التّحكّم في تهديدات الأخطار مرتبط بالوعي وثقافة أصحاب المؤسّسات على تطبيق أدوات المشرّع الجزائري استعرض دراجي بلوم علقمة الخبير الاستشاري في شؤون البيئة والتنمية المستدامة، والإطار السابق لوزارة البيئة والطاقات المتجددة، عدة حلول وآليات لتقليص حجم الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية المتسارعة، التي تمس البيئة والانسان والاقتصاد. عدّد الخبير بلوم علقمة في حديث مع "الشعب"، عدة مخاطر تمس البيئة في شتى أوساطها الهشة، وتجعلها عرضة للعديد من التهديدات والتحديات الناجمة عن نشاطات الإنسان كالتلوث بجميع أشكاله، وأيضا التي هي ذات الصلة بإحداث خلل في التوازنات الايكولوجية، ما أدّى إلى بروز بعض الظواهر ذات البعد القاري والوطني كالاحتباس الحراري والتغيرات المناخية وحرائق الغابات وانجراف التربة، وما لذلك من عواقب جد وخيمة على السكان. ونبّه المتحدّث إلى عديد الأخطار التي نشهدها في الآونة الأخيرة، لاسيما انزلاقات التربة والفيضانات التي تسببت في سقوط وتهاوي بعض السكنات التي لم يحترم أصحابها قواعد السلامة في اختيار مواقع تشييدها، وأيضا المساس بالمجاري الطبيعية للأودية، فبعد هطول الأمطار الطوفانية أو بما يعرف بالأمطار الرعدية التي يسجل فيها كميات من الأمطار تعادل ما يسقط خلال سنة في سويعات قليلة، غالبا ما يؤدي الوضع إلى بروز سيول جارفة جراء ظاهرة التغيرات المناخية، والتي يصعب التحكم فيها إلا بالآليات الوقائية للتقليل من حدتها. ونفس الشيء بالنسبة لحرائق الغابات، والتي تضررت منها جل المناطق التي مستها هاته الكارثة، والتي أتت على الأخضر واليابس والإنسان والحيوان، على حد سواء. ولهذا السبب، كانت الجزائر حسب الخبير في التنمية المستدامة، من الدول القلائل والسباقة في سن القانون الإطار لاسيما القانون الحالي 04/20 المتعلق بالوقاية من المخاطر الكبرى وتسيير الكوارث في اطار التنمية المستدامة، والذي حدّد 10 أصناف من المخاطر تتعرّض لها الجزائر (في القانون الجديد أصبحت 18 خطرا)، وهي مصنفة عالميا من بينها التصحر والجفاف، التغيرات المناخية، الحراق، الفيضانات والزلازل وما إلى ذلك من أخطار. وأشار بلوم علقمة إلى أنّ القانون حدّد لكل نوع من الكوارث آليات ومخطّطات، والتي كانت أدوات مكّنت من إدخال العديد من الاحتياطات والاحترازات الوقائية من الأخطار الكبرى كقوانين التعمير والبناء لاسيما عند استخراج رخص البناء، بحيث يتطلب استيفاء العديد من الشروط التقنية وتحاليل التربة، وأيضا بالنسبة للصناعيين التكيف مع هاته الآليات، والتي نفس الوقت لحماية البيئة وأيضا للوقاية من الاخطار الكبرى، بحيث يشترط قبل كل تشييد أو إنشاء نشاط مصنف أي استثمار أو وحدة صناعية، إنجاز دراسات التأثير على البيئة وأيضا دراسات الخطر، ومنه مخطط التدخل الداخلي (POI ou PII)، ومنها إلى مخطط الوقاية لكل المنطقة الصناعية (PII). وتأسّف الخبير لبقاء عدة آليات رقابة قبلية وبعدية سابقا دون تنفيذ، تعمل السلطات حاليا على تطبيقها ميدانيا، لأنّ التحكم في تهديدات الأخطار مرتبط بالوعي وثقافة أصحاب المؤسسات والقائمين على تطبيق الأدوات التي أتى بها المشروع الجزائري للوقاية من الأخطار الكبرى