الوضع في سوريا تجاوز الخطوط الحمراء، وتخطى ما يمكن أن يتحمله العقل والدين والأخلاق بعد أن وصل الأمر إلى اغتيال علماء الدين الأجلاء وهم على منابر المساجد. وإذا كان اغتيال المرجع الديني محمد سعيد رمضان البوطي في مسجد «الايمان» بقلب العاصمة دمشق، يعد خسارة لواحد من أهم المرجعيات الدينية على مستوى العالم الإسلامي، فإن هذا العمل الإرهابي الفظيع يعكس من جهة أخرى الإنزلاق الخطير الذي إتخذته الأزمة السورية والناتج أساسا عن الدور الخبيث والدنيء الذي تلعبه بعض الدول لجر سوريا وشعبها إلى مذبح الإرهاب والحرب الأهلية المدمرة التي يكون الرابح فيها خاسر لا محالة. وإذا كانت بعض الأوساط وخاصة منها المرتبطة بالمعارضة السورية، تحاول أن تبرر ما لا يُبرر بقولها ضمنيا أن البوطي هو الذي جنى على نفسه عندما إتخذ مكانه إلى جانب النظام، فإن ما غاب عن هؤلاء الذين يذرفون دموع التماسيح على فقدان الشيخ الجليل، أن الرجل لم يتخذ مكانا مع الأسد وإنما وقف إلى جانب سوريا ودافع عنها إلى آخر رمق من حياته، حيث ظل يحذر من الفتنة والإنجرار وراء الدعوات التي تقود إلى المواجهات المسلحة والإقتتال الذي يريق الدم السوري الواحد. البوطي لم يكن رجلا عاديا ولا سياسيا، حيث ظل يحث الدعاة على ترك الخوض في السياسة، لكن الأزمة التي تعيشها سوريا منذ سنتين، أرغمته على التدخل قصد التهدئة لا التأجيج كما يفعل بعض علماء الدين، وتقديم النصح للشعب السوري بسد الأبواب أمام المحرضين الذين يسعون إلى تدمير بلاد الشام لا أكثر ولا أقل وقد كان الراحل حادا في خطبه وانتقاداته، طبعا فالوضع الخطير الذي تمر به بلاده حتم عليه هذا الأسلوب، لهذا فقد تعرض لأشرس أنواع الحملات الاعلامية المشبوهة لشخصه ولمكانته كواحد من أكبر علماء الدين الاسلامي. إن ما يؤاخذه البعض على البوطي والذي كان سببا على ما يبدو في إغتياله بطريقة فظيعة، هو رفضه للحراك الشعبي عندما بدأ في ربيع 2011، حيث انتقد الاحتجاجات ودعا إلى عدم الانقياد وراء الدعوات المجهولة المصدر كما قال التي تحاول إثارة الفتن والفوضى في سوريا، واتهم عوامل خارجية بالوقوف وراء التظاهرات وقال: «ينبغي أن يفترض أنه عندما يتلاقى الناس في تجمعات واحتكاكات يكون هناك مندسون من الخارج» وأضاف: «إن من يحرّضون على هذه الأعمال يراقبوننا في حالة من التسلية». ولا يستسيغ الكثير من المراقبين الذين يرفضون ما آلت إليه الأوضاع في سوريا كيف ينتقد البوطي بسبب هذه التصريحات، وقد أكدت الأيام أن تخوفاته كانت في محلها، مع العلم أن الرجل كان حريصا على حفظ الدم السوري ووقف في نفس المسافة بين النظام والمعارضة وأصدر فتوى بحرمة قتل المتظاهرين حتى لو كان جبرا. إغتيال محمد سعيد رمضان البوطي وهو في بيت الله يكون بكل تأكيد قد منح للشيخ الجليل الشهادة التي تمناها، لكن فقدانه يعتبر خسارة كبرى للاسلام والمسلمين، ولسوريا الذبيحة التي يبدو بأنها دخلت مرحلة الخطر، مما يتطلب من المجتمع الدولي المحايد أن يتحرك ليوقف تجار الموت عند حدهم ويفرض تسوية سياسية يقدم فيها طرفا الأزمة ما يجب من تنازلات.