رغم أن اغتيال العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، قد شكل في حد ذاته، حدثا إعلاميا تناولته كبرى الوسائل الإعلامية على صعيد واحد، إلا أن اتجاهات هذه التغطية وأبعادها السياسية ظهرت مختلفة من وسيلة إلى أخرى، وخصوصا من فضائية إلى أخرى، حيث جاءت هذه التغطية في صالح السياسة الإعلامية لهذه الفضائية أو تلك، وفي صالح وقوفها إلى جانب النظام السوري أو المعارضة في هذا البلد. لم تختلف كل القنوات الفضائية، وحتى وكالات الأنباء العالمية، على القيمة العلمية التي كان يمثلها الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الذي أعلن عن اغتياله في تفجير، أول أمس الخميس، وكانت هذه الوسائل الإعلامية في الحقيقة مجبرة على ذلك من باب توصيف واقع يقول إن الشيخ البوطي كان خلال العقود الماضية واحدا من أهم المرجعيات الدينية للسنة في العالم الإسلامي، إلى جانب عالمين أخرين هما الراحل محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي. غير أن تناول خبر اغتيال الشيخ البوطي وتداعياته وخلفياته، هو ما شكل الفرق في هذه التغطية الإعلامية، بين من يدعم النظام السوري ويرى في البوطي، الذي كان يقف أيضا إلى جانب نظام دمشق، رجل دين متمكن ومسالم وينحو إلى التسامح والحل السياسي، وبين من كان يدعم المعارضة ويرى في البوطي شخصية متحاملة على الثوار ومصرة على محاربة من كان يسميهم بالتكفيريين. في هذا الإطار، يمكن تناول عدة نماذج لقنوات فضائية، كقناة “روسيا اليوم" مثلا، وهي قناة روسية عرف عنها دعم النظام السوري تماشيا مع موقف موسكو نفسه، حيث أفردت مساحة واسعة لاغتيال البوطي، متحدثة عن مناقبه كرجل دين واسع المدارك وشديد التأثير في المجتمع السوري، كما أفردت مساحة أيضا لإبراز تعزية الرئيس الأسد لذوي الشيخ البوطي معتبرة -أي القناة- أن اغتيال البوطي يشكل ضربة للإسلام “الشامي" المعتدل والوسطي، الذين سمح عبر التاريخ انطلاقا من دمشق بانتشار الدعوة المحمدية نحو أصقاع الدنيا وفق تعبير القناة. ولم تتوان قناة “العالم"، الإيرانية، في وصف البوطي بالشهيد في معرض حديثها عن “49 شهيدا" قضوا في التفجير الانتحاري الذي استهدف مسجدا بالعاصمة السورية دمشق، كان البوطي يلقي فيه دروسا دينية، ومن وجهة نظر القناة التي لا يختلف موقفها كثيرا عن موقف السلطة في إيران، على الأقل فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لهذا البلد ودعمه التقليدي للنظام السوري، فإن البوطي كان قبل اغتياله مشهورا برفضه للتدخل الأجنبي في سوريا والتنديد بالسياسات المعادية لبلاده كإرسال المسلحين وتزويدهم بالسلاح، وهي مقاربة النظام الإيراني وحزب الله اللبناني في دعمهما للنظام السوري وكلاهما أيضا أوردت القناة ردود فعلهما بشيء من التوسعة عقب اغتيال الشيخ البوطي. وعلى النقيض من ذلك، تقريبا، لم تتوان قناتي “العربية" السعودية، و«الجزيرة" القطرية، عن إبراز الجوانب المتعلقة بخصومة البوطي ومعاداته للثوار بسوريا، وصحيح أن القناتين لم تبخسا العلامة الراحل محمد سعيد رمضان البوطي حقه في المرجعية الدينية السنية التي كان يمثل جزءا منها في العالم الإسلامي، لكنهما أيضا تحدثتا بتركيز عن مواقفه الداعمة للنظام، ولكن من دون أن تنسب للجيش الحر حادثة اغتياله، حيث نددت المعارضة السورية من خلالهما باغتيال البوطي ونفضت أيديها من العملية، متهمة النظام السوري بالوقوف وراءها. ولا تبدو هذه الكيفية في التغطية الإعلامية للجزيرة والعربية بعيدة عن الاتساق تماما مع موقفي حكومتي قطر والسعودية، على اعتبار أنهما تدعمان المعارضة السورية في صراعها مع نظام بشار الأسد، وهو نفس الاتساق مع موقف المعارضة السورية من الاغتيال الذي نددت به ورفضت ربطها به، نظرا لتبعات ذلك على صورتها في أذهان ملايين المسلمين الذين يرون في البوطي عالما جليلا، مهما كانت طبيعة مواقفه من الصراع الدائر بسوريا. بقي أن نعرف أن وسائل إعلامية قليلة، هي من كانت الأكثر حيادية في الموضوع، على غرار ما قامت به ال “بي بي سي" التي غطت الحدث من جميع جوانبه باتزان أكبر، حيث كانت القناة الفضائية الوحيدة، تقريبا، التي لم تسترسل كثيرا في تبيان مواقف البوطي من الصراع الدائر في سوريا - على نحو يشكل بالنسبة للبعض مبررا لاغتياله - كما نقلت القناة ما ذكرته وكالة “رويترز" للأنباء، نقلا عن شهود قالوا إن التفجير نتج عن سقوط قذيفة هاون. أما الصحافة الجزائرية، فلم تفوت حادثة اغتيال البوطي دون الإشادة بموقفه خلال العشرية الحمراء التي عاشتها بلادنا، من ناحية وقوفه إلى جانب الشعب الجزائري ودعوته إلى إبعاد السياسة عن الدعوة إلى الله فضلا عن مباركته -خلال زيارة إلى الجزائر عام 2006- لما يحدث في بلادنا من توجه نحو السلم. الجزائر تدين “بشدة" الاعتداء الذي استهدف مسجد الإيمان بدمشق تدين الجزائر “بشدة" الاعتداء الذي استهدف، أول أمس الخميس، مسجد الإيمان بالعاصمة السورية دمشق، حسبما أفاد به أمس الناطق الرسمي باسم وزارة الشؤون الخارجية، عمار بلاني. وقال بلاني في تصريح ل«وأج" إن “الجزائر تدين بشدة الاعتداء الذي استهدف مسجد الإيمان بدمشق والذي أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا من بين المصلين، ومن بينهم العلامة الشيخ محمد سعيد البوطي". وأضاف الناطق الرسمي أن “الأمر يتعلق بجريمة نكراء وبشعة ندينها بشدة".