الأعمال الفنية.. جدار صّدّ ل«مَغربة" الثقافة الصحراوية بالمدن المحتلة المخزن فشل في النيل من الصحراويين تعدُّ السينما من الفنون الأكثر شعبية وانتشاراً حول العالم، جاذبةً إليها عدداً هائلاً من المتابعين والشغوفين بهذا الفن الذي يتضمن رسائل عميقة.. والسينما بالصحراء الغربية حديثة النشأة، جمعت بين الالتزام، والنضال، فرغم بُعد المنطقة عن دائرة الضوء، إلا أنها تمكّنت في ظرف وجيز من الخروج إلى العالم بأعمال سينمائية لها نكهتها الخاصة، خاضت غِمار مسابقات عالمية واستطاعت بمواضيعها الملتزمة أن تُسمع صوت الشعب الصحراوي المناضل.. ابراهيم شكَاف، مخرج صحراوي والمدير الأكاديمي لمدرسة الشهيد عبيدين القايد صالح للسينما، يروي في حوار مع "الشعب" تجربة السينما الصحراوية، وكيف تمكنت الانتاجات السينمائية الصحراوية من التصدي للبروباغندا المغربية.. الشعب: في البداية، ما هو واقع الانتاج السينمائي في الصحراء الغربية في ظل حياة اللجوء ونقص الامكانات؟ ابراهيم شكاف: الانتاج السينمائي في الصحراء الغربية يتم التركيز فيه على نوعين من الانتاج، أولهما ذلك الانتاج الموجّه للتسويق الخارجي، والذي يمتاز بطابعه السياسي الممزوج بالمشاعر الانسانية من أجل تسليط الضوء على الواقع الذي يعيشه اللاجئ الصحراوي في مخيمات العزة والكرامة، أما النوع الثاني من الانتاج السينمائي، فهو ذلك الانتاج الملتزم الذي يحمل رسائل الثورة النابعة من واقع الانسان الصحراوي ومعاناته، وهي أعمال تحمل رغبة في التمرّد على هذه المعاناة وتصحيح بعض الدخائل على المجتمع الصحراوي، من خلال أعمال سينمائية توعوية وتحسيسية رافضة لما يتسلل من سلوكيات غير مقبولة اجتماعيا. طلبة وخريجي مدرسة عبيدين القايد صالح للسينما، لهم كامل الحرية في اختيار المواضيع التي يتناولونها في أعمالهم، غير أن الواقع الذي نعيش اليوم من حياة اللجوء وعودة الشعب الصحراوي للكفاح المسلح، تفرض علينا التركيز على هذين النوعين من الانتاج السينمائي. - هناك أعمال سينمائية صحراوية وجدت طريقها الى دُور العرض العالمية، كان آخرها، على سبيل المثال لا الحصر، فيلم "توفة" وغيره من الأعمال الصحراوية الناجحة، حدثنا عن تجربة السينما الصحراوية ومشاركاتها في الخارج؟ الأعمال السينمائية في المخيمات هي أعمال صحراوية خالصة، تم إعدادها تحت رعاية المديرية المركزية للسينما والمسرح بوزارة الثقافة الصحراوية، وقد وجدت هذه الأعمال طريقها بالفعل إلى دور سينما عالمية، وشاركت في العديد من المهرجانات الدولية..هذا النوع من الأفلام يمتاز عادةً بمحاولة تسليط الضوء على القضية الصحراوية والتحسيس بواقع الشعب الصحراوي، ومحاولة جذب المتضامنين وتحسيس الرأي العام العالمي بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وبتعدي الاحتلال المغربي على القانون الدولي. وشكّل المهرجان الدولي للسينما الذي احتضنته مخيمات اللاجئين الصحراويين، بوابة السينمائيين الصحراويين على المهرجانات الأخرى، لأنه انضم إلى شبكة مهرجانات تضم أكثر من 40 مهرجاناً دولياً في 40 دولة حول العالم، فكان باستطاعة السينمائيين الصحراويين عرض أعمالهم في هذه المهرجانات والمشاركة في الفعاليات الهامشية لهذه المناسبات العالمية من لقاءات وندوات، ولقد أثبتت السينما الصحراوية، في وقت وجيز، مقدرتها على ترويض الأداء السينمائي، رغم عدم تقبّل المجتمع الصحراوي في البداية لهذا النوع من الفن، بسبب تلك الصورة النمطية المكوّنة في ذهنه من أن السينما مرادفة للانحلال، وعلى أنها فنٌ خاص بالغرب، ولكن مع مرور الوقت، تمكّن السينمائيون الصحراويون من تغيير هذه النظرة، وشاركوا بأعمال ناجحة على غرار "توفة"، "البحث عن الترفاس"، "ثمن الجمال"، "الخطر القادم" و«لجواد" وغيرها من الأعمال التي تم عرضها في اسبانيا، الارجنتين، الأرغواي، فنزويلا، الولاياتالمتحدةالأمريكية، المملكة المتحدة، السويد، سويسرا ودول أخرى، بالإضافة الى أننا تخطينا مرحلة المشاركة الى مرحلة الفوز بجوائز معتبرة، كفَوز