قوّة وشجاعة وصراحة بأبعاد داخلية وأخرى خارجية ثقة وموثوقية لدى الشركاء والفاعلين على المستويين الإقليمي والدولي كثيرا ما شدّت خطابات ورسائل رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، انتباه واحترام قادة الدول ووسائل الإعلام العالمية، وترتب عنها تفاعل واسع النطاق عبر منصات التواصل الاجتماعي والفضاءات الإلكترونية، حيث ترجمت رؤيته السديدة في تعاطيه مع الأحداث العالمية، وسياساته الداخلية الرشيدة التي انتشلت الجزائر من دوامة الاعتمادية على كل ما يأتي من وراء البحار، إلى بلد مُنتج وفاعل أساسي في محيطه، جاذبا للاستثمارات المحلية والأجنبية الكبرى. ارتكز نهج رئيس الجمهورية في معالجته لقضايا الراهن الإقليمي والدولي المفعمان باضطرابات شديدة التعقيد، بحسب خبراء ومراقبين، على أسس تحقيق التوازن بين الدعائم التنموية والأمنية للوصول إلى استقرار مستدام داخل الدول هشّة الأوضاع، والاستجابة لتطلعات شعوبها وآمالها في الظفر بمستقبل أفضل. دبلوماسية حكيمة.. يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر-03 البروفيسور رابح لعروسي، إن خطاب الرئيس عبد المجيد تبون يستند على مجموعة من العناصر والمحددات التي تحكم السياسة الخارجية للجزائر، التي تقوم على مقاربة واضحة المعالم أساسها الاحترام والتعاون على ضوء المبادئ الصلبة للنشاط الدبلوماسي وعلى رأسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والدعوة إلى تبني الحلول السياسية السلمية بعيدا عن لغة العنف والسلاح في حل الأزمات والنزاعات، والوقوف إلى جانب القضايا العادلة في العالم. وأوضح لعروسي، في تصريح ل»الشعب»، أن رئيس الجمهورية عوّد الجزائريين والفاعلين الدوليين بمختلف خطاباته عبر المؤتمرات الدولية والإقليمية على المرافعة من أجل التنمية في القارة الإفريقية، انطلاقا من الثنائية المتلازمة الأمن والاستقرار كمدخل حقيقي لأي تنمية داخل الجسم الإفريقي. ارتباط المسألة الأمنية بالاستقرار السياسي داخل الدول، مثلما أضاف لعروسي، يعد من أساسيات العمل الدولي والإقليمي في إطار التعاون، وهو شرط ضروري لبناء مشاريع تنموية حقيقية، والجزائر على لسان الرئيس تبون تعتبر بناء المؤسسات السياسية والاحتكام إلى الشرعية الدستورية في البلدان الإفريقية مطلب لا يمكن التنازل عليه في تشكيل العلاقات، انطلاقا من مبدأ تثبيت الأمن المرتبط ارتباطا وثيقا بحالة الاستقرار وصيرورة عجلة التنمية الاقتصادية. ووفقا للمتحدث، تحتاج التنمية في بلدان الجنوب إلى بيئة ومناخ مشجع يضمن لهاته الديناميكية عامل الاستمرارية، وحتى يتأتى ذلك يحتاج الأمر إلى مؤسسات منتخبة تجسد الشرعية الشعبية، وتفرز منظومة حكم لديها المقبولية الداخلية والخارجية، وتتطلب أيضا وضعية أمنية محفزة من شأنها فتح آفاق واسعة للاستثمارات في كل القطاعات. المقاربة التي يُرافع عنها الرئيس تبون، بحسب لعروسي، تأتي من التجربة التي مرت بها الجزائر؛ ذلك أنها عرفت وضعا أمنيا خطيرا اقترن بغياب مؤسسات شرعية جعلها تعيش شبه عزلة دولية، مما انعكس على تنفيذ مختلف المشاريع التنموية التي تأجل منها الكثير وأخرى أصبحت في حكم الماضي. إشادات دولية.. في المقابل، حظيت جهود الرئيس تبون، كما أشار لعروسي، بالإشادة القوية من الهيئات الأممية، وعرفان بالدور المحوري الذي تلعبه الجزائر في حل الخلافات وحماية مبادئ السلم والأمن العالميين، وهو ما عزّز من موثوقيتها لدى الشركاء والفاعلين على المستويين الإقليمي والدولي. ولفت إلى أن دبلوماسية الجزائر تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم معالم ومسببات السلم والأمن الدوليين، وتؤمن بأن من أسباب النزاعات والخلافات حول السلطة داخل الجسم الإفريقي هو عدم الاستقرار السياسي والتدخل في الشؤون الداخلية بدوله، على غرار ما يحدث في النيجر هذه الأيام من تحولات وتغيير غير شرعي لطبيعة الحكم، نتيجة العملية الانقلابية التي أطاحت بالرئيس محمد بازوم. وعلى هذا الأساس، يرى المتحدث، أن الجزائر وجدت نفسها بحكم الجغرافيا والتزامها بمبادئها الثابتة، ترفض ما وقع في النيجر لأنه يعد تهديدا للمنطقة لاسيما في حالة وقوع انفلات أمني ونزوح للسكان، إذ أثبت ذلك صحة ومصداقية المقاربة الجزائرية لدى صانعي القرار الدولي، وعكس رؤيتها الواضحة في أن حل مشاكل إفريقيا بيد الأفارقة، وكذا حرصها الدائم على الاحتكام إلى لغة العقل والحلول السياسية السلمية بعيدا عن لغة البنادق والسلاح. نجاحات واقعية.. كما أبرز لعروسي، أن الجزائر تعرف اليوم