تجسيدا للإعلان المشترك المتوج للقمة البرلمانية العالمية الأولى بشأن مكافحة الإرهاب في سبتمبر 2021، بفيينا. في السياق، أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، لدى إشرافه على افتتاح أشغال المؤتمر، انسجام المقاربة الجزائرية لمكافحة الإرهاب في المنطقة مع الرؤية الدولية للتصدي للظاهرة عبر خطة مدمجة، لا تتوقف عند المعالجة الأمنية. وقال بوغالي في كلمته: «إن الجزائر، التي هي جزء لا يتجزأ من فضاء الساحل الشاسع، تتبنى سياسة تفاعلية ومتكاملة لدعم جهود مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف في المنطقة»، مفيدا «بدعمها لتعزيز القدرات الوطنية لدول المنطقة، وتكثيف التعاون الإقليمي العملياتي عبر لجنة الأركان المشتركة، ووحدة التنسيق والاتصال». إلى جانب ذلك، يضيف بوغالي، أنها تساهم بشكل ملموس في معالجة الأسباب العميقة «للآفة الخطيرة من خلال دعم جهود التنمية عبر تكوين النخب ودعم الخدمات الأساسية وتجسيد المشاريع الهيكلية ذات الطابع الاندماجي». وأشار إلى التوجه «الاستراتيجي» الذي عبر عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، من خلال تخصيص ما يناهز مليار دولار لدعم التنمية في الدول الإفريقية، عبر الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية. وإلى جانب دعم التنمية، تقوم المقاربة الجزائرية على صيغة التشاركية للجهود وفق الأطر الرسمية للهيئات الإقليمية والدولية، حيث أكد بوغالي بأنها (الجزائر) «تولي أهمية خاصة لتطوير وتحسين الأطر الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، سواء من خلال الاتحاد الإفريقي الذي أوكل لرئيس الجمهورية مهام الريادة في المجال، أو من خلال المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب الذي تشغل فيه الجزائر الرئاسة المشتركة لفريق العمل لتعزيز القدرات الوطنية لدول غرب إفريقيا». وذكر باحتضانها العديد من الآليات الموجهة لتعزيز التعاون المؤسساتي بين الدول الإفريقية في المجال، على غرار أفريبول والمركز الإفريقي للبحث والدراسات حول مكافحة الإرهاب. ولفت بوغالي، إلى أن «المقاربة الشاملة» لا تنفصم عن الدور المحوري للمؤسسات البرلمانية والقيادات المحلية والوجهاء من أجل «ترقية الحوار والتوعية والتوجيه لإشراك المجتمعات المحلية في هذا المسعى النبيل لتمكين شعوب الساحل من الأمن والتنمية والعيش الكريم». حلبة صراع وبشأن موقع الساحل الإفريقي من الخارطة الجيوسياسية العالمية وما تعرفه من تحولات، حذر بوغالي من «المنحنى المقلق للعلاقات الدولية في السنوات الأخيرة». ودعا إلى أخذ التحديات متعددة الأوجه بجدية أكبر، قائلا: «لا يجب بأي حال من الأحوال أن تتحول منطقة الساحل إلى حلبة صراع تهدد أمنها واستقرارها». واستعرض جملة من الأسباب التي أدت إلى التدهور السريع للوضع الأمني في الساحل في السنوات الماضية، أهمها «تزايد بؤر التوتر وانتشار الفقر وضعف الأداء الاقتصادي وهشاشة القدرات الوطنية وآثار التغيرات المناخية والتصحر والجفاف واندثار التنوع البيولوجي وتداعيات جائحة كوفيد-19». وأكد بوغالي، أن هذه العوامل تؤثر على «فرص الولوج إلى الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة والعمل، مما يؤثر على مستوى ثقة الساكنة تجاه الأطراف الحكومية ويتيح للتيارات الإرهابية المتطرفة استغلال هذه الاختلالات للتمدد والتجند وزيادة موارد تمويلها». وشدد رئيس المجلس الشعبي الوطني، على أن الفشل في التعامل مع النقائص التنموية في دول الساحل، يوفر بيئة خصبة لاستقطاب المزيد من الجماعات الإرهابية نحو المنطقة ويزيد فرص تجنيد الشباب المنتمين للفئات الهشة والمهمشة. وأشار إلى أن شعوب المنطقة في حال إحباط من قلة الموارد وغياب التنسيق بين الدول والمجموعة الدولية، لذلك «آن الأوان لتوحيد الاستراتيجيات واعتماد مقاربة شاملة، موجهة نحو تحقيق نتائج ملموسة، لاسيما في مجال تعزيز قدرات دول المنطقة ومساعدتها على تنفيذ البرامج التنموية، من خلال إشراك المجتمعات المحلية وممثليهم في تحديد الأولويات»، يقول بوغالي. واقترح على البرلمانيين، إسماع صوت مختلف الفئات المجتمعية وإنهاء كافة ظواهر التهميش حتى «لا يبقى أحد خارج الركب»، ودعم القيادات الدينية باختلاف مشاربهم كرواد الرأي لتفكيك خطاب التطرف العنيف، وتوعية فئات المجتمع حول حقيقة «الأهداف الهدامة للمجموعات الإرهابية». ودعا بوغالي، أيضا إلى تجنيد النساء المثقفات لهذه المهمة، لما لهن من قدرة على الوصول إلى البيوت والعائلات لكسر إيديولوجيات الإرهاب. باشيكو: الجزائر تملك الريادة من جانبه، أكد رئيس الاتحاد البرلماني الدولي دوارتي باشيكو، أن للجزائر براعة خاصة في تسوية المشاكل وحل الخلافات بين الأطراف المتخاصمة، مهما بلغت درجتها. وأتى في كلمته على نجاحها في توحيد الفلسطينيين على اتفاق لم الشمل والمصالحة، الخريف الماضي. وقال: «قبل بضعة أشهر كانت الجزائر قد اضطلعت بدور خاص في جمع الفلسطينيين على طاولة واحدة، والاتفاق على إعلان موحد»، مضيفا: «إلى وقت قريب عندما كنا نتحدث عن الفلسطينيين لا ندري من يمثل من؟ لكن الجزائر جعلتهم يتفقون، وهنا نلمس ريادتها في ميدان مهم». وجاء حديث باشيكو، في سياق تأكيده على أن تحقيق النتائج الهامة لا يسقط من السماء، بل «هو ثمرة مجهودات كبيرة جدا، دائما ما تقوم بها الجزائر، ومثال ذلك نجاح تنظيم المؤتمر الخاص بإشراك المجتمعات المحلية في منع التطرف العنيف ومعالجة الظروف المؤدية للإرهاب في الساحل الإفريقي». وبعد أن توجه بالشكر لبوغالي، على نجاح التنظيم، أفاد باشيكو بأهمية الاستماع إلى زعماء المجتمعات المحلية ورجال الدين بها، «لأن السياسيين لا يملكون عصى سحرية لحل المشاكل المرتبطة بالإرهاب لوحدهم». وأكد أن الإرهاب مثل «السرطان ينتشر في الجسد ليقضي عليه، ولا أحد بمعزل عن سرطان الإرهاب»، لذلك يرى بحتمية التعاون بين جميع الشركاء للقضاء «على جذور الظاهرة التي تنمو في غياب التنمية والفقر والتعليم». ودائما ما اعتبرت الجزائر، أن الفقر وغياب التنمية من العوامل الأساسية لانتشار نشاط الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة العابرة للحدود بدول الساحل الإفريقي، في وقت فضل بعض الشركاء الغربيين معالجة الأمر من زاوية أمنية ضيقة أثبتت فشلها خلال السنوات العشر الماضية. وفي السياق، دعا باشيكو الزعماء الدينيين، إلى «إعطاء الأمل للشباب والشعوب، واستخلاص الدروس من التجربة الدموية لتنظيم داعش الإرهابي، الذي التحق بها حاملون لشهادة الدكتوراه بعدما فقدوا الأمل في الحصول على حياة أفضل ببلدانهم». وحذر من أن الأجيال الحالية، تعتقد أن «حياتها أسوأ من سابقتها ما يجعلها سهلة الاستقطاب للتنظيمات الإرهابية هذا ما يجب أن نمنعه»، مشيرا إلى أن معظم البحوث والدراسات تؤكد أن إفريقيا تعد الأكثر تأثرا بالإرهاب في السنوات الماضية «وعلينا أن نجعل مواجهته شغلنا الشغال»، يضيف المتحدث. رئيس الاتحاد البرلماني الدولي، عبر عن فخره بالعمل مع البرلمان الجزائري، داعيا في الوقت ذاته إلى تكملة جهود الحكومات والمجتمع المدني «لمواجهة عدونا المشترك المتمثل في الإرهاب والتطرف العنيف». دعم أكبر من المجموعة الدولية بدوره، أثنى رئيس المجلس الوطني الانتقالي لدولة التشاد وممثل مجموعات برلمانات دول الساحل الخمس، هارون كبادي، على دور الجزائر في تنمية منطقة الساحل، من خلال مساهمتها في تكوين آلاف الطلبة الذين باتوا إطارات يتولون تسيير وإدارة شؤون دولة التشاد. واعتبر أن الإرهاب بات منذ سنوات «خطرا داهما في منطقة الساحل مستغلا عديد العوامل وعلى رأسها التغيرات المناخية وما سببته من فقر وأزمات غذائية، إلى جانب التهديدات الأمنية المزمنة». وطالب بالمناسبة المجموعة الدولية بتقديم دعم ملموس لدول المنطقة، منبها إلى أن الأخيرة لم تتلق الإعانات المادية المعلنة في عديد المؤتمرات المنظمة لهذا الغرض. وبشأن موضوع المؤتمر، أشار كبادي إلى دور القيادات التقليدية والسلطات المحلية في المساهمة في التعايش السلمي وشرح خطر الإرهاب للساكنة». أما الأمين العام للبرلمان الإفريقي، غادو بوبكر، فقد أكد زعماء القبائل والوجهاء في منطقة الساحل، أنها عرضة للتهديدات الإرهابية، داعيا إلى الإسراع في توفير شروط التنمية ومساعدتهم على نبذ خطاب الكراهية وتحقيق السلم والاستقرار. وذهب أحمد بن ناصر الفضالة، رئيس جمعية البرلمانات العربية، في نفس الاتجاه، عندما تحدث عن قدرة التنظيمات الإرهابية على اختراق التشريعات القانونية المجرمة للظاهرة الإرهابية وتجاوزها، داعيا المشرعين العرب والأفارقة إلى «بذل أقصى الجهود لجلب المشاريع التي تسمح بتوظيف الشباب ومنع استقطابهم وتفادي حتى وقوع النزاعات المحلية».