التحدّي الأكبر يكمن في تنويع الصادرات كمّا وكيفًا يعرف اقتصاد الجزائر حاليا ديناميكية غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، إذ عرفت الصادرات خارج المحروقات مستوى لم تشهده البلاد منذ الاستقلال في منحى تصاعدي مستمر، بعدما كان الاستيراد هو المتحكم الأول في الاقتصاد الوطني طيلة عقود ماضية، غير أن سياسة الحكومة اليوم وبتعليمات من الرئيس عبد المجيد تبون المبنية على مرافقة المصدرين، وتقديم تسهيلات لهم، واتخاذ إجراءات فعّالة، بدأت تؤتي أكلها. هيام لعيون تتجه منتجات الجزائر تدريجيا نحو الأسواق الخارجية، وتساهم في الرفع من الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات واحتياطي الصرف، في وقت تحرص الجزائر على بلوغ هدف لرفع قيمة صادراتها خارج المحروقات إلى 30 مليار دولار في آفاق 2030. يندرج تخفيض فاتورة الاستيراد في إطار الإرادة السياسية ووجود إمكانيات كبيرة لترقية الصادرات في الكثير من القطاعات خاصة الفلاحة، البناء والصناعة، أمر انعكس إيجابا على قدره الاقتصاد الوطني في الولوج نحو الأسواق الخارجية بمرافقة الدبلوماسية الاقتصادية التي لعبت دورا في تعزيز المنتوج المحلي بالخارج. في السياق، يؤكد البرفيسور غزي محمد العربي أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة، أنه منذ سنة 2019 تراجع الواردات الجزائرية من سنة لأخرى، خاصة ما تعلق باستيراد المواد المصنعة محليا أو تلك التي يمكن إنتاجها محليا ولو بنسب إدماج متباينة. وأوضح أن الجزائر عرفت خلال السنوات القليلة الماضية إعادة ضبط قوائم المواد المستوردة (أولية ونصف مصنعة وكاملة الصنع)، وكذا ضبط الاحتياجات الوطنية لكل مادة أو منتوج مستورد وهو الأمر الذي صاحبه إعادة ضبط القائمة الوطنية للمستوردين. تخفيض الفواتير هذه الإجراءات يقول غزي كانت ضرورية وسابقة في تاريخ الاقتصاد الوطني وأتت بثمارها إيجابا على صعيد بعث عجلة الإنتاج الصناعي (الصناعات التركيبية أوالتحويلية)، فتحوّلت الجزائر من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة في بعض المنتجات على غرار الاسمنت في ظرف وجيز، وهذا المكسب يعد نتاج لسياسة ترشيد الواردات مع التوسع في الاستثمار في هذه المادة الحيوية. وكمثال على ذلك تطرق الخبير الاقتصادي إلى قطاع الصناعات التحويلية، حيث أكد أن الشعبة تسجل حاليا تخفيضا شبه كليا للمنتوجات الغذائية المستوردة وتطور كبير للمنتوج الوطني الذي أخذ طريقه للمنافسة، لافتا إلى أن منحى ارتفاع الصادرات خارج المحروقات والمتوقع بلوغها 30 مليار دولار في آفاق 2926، مرتبط الاستمرار في تطبيق الإجراءات والتدابير المتخذة إلى غاية اليوم، والاستمرار في معالجة كل المشاكل المرتبطة بالتصدير خاصة. وأضاف الخبير في هذا السياق قائلا: "إن تحقيق معدل صادرات يزيد عن 23 % مثلا للوصول بالصادرات خارج المحروقات إلى 30 مليار دولار في آفاق 2030، ويتوقف أيضا على معدلات نمو الاقتصاد الوطني، خاصة معدل نمو الصناعات خارج المحروقات وكذا القطاع الفلاحي، فكلما حققنا معدلات نمو أكبر في هذه القطاعات، انعكس ذلك إيجابا عن طريق المساهمة في تخفيض فواتير الاستيراد وتحقيق الاكتفاء الذاتي ثم رفع قيمة الصادرات". بالمقابل أشار ذات المتحدث إلى أن القطاع الفلاحي، خلق قيمة مضافة في السوق المحلية، تحتاج إلى التصدير وإلى إيجاد أسواق خارجية، وهذا ما تم تجسيده من خلال التسويق نحو دول الاتحاد الأوروبي أو القارة الإفريقية، خاصة ما تعلق بالمواد الغذائية، تحديدا شعبتي البطاطا والبصل، والعديد من الخضر والفواكه، إلى جانب التمور التي شهدت قفزه نوعية في التصدير. التحكم في الاستيراد وبخصوص سؤال يتعلق بالتحكم في استيراد المواد الأولية، أوضح الأستاذ الجامعي، أن "عملية ضبط استيراد الموارد الأولية على طبيعتها أمر يمكن التحكم فيه وتسييره، وذلك بإحصاء احتياجات المؤسسات لتلك المواد مقارنة مع مخرجاتها من المنتجات النهائية وعدم العودة إلى طرح إشكالية تضخيم الفواتير لأن آليات الرقابة مُفعّلة بهذا الخصوص، ليبقى العمل على توفير ما أمكن من المواد الأولية محليا، هدف يجب العمل عليه على المدى المتوسط والطويل". وتحدث ذات الخبير، عن ارتفاع نسبة