استقرارا سياسيا وأمنيا واقتصاديا فتح المجال أمام عودتها للدبلوماسية الفعالة في الساحتين الإقليمية والدولية، والدفاع عن قضايا التنمية والأمن على كل المستويات، مع تأكيدها على خلق بيئة سياسية توافقية داخلية بالدول، انطلاقا من تجاربها التراكمية الناجحة التي عاشتها بفضل الجهود المضنية لمختلف مؤسسات الدولة خاصة الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني. ومن هذا المنظور، أهّلت التجارب الواقعية الجزائر لتكون طرفا فاعلا إقليميا ودوليا، ودفعها الأمر إلى تأسيس الوكالة الجزائرية للتعاون والتنمية وضخ 1 مليار دولار لصالح التنمية في إفريقيا، تتويجا لقرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون التاريخي الموجه لدعم البنية التحتية داخل القارة، وتجسيدا لتنمية حقيقية بالفضاء الإفريقي. في سياق آخر، نوّه الأستاذ لعروسي في سياق كلامه، بالحركية الاقتصادية النشطة المسجلة في الجزائر، المندرجة ضمن الإصلاحات والإجراءات الجديدة التي أقرها الرئيس تبون؛ إذ أصبحت معالمها تتجلى في المؤشرات الاقتصادية والتنموية الإيجابية المتحققة بشتى المجالات. اقتصاد قويم.. وعلى صعيد التنمية والاقتصاد، يؤكد أستاذ العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير بجامعة بشار، البروفيسور علالي مختار، أنّ خطاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الموجّه للمحافل الدولية لاسيما القمة الروسية الإفريقية المُلتئمة مؤخرا في سان بطرسبورغ، تماشى مع السياقات الإستراتيجية للجزائر الجديدة، وعكس نهجه التنموي الداخلي الهادف إلى إقامة مشاريع اقتصادية كبرى منسجمة مع متطلبات ومستجدات المرحلة. وقال علالي، في تحليل خصّ به «الشعب»، إن المجالات المتعلقة بالأمن الغذائي والطاقوي والمائي، كانت من أولويات رئيس الجمهورية، الذي سعى بشكل جدّي وحثيث من أجل تنفيذها محليا، وإبرازها بمنطقة الشرق الأوسط وقارة إفريقيا بغية التغلب على التحديات طويلة الأمد. كما اعتبر علالي تلك المجالات الثلاثة أساسية ومهمة في حياة الشعوب، وغيابها يهدد الاستقرار، لهذا تعمل الجزائر على إرساء السلم والأمن من خلال مقاربة التنمية ومحاربة أزمات الغذاء والمياه وغيرها من المشكلات في الإقليمين القاري والعربي والعالم الإسلامي. وتابع المتحدث بالقول: «من خلال تصريحاته تتكرس رؤية الرئيس تبون ضمن نطاق تحديد الأمن الغذائي والمائي والطاقوي كأولويات، باعتبارها قضايا ستزداد أهمية في عالم مضطرب، والمنطقة العربية جزء منه وليست في منأى عن تلك التهديدات، إذ تستورد أكثر من 50 % من حاجياتها الغذائية الضرورية، وتعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم، ومن هنا تطفو إشكالية الأمن الغذائي المرتبط بالأمن القومي على السطح من جديد». رؤية استشرافية.. وعلى ضوء هذه المعطيات، أوضح علالي مختار، أن رئيس الجمهورية من منطلق رؤيته الصائبة والاستشرافية، ألحّ على الحكومة بإنشاء مخازن ضخمة بتقنيات عالية لمحاصيل الحبوب، وانجاز بنك وطني للبذور بمعايير دولية، تحفيز الاستثمارات الزراعية والرعوية عبر منافذ قانون الاستثمار الجديد، استصلاح الأراضي قدر الإمكان بكل ربوع ولايات الوطن، العمل على تحويل الجنوب الكبير إلى سلة للمنتجات الفلاحية نظير توفره على مياه جوفية، وكل ذلك بهدف تحقيق الأمن الغذائي الوطني وبلوغ الغايات التنموية والاقتصادية المُسطّرة. وبالتوازي مع تنفيذ تلك الإجراءات، تتأهب السلطات العمومية إلى تجسيد خطط تدوير ومعالجة مياه الصرف الصحي أو إعادة استعمال المياه العادمة، في خطوات عملية يُرجى منها ترشيد الإستهلاك وتأمين إمدادات ثابتة للسقي الزراعي، الذي يستهلك حصة الأسد من مخزونات قطاع الموارد المائية، من خلال استغلال التكنولوجيا المتطورة المتخصصة والاستثمار في مجال إدارة ومعالجة المياه، بحسب قوله. إلى ذلك، يعتقد علالي أن تصريحات الرئيس تبون المتعلقة بتحقيق الاكتفاء الذاتي على المستوى الوطني تتماشى مع مسعى زيادة الإنتاج الزراعي المحلي، وتنسجم مع برامج تحقيق الأمن الغذائي المستدام سارية المفعول، مضيفا أن تنفيذ الخطط المسطرة على أكمل وجه يتطلب نهجا شاملا يبدأ بإدارة الموارد المائية بشكل مدروس وفعال، ترقية تجارة المنتجات الزراعية وتحسين تسويقها الداخلي، العمل بمبدأ الإنتاجية الفلاحية المستدامة لضمان توفر السلع والغذاء الكافي بأسعار ميسورة لجميع السكان، وهذا تِبعا لإستراتيجية الدولة الجزائرية السّاعية إلى الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن.