رفع رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، قدسية فلسطين عاليا وأعادها إلى واجهة الأحداث، بعد سنوات من انقسام الفصائل والنسيان العربي لها، فهو يعتبر دعم فلسطين قضية "وطنية" وقد تكاد تكون "داخلية"، إيمانا منه بعدالة هذه القضية، وحق شعبها في وطن ذي سيادة غير مسلوب الحرية، لذلك يعمل منذ توليه سدة الحكم على حشد الدعم الحقيقي لهذا البلد المحتل، وإنصافه على مستوى الهيئات الدولية والأممية، بمساعدته في معركة الحصول على العضوية الكاملة في الأممالمتحدة، والحرص على تسريع تنفيذ "إعلان الجزائر" لتوحيد آليات مجابهة العدو، في ظرف يتسم بارتفاع المخاطر والتنكر للشرعية الدولية. تستمر الجزائر في دعمها للقضية الفلسطينية بشكل كبير. مثلما صرح به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في لقائه مع وسائل إعلام وطنية. فمقولة الرئيس الراحل هواري بومدين، "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" ليست شعارا أطلقه الرئيس الراحل فقط، بل هي سياسة شعب ودولة تجسدت على أرض الواقع، وجعلت من القضية الفلسطينية - كما أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في سبتمبر 2020 - "قضية مقدسة" بالنسبة للشعب الجزائري، بل أكثر من ذلك هي "قضية وطنية" وتكاد تكون "داخلية" فلا يوجد جزائري لا يدعم فلسطين. وأكد الرئيس تبون أمام الولاة والحكومة، سبتمبر الماضي، أن الجزائر "لا تقبل استعمار الأراضي الفلسطينية، ولو استعمرت أقوى دول العالم فلسطين، سنبقى ندعمها، ففلسطين للفلسطينيين وليست لغيرهم"، مضيفا "نحن حاربنا الاستعمار ودفعنا قوافل الشهداء لا يمكن أن نقبل بأن تُستَعمر دولة، وسنحارب الاستعمار أينما كان". وليس غريبا عن الجزائر، قيادة وشعبا، دعم فلسطين وشعبها، ومساندتها "أفعالا" وليس "أقوالا" في جميع الأزمان، ومهما كانت الظروف، فقد كانت الجزائر من أوائل الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، فتم افتتاح أول مكتب للمنظمة عام 1965، حتى أن إعلان الاستقلال الفلسطيني في 15 نوفمبر 1988 كان على أرض الجزائر الطاهرة، وأصبحت الجزائر أول دولة في العالم تعترف بالدولة الفلسطينية، إذ أقامت علاقات دبلوماسية معها في 18 ديسمبر 1988، كما أنها أيدت أيضا مبادرة السلام العربية عام 2002، وانتهج كل رؤساء الجزائر سياسة الدعم المطلق للقضية الفلسطينية والعمل مع كل القوى العالمية لإيجاد حل سلمي في الشرق الأوسط. خطوات المساندة الفعلية استعادة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، تحتاج إلى خطوات عملية، مثلما قال الرئيس تبون في خطابه بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهي خطوات "تتجاوز مستوى الخطابات السياسية إلى خطط المساندة الفعلية، بتقديم خطط ناجعة تؤدي إلى تحقيق حل نهائي يمكّن الفلسطينيين من العيش الكريم بكل سيادة على أرضه، وتكثيف المساهمات القادرة على مواجهة المساعي الرامية لتغييب القضية الفلسطينية". وقامت الجزائر بعدة جهود في الميدان، من أجل دعم ونصرة فلسطين "قولا وفعلا"، حيث كونت في عام 2021 "جبهة رفض" ضد عضوية الكيان الصهيوني كمراقب في الاتحاد الإفريقي، وذلك للحفاظ على مبادئ الاتحاد ودعما للقضية الفلسطينية. كما تقوم سنويا بتخصص عشرات الملايين من الدولارات للمشاريع المتعلقة بترميم أوقاف القدس المحتل ومشاريع أخرى، بجانب المساعدات التي توجه لدعم الشعب الفلسطيني. مصالحة على أرض الشهداء وتحت إشراف الرئيس تبون، قامت الجزائر باستضافة لقاءات المصالحة بين الفصائل الفلسطينية شهر أكتوبر 2022، قبيل انعقاد قمة الجامعة العربية، تكللت جهودها بالتوقيع على اتفاق من قبل 14 فصيلا فلسطينيا، أنهت به الانقسام ورأب الصدع بين الإخوة المتنافرين. وتضمن الاتفاق تشكيل فريق عربي برئاسة الجزائر، يتولى تنفيذه، وقد التزمت جميع الفصائل بتسريع تنفيذه لمواجهة مشروع الكيان الصهيوني ورسم برنامج سياسي – نضالي للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني بكافة الأشكال والطرق. وشكلت القمة العربية بالجزائر، بعد هذا اللقاء التاريخي والمصالحة على أرض الشهداء، مرحلة مهمة في دفع ملف المصالحة الفلسطينية وإعادة إطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط. وحظي "إعلان الجزائر" بتوافق كل القادة العرب، وهو الإعلان الذي جعل القضية الفلسطينية "مركزية" وتمسك بالدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في الحرية وتقرير المصير وتجسيد دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط 4 جوان 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948. كما تمسك "إعلان الجزائر" بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها، والالتزام بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي لإنهاء الاحتلال الصهيوني لكافة الأراضي العربية، بما فيها الجولان السوري ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية، وحل الصراع العربي - الصهيوني على أساس مبدإ الأرض مقابل السلام والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، إضافةً إلى ضرورة مواصلة الجهود والمساعي الرامية لحماية مدينة القدسالمحتلة ومقدساتها والدفاع عنها. وطالب الإعلان، برفع الحصار الصهيوني عن قطاع غزة، وإدانة استخدام القوة من قبل السلطة القائمة بالاحتلال ضد الفلسطينيين، وجميع الممارسات الهمجية بما فيها الاغتيالات والاعتقالات التعسفية والمطالبة بالإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين، خاصة الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن. معركة الحصول على العضوية الكاملة في الأممالمتحدة مواقف الجزائر الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، وحق شعبها المشروع في إقامة دولته المستقلة، لم تعبر عنها داخليا فقط، بل صدحت به في جميع المحافل وكثفت من نشاطها الدبلوماسي العربي والدولي، من أجل تحقيق مكاسب جديدة للدولة الفلسطينية. وتعد الجزائر من الدول السباقة التي أبدت "دعمها التام" للطلب الرسمي الذي تقدم به الرئيس الفلسطيني محمود عباس، للأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريش، بغية تمكين بلاده من الحصول على عضوية كاملة بالمنظمة الأممية، بدل الاكتفاء بصفة دولة مراقب غير عضو الذي حصلت عليه في هذه الهيئة. وتم تبنّي مطلب الجزائر من قبل القادة العرب، ودعم توجه دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأممالمتحدة، في أشغال القمة العربية المنعقدة شهر نوفمبر الماضي، وتكليف الجزائر برئاسة لجنة عربية، تتولى القيام بمساع لدى الأممالمتحدة، لمنح العضوية الكاملة لفلسطين في الهيئة الأممية، لتصبح الدولة العضو 194، فهذه الخطوة من شأنها الإسهام في تسوية القضية الفلسطينية عبر وضع السلطة القائمة بالاحتلال أمام مسؤولياتها. وتحركت الجزائر مؤخرا، من أجل دفع جميع الأطراف إلى تسريع تنفيذ قرارات قمة الجزائر، حيث شدد وزير الخارجية، في اتصال مع الأمين العام للجامعة العربية، نهاية شهر مارس، على أهمية تشكيل الآليات المتفق عليها، لاسيما اللجنة الوزارية العربية المكلفة بالعمل من أجل نيل دولة فلسطين الشقيقة العضوية الكاملة بالأممالمتحدة. بالمقابل، وجه "إعلان الجزائر" دعوة للدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين إلى القيام بذلك، مع ضرورة دعم الجهود والمساعي القانونية الفلسطينية الرامية إلى محاسبة الاحتلال الصهيوني على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها ولا يزال في حق الشعب الفلسطيني. وتطالب الجزائر بضرورة تطبيق أحكام اتفاقية جنيف الرابعة وغيرها، من المراجع القانونية الدولية، والارتكاز على مبادئ المحاسبة والمساواة أمام العدالة الدولية، بتفعيل الآليات اللازمة للملاحقة القضائية والجنائية لما يقوم به الاحتلال من انتهاكات متزايدة وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الأعزل.