لم يكن حمود قرطال مسؤول قسم الربورتاج بمؤسسة التلفزيون على متن الطائرة الفيتنامية، ولا ضمن الوفد أساسا، رغم أنه كان يرافق الرئيس الراحل هواري بومدين في أغلب تنقلاته إلى خارج الجزائر بعدما عوضه المدير التقني عبد الرحمان لغواطي بزميله رابح جناد نظرا لانشغاله بمهمة في قصر الأمم، كتب للشاب الذي كان في ربيع عمره أن يعيش ويروي قصته اليوم وعمره 77 عاما مع زملائه الإعلاميين عن مختلف الوسائل العمومية بالدموع التي سبقت الكلمات، كما توقف في لقاء شيق جمعه ب «الشعب» عند مساره المهني الذي وإن وضع التقاعد حدا له في 1996، إلا أنه لم يضع حدا لعطائه المتواصل في مجال تخصصه إلى يومنا هذا. @ الشعب: لماذا لم تكن ضمن الوفد رغم أنك اعتدت مرافقة رئيس الجمهورية آنذاك؟ @@ حمود قرطال: لم أكن ضمن الوفد المكلف بتغطية رئيس الجمهورية هواري بومدين، رغم أنني كنت أرافقه في أغلب الزيارات التي كانت تقوده إلى خارج الوطن بصفتي مسؤول الربورتاج متخصص في هندسة الصوت، كما أن مهمتي لم تكن سهلة بل بالعكس كانت صعبة جدا، تتمثل في اختيار أحسن الكفاءات في المجال التقني التي ترافق الرئيس هواري بومدين في مهامه إلى الخارج، وكان المكلف بالإعلام بالرئاسة محي الدين عميمور يقدمني إلى رئيس الجمهورية الذي اعتاد على مصافحتنا مع نهاية كل مهمة بتسمية «قرطال العظيم». أما بالنسبة لغيابي عن المهمة، أحيطكم علما أن اسمي كان ضمن القائمة، إلا أن المدير التقني عبد الرحمان لغواطي عوضني بزميلي رابح جناد، لأنني كنت في مهمة أخرى في قصر الأمم، كتب لي عمر جديد لا تدري نفس متى ولا بأي أرض تموت. @ ما الذي ترسخ فيك بعد الحادثة الأليمة؟ @@ الخبر نزل علينا كالصاعقة لأننا كنا نشكل أسرة واحدة وكانت عائلاتنا تتعارف، لم نكن نتوقع سماعه وبقي وقعه بنفس الدرجة إلى يومنا هذا، لم أكن أمارس المسؤولية بالمعنى الواسع للكلمة، وإنما كان عملا في إطار أخوي واحترام بين الزملاء بعيدا عن التخويف، لأن المسؤول كان بمثابة أخ وصديق يبحث عن المحبة، هذا ما أضفى جوا عائليا، كسر الجدار بين المسؤول والعمال مع الحفاظ على الانضباط في العمل. الشباب ال15 الذين هلكوا على متن الطائرة الفيتنامية والذين كانوا من خيرة الإعلاميين الجزائريين شهداء، من الصعب التعبير عن هذا الحادث المؤلم، شعوري أنها «جمرة» ملتهبة بالنسبة لنا، لقد كنا نعمل مقابل أجر هزيل ولا يهمنا الأمر لأن كل ما يهمنا العمل. ما لا يمكن نسيانه ولا حتى تناسيه مبادرة الرئيس الراحل هواري بومدين الذي لم يقطع رزق أبنائهم ولا عائلتهم التي بقيت تتقاضى أجرهم، وإلى ذلك تم إدخال أبنائهم إلى المؤسسة وتم السهر على تكوينهم كمهندسين في الصوت وكمصورين. @ كيف كانت بدايتك في قطاع الإعلام وتحديدا في المجال السمعي البصري؟ @@ في 1959 قبض على عندما كنت مجاهدا في جبال بنواحي بوسعادة بعدما أصبت بجروح خفيفة، تم سجني لفترة 14 أو 16 شهرا في بئر غبالو على مستوى ما كان يطلق عليه المستعمر الفرنسي تسمية «مراكز الإيواء»، وأطلق سراحي بعدما بادر ديغول ب «سلم الشجعان»، وكنت قد التحقت بصفوف جيش التحري الوطني قبل سنتين وتحديدا في العام 1957. دخولي إلى التلفزيون كان على يد إسماعيل مدني بعد الاستقلال، كسائق سيارة في المؤسسة، إلا أنهم نقلوني إلى القسم التقني نظرا لمستواي وإن لم يكن عاليا، لكن الأخ عمار بوكساني الذي كان يشتغل مهندس صوت بدوره، أعطاني دروسا مكتوبة ولأنني عصامي اعتمدت على نفسي ودرست وحدي، كنا متعطشين للمعرفة نخطف ونسرق كل معلومة عن المهنة. وتقلدت منصب مسؤول قسم الربورتاج في سنة 1966 إلى غاية 1993، تاريخ تقديم استقالتي من المنصب وبقيت في أروقة المؤسسة إلى غاية 1996 تاريخ إحالتي على التقاعد. أتمنى أننا كنا في مستوى المسؤولية التي كانت ملقاة علينا. @ هل توقف العطاء بعد إحالتك على التقاعد؟ @@ بصراحة بعد تقاعدي أحسست بتهميش كبير، وأسجل بحزن كبير النقائص التقنية فيما يخص نقل الصوت في التلفزيون تحز في نفسي، عطائي لم يتوقف وأعمل على تسخير خبرتي لخدمة كل من هو في حاجة إليها، ذلك أنني أقوم بتزويد قاعات المحاضرات والمساجد والمدرجات والمركبات الرياضية بالأجهزة الصوتية.