فيلم "توفة" بجائزة أحسن فيلم حسب تصويت الجمهور في مهرجان "مونتا ماريا" في الأرجنتين، وجائزة أحسن فيلم في المهرجان الدولي "في صحرا" في طبعته ما قبل الأخيرة، وفوز فيلم "لجواد" بالعديد من الجوائز في مشاركات عالمية.. السينما الصحراوية أثبتت وجودها وحققت نتائج إيجابية، وهي نتائج نعتبرها بداية الطريق من أجل رسم معالم سينما ملتزمة، تمثّل شعبا عربيا مسلما وملتزما، وهذا الأمر يسعدنا كثيراً. - هناك محاولات من طرف الاحتلال المغربي لتشويه الثقافة الصحراوية في المدن المحتلة، من خلال إنتاج أعمال سينمائية تمسّ بالموروث الثقافي للشعب الصحراوي، كيف ترون هذه الخطوة؟ وكيف السبيل للتصدي لها؟ خاصة وأن هذه الأعمال تصدر برعاية رسمية. بخصوص ما يقوم به المغرب من محاولات غزو ثقافي بعد غزوه للأرض وتشريد أهلها، هي في الحقيقة موضوع ليس بالجديد، فالاحتلال المغربي يحاول نسخ الثقافة الصحراوية بطريقة ممسوخة وغير ذكية، رغم أن هذه المحاولات تتم برعاية رسمية من جهات عليا وتُرصد لها ميزانيات ضخمة من ثروات الشعب الصحراوي.. نحن نتصدى لهذه البروباغندا من خلال حفاظ الشعب الصحراوي على موروثه الثقافي الأصيل، لأن الاحتلال المغربي بمحاولاته اليائسة، لم يُفلح في تبني الثقافة الصحراوية أو دمجها تحت مسمى ثقافة الأقاليم الجنوبية كما يسميها، فالثقافة الصحراوية الأصيلة بقيت عصيةً على المخزن المغربي بسبب عدم معرفته بها، وفشله في إغراء سكان المناطق المحتلة الثائرين، وبالتالي، لجأ المغرب للاستعانة بأناس في المناطق الحدودية للّعب بالمصطلحات وتهجين اللهجة الحسانية على أساس أنها جزء من الثقافة المغربية.. نحن نعمل على دحض هذه الاكاذيب بإظهار الواقع وحقيقة الثقافة الصحراوية، من خلال الحضور القوي في المهرجانات العالمية وتقديم الأفلام الصحراوية الأصلية التي يُنتجها شباب من مواليد مخيمات اللاجئين الصحراويين، وهي صورة أخرى من صور نجاح الدولة الصحراوية في حربها الثقافية والفكرية ضد الاحتلال المغربي. هناك تمسّك ووعي كبير بضرورة إيصال رسالة الشعب الصحراوي، ليس في مجال السياسة فحسب، بل كذلك في مجال الموروث الثقافي اللامادي الذي برزت السينما الصحراوية لتدوينه والحفاظ على هوية وتاريخ وتقاليد الانسان الصحراوي. التصدي لمحاولات المغرب نهب الثقافة الصحراوية هو أمر صعب جداً، نظراً لقلة الامكانات لدى السينمائي الصحراوي، بالمقارنة مع ما يتم ضخه من أموال في المدن الصحراوية المحتلة للترويج للأكاذيب ولهذه السرقة الثقافية التي تهدف الى محو وجود الثقافة الصحراوية في المنطقة.. نحن ماضون في كفاحنا ضد هذه المحاولات، من خلال إنتاج أعمال سينمائية تسلّط الضوء على ما يقوم به المخزن من تزييف للحقائق، مسلّحون بإرادة قوية وبقضية عادلة و40 مهرجاناً دولياً مفتوحاً أمام المشاركات الصحراوية لتكذيب ما يقوم المغرب بإنتاجه من أعمال سينمائية ركيكة ماسّة بالثقافة الصحراوية وهوية شعبها. السينمائي الصحراوي اليوم ورغم قلة الامكانات، استطاع إنتاج أعمال سينمائية احترافية تمكّنت من تسليط الضوء على واقع ما يحدث في العيون وبوجدور المحتلتين وغيرهما من المناطق، وهي إحدى الأساليب التي لجأنا إليها للتصدي للدعاية المخزنية المغرضة ضد شعبنا هناك، وضد محاولات سرقة هويتنا وثقافتنا، سواء بالأعمال السينمائية أو من خلال بيانات التنديد التي ترفعها وزارة الثقافة الصحراوية إلى منظمة اليونيسكو. - كلمة أخيرة؟ أود الإشارة هنا الى أن السينما الصحراوية هي أداة تم تبنّيها من طرف الشعب الصحراوي كوسيلة نضالية وكسِلاح مسلّط على العدو المغربي، وهي بالتالي ستكون سينما من نوع خاص، سينما ملتزمة، ولكنها ستكون كذلك سينما منتفضة وثورية، سينما تخدم الشعب وتخدم القضية الصحراوية. أتقدم في الأخير بالشكر الجزيل لجريدة "الشعب" ومن خلالها إلى كل وسائل الاعلام الجزائرية والحكومة والشعب الجزائري على الموقف الداعم واللامشروط لقضيتنا، ولكل الاعلاميين والأحرار حول العالم لوقوفهم ومساندتهم لكفاحنا ضد الاحتلال المغربي.