الإدماج في القطاع الصناعي، والتي قال إنه "يجب العمل على رفعها من سنة إلى أخرى وصولا إلى الاندماج الكلي في بعض الصناعات وشبه الكلي في صناعات أخرى، ولن يتم ذلك إلا من خلال مواصلة تفعيل كل عمليات الشراكة الجادة والتي تبنى على أساس أهداف مسطرة، تستهدف التحكم في التكنولوجيا وتحقيق الجودة ورفع نسب التكامل والإدماج، علما أن القوانين بهذا الشأن لا تكفي وحدها، بل يجب تفعيل العمل الرقابي أكثر". بالمقابل، قال الخبير الاقتصادي إنه في السنوات القليلة الأخيرة سجل بلوغ حجم الصادرات 54.75 مليار دولار، وقد بلغت الصادرات خارج المحروقات 5.07 مليار دولار، إلى غاية نوفمبر 2023، كما بلغت قيمة الواردات 44,32 مليار دولار. خلال نفس السنة، حيث صاحب ذلك تراجع في فاتورة الاستيراد، فيما تم تسجيل فائض في الميزان التجاري، خلال الفترة الممتدة من جانفي إلى غاية نوفمبر 2023، قدر ب 10.42 مليار دولار أمريكي. إجراءات تحفيزية وتحدث عن سجل انخفاض في عدد المستوردين وزيادة في عدد المصدرين، مؤكدا أن انخفاض عدد المستوردين بحوالي ثلثي العدد من 43 ألف إلى 13 ألف مستورد بحسب إحصائيات سنة 2022، في إطار تحقيق مسعى الجزائر الجديدة، يعكس المكاسب المحققة وانتهاء مرحلة استيراد كل شيء بطريقة غير منظمة. ولفت الأكاديمي، إلى أن "هذا الانخفاض في العدد جاء بالتأكيد كنتيجة لكل الإجراءات الجريئة التي اتخذتها السلطات، ومن ناحية أخرى، يأتي ارتفاع عدد المصدرين الفعليين إلى 1628 متعامل حاليا مقابل 475 مصدر في 2010، ما يعتبر أمر جيد ولكن يجب مواصلة الاجراءات التحفيزية وتثمينها وتطويرها خاصة الجبائية والجمركية والإدارية والبنكية. فالرقم القديم ضعيف بالنظر لقدرات التصدير الجزائرية على الأقل في القطاع الفلاحي، وهذا الارتفاع في العدد يعكس بالتأكيد قيمة الصادرات مستقبلا، لكن يبقى التحدي الأكبر هو تنويع الصادرات كمًا وكيفًا. وبخصوص زيادة نسبة الصادرات خارج المحروقات وعلاقتها بتقوية اقتصادنا الوطني عبر تحقيق مداخيل بالعملة الصعبة، وأثر ذلك على معدلات نمو اقتصادنا فقال الخبير: "إن ذلك ممكن إذا ما تمت إعادة استثمار المداخيل من العملة الصعبة في الرفع من الاستثمار الداخلي. وأوضح في هذا الإطار "إن تشجيع الدولة للمنتجين المصدرين على إعادة استثمار الأرباح المحققة من خلال تحفيزات ضريبية تختلف جوهرا في النسب بين إعادة الاستثمار في الأرباح المحققة من أنشطة البيع في السوق المحلي وأنشطة البيع، من خلال التصدير (مع شرط ضمان تموين السوق الوطنية أولًا)، سوف يؤدي إلى زيادة التصدير وإعادة استثمار المداخيل بالعملة الصعبة ومن تمة التوّسع في الإنتاج وخلق الثروة والرفع من معدلات النمو". تخفيف العراقيل البيروقراطية وفي السياق أشار ذات المتحدث، إلى أن الحكومة ألغت الكثير من العراقيل البيروقراطية، خاصة على مستوى الجمارك والموانئ إلى جانب إقرار تسهيلات جبائية وبنكية مقارنة بالسنوات الماضية، ووجد المتعامل الاقتصادي كل التسهيلات التي تحفزه على التصدير. وهذا ما يتطابق مع تصريح وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني، علي عون، حيث أكد أن قطاع الفلاحة يعتبر قطاع استراتيجي للاقتصاد الوطني، والذي تمثل فيه الصناعة الغذائية النسبة الأكبر والتي تساهم ب 50 بالمائة من الناتج المحلي الخام الصناعي خارج قطاع المحروقات. وهذا ما جعل الحكومة وبتعليمات من رئيس الجمهورية، يقول غزي تفكر في إنشاء المجلس الاستشاري للمصدرين، بصدور المرسوم التنفيذي رقم 23-290 المؤرخ في 3 أوت 2023، المعدل والمتمم للمرسوم التنفيذي رقم 04-173 المؤرخ في 12 جوان 2004 والمتضمن تشكيل المجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات وسيرها. ويوضّح أن الخطوة كفيلة بتوضيح معالم سياسة التصدير في بلادنا والذي ينحصر دوره بالدرجة الأولى في الاستماع لانشغالات المصدرين، مع تشخيص للمشاكل واقتراح للحلول وللآليات مع أخذ بعين الاعتبار كل العراقيل التي تصادفهم، ووضع رؤية حقيقية لعملية التصدير والبحث عن أسواق خارجية للمنتوج الجزائري، مبرزا أن ما يضمن ترقية المنتوج الوطني وتسويقه دوليا، هو العمل الرقابي الذي يبقى الأهم لأنه وحده الذي يحدد المسؤوليات.