للتقليل منها لأقصى درجة. وأوضح الخبير أنّ الواقع المعاش أثبت أن مجابهة المخاطر مرهون بالتقيد بمختلف الدراسات والمخططات، وبالردع والتحسيس والتكوينات والوعي لدى المسؤولين القائمين عليها للتحكم في تسيير الكارثة وخطرها قبل وبعد وقوعها، وسد الكثير من الثغرات والفجوات. ويرى بلوم علقمة أنّ نقص التطبيق والوعي بالمخاطر يقلل من فاعلية هذا القانون الإطار في الميدان، لغياب التأطير وقلة الخبرة وغياب المراسيم التنفيذية له بالرغم من كونه قانونا شاملا واستشرافيا. وأوضح الخبير أنّه يمكن استدراك بعض الفجوات بوضع آليات الوقاية من الكوارث سواء الطبيعية أو التكنولوجية باستعمال أدوات الإنذار المبكر ووسائل أخرى، خاصة وأنّه بعد مع مرور ما يقارب 20 سنة من إصدار القانون السابق، ظهرت عدة تحديات جديدة، ونحن في ظل عصر الرقمنة وتقدم التكنولوجيا أصبح من الضروري إدخال هاته الأدوات للإنذار المبكر، وإيجاد آليات التمويلات لإنجاز المخططات أو الدراسات كالمخططات الولائية التي لم تنجز، وإن أنجزت لم تجد الميكانيزمات لاقتناء التجهيزات والعتاد الضروري للتدخل السريع، والتكفل الأمثل باللاجئين وضحايا الكارثة عند وبعد وقوعها، وكل ما له علاقة بالسلامة والوقاية والأمن والتأمينات. من جهة أخرى، يرى الخبير في التنمية المستدامة أنّ عدم تجسيد المخططات الواردة في نص القانون السابق، راجع لغياب هيئة تسهر على تطبيقها وتجسيدها ميدانيا، بحيث أوكلت المهمة للولاة فقط، ولكن لم تجد التجسيد المطلوب والنقص في ترجمة هذه المخططات والدراسات لعدم الاختصاص والضعف التقنية، وهو ما يستدعي مثلما قال "إنشاء هيئة مباشرة لها هاته التخصصات، وإحداث تمثيليات على المستوى المحلي تكون امتدادا للمندوبية الوطنية للمخاطر الكبرى يستحسن وضعها تحت الإشراف المباشر لرئيس الحكومة أو الوزير الأول كون الإشكال يتعدى الولاة ووزارة الداخلية لتداخل الصلاحيات والمسؤوليات بين باقي القطاعات الوزارية، هاته الامتدادات قد تكون في شكل مندوبيات أو مديريات ولائية مثلها مثل باقي القطاعات الأخرى للدولة توكل لها هاته المهام الجد حيوية وتكن لديها السلطة الردعية والتشريعية للوقوف على مدى احترام الأدوات الوقائية والسلامة الأمنية، وأيضا التكفل بالتحسيس والتكوين قصد بلوغ الاهداف المنشودة الأكثر تفاديا عند وقوع الكارثة، وكيفية تسييرها وتقييم مدى نجاعة الآليات، بإدخال التعديلات اللازمة والتأكيد على استصدار المراسيم التنفيذية لهذا القانون، والتي كانت أيضا أحد أبرز نقاط الضعف في التطبيق الميداني وعلى أرض الواقع". بالموازاة مع ذلك، شدّد بلوم علقمة على ضرورة نشر الوعي والتحسيس بوسائل حديثة في تبليغ المواطنين وإدخال الرقمنة في إنشاء منصات تواصل لنشر الوعي وتكوين السكان والمواطنين على رفع الحس المدني ودرجة التأهب ووسائل النجدة والتدريبات اللازمة...، قصد تفادي ما يمكن، للتقليل من الأضرار التي لا تفرق بين البيئة وعناصرها الحيوية أو بالإنسان وكل ما يحيط به. وأكّد المتحدّث على بذل المزيد من الجهود لتفادي كل أشكال الأضرار التي قد تحدثها الكوارث الطبيعية، والتكيف مع ما نشهده من ظواهر لا يمكن التحكم فيها لاسيما ندرة المياه والجفاف والتصحر.