لحظات استفزاز الشاعر مصدر استلهام الأفكار رأى الشاعر طارق خلف اللّه وجود جيل شعراء شباب عرفوا كيف يسيروا بخطى ثابتة ويثبتوا وجودهم على الساحة، رغم الركاكة والتفاهات التي استطاع أصحابها أن يجعلوا منها مادة في أيدي طبقة هامة من القراء، محمّلا بعض المؤسسات الإعلامية جزءا من هذه النتائج السلبية. حبّه للشعر جعل من القصيدة الضيف الخفيف الذي يسعد بحضوره دون موعدو خاصة وأنه وليد جمرة لا تتعدى حرارتها لحظات من الزمن، يحب الشعر العمودي الذي يتأسّف للغربة التي يعيشها في عالم سيطر عليه النثري، ويتمنى عودة الجمهور لعالم القافية بعدما تخلى عنه ربما لعدم حصوله على ما يرضي ذاقته. ❊ الشعب: لكل شاعر طقوس خاصة، فما هي طقوسكم كشاعر شاب في بداية مشواره؟ ❊❊ طارق خلف اللّه: الشعر هو حالة يتفرّد بها الشاعر مبتعدا عن عالمه، وعن كل ما يحيط به ليسكن عالمه الخاص ويتوغّل في محاكاة شعوره، وفي البحث عن شيء مفقود، هو ذلك السفر الذي يأتي على حين غرة دون جواز سفر ودون مقدمات على مراكب الخيال والتصور، هو جمرة لا تتعدى حرارتها اللحظات، فإمّا أن تكون بها القصيدة أو لا تكون، وكل ما أستطيع قوله أنّ القصيدة مهما فاجأتني تكون الضيف الخفيف الذي يسعدني حضوره دون موعد. ❊ حدّثونا عن بداياتكم مع عالم القافية؟ ❊❊ بداياتي مع الشعر كانت منذ ما يزيد عن 10 سنوات، كنتُ حينها شغوفا بقراءة الشعر ومداوما على حفظه، أعشق الشعر العمودي وأحاول دائما الإبحار في تفعيلاته وفهم خباياه، بعدها بدأتُ بكتابة ما أحسّه محاولا الاقتراب من الوزن وكنت كطفل الكتاب أعرض على الجميع محاولاتي وأقتنع بكل ما يقال لي، تعرّفتُ بعدها على بعض الشعراء الذين أخذوا بيدي واستطاعوا أن يضيفوا لي الكثير من المعلومات التي أحتاجها ومازلت أحاول السير مع الحرف. ❊ من أين تستلهمون أفكار قصائدكم؟ ❊❊ لابد للشاعر من لحظات تزاحم فيها الحروف أنفاسه ويضيق الصدر بحر قصيدة ما، ويحدث أن يجد الشاعر نفسه محتاجا للكتابة والبوح لإطفاء جمرة ما تتقد داخله، وغالبا ما تأتي هذه الحالة بعد ظرف معاش وقصة ما مرّ بها، أو لحظة تستفز الشاعر داخله وتدعوه للكتابة والإفضاء، كل كتاباتي نابعة من عمق حدث ما، وإن لم يظهر من خلالها أستلهم مواضيعي من أحداث اليوم ولا بد أن أجد داع للكتابة لأكتب. ❊ كيف ترون الشعر اليوم في الجزائر، وما مدى مساهمة الشباب في إثراء الملتقيات والندوات بأفكارهم؟ ❊❊ لا أريد أن أكون متشائما في هذا السؤال بالذات، لكن برأيي هناك خلل ما، وفجوة تشكلّت بين القارئ والشاعر، قد تتعدّد أسبابها وتتباين الآراء حولها، وحسب وجهة نظري فإنّ المتلقي لا يجد عند الشاعر في كثير من الأحيان ما يرضي ذائقته وما يعبّر عن حالته، وما يستطيع اعتباره حروفا تتحدث بلسان حاله وتعالج قضاياه ومشاكله، وقد يتعدى افتقاده لحس جمالي في القصيدة. ولو تحدّثنا عن أعمال تطبع ودواوين تصدر سنجد الكثير من الركاكة والتفاهات التي استطاع أصحابها أن يجعلوا منها مادة في أيدي طبقة هامة من القراء، وربما يكون للإعلام نوعا ما يد في القضية عن قصد أو من دون قصد، فقد نجد في الكثير من الأحيان كلاما رديئا يسوق على أنه شعر ونجد أسماء لا تستحق أن يروج لها إعلاميا وتلقى من الاهتمام أكثر من حقها، وبالطبع سيكون للرداءة المروجة السبق في الوصول للقارئ، مع هذا هناك جيل شعراء شباب عرفوا كيف يسيروا بخطى ثابتة ويثبتوا تواجدهم في الساحة. ❊ مؤخرا لمحنا انتشار قصيدة الكليب بالدول العربية، هل تدعّمون هذا التوجه؟ وما الذي يحول دون توجه الشباب الجزائري لتجسيد هذه الفكرة؟ ❊❊ حقيقة قصيدة الكليب الشعري باتت منتشرة بشكل واسع وتعرف رواجا كبيرا، حيث أصبحت طريقة هامة من طرق التواصل بين الشاعر والجمهور، وربما يرجع هذا لعدم قدرة الشاعر على إقناع المتلقي وتملكه بالكلمات لوحدها، فأصبحت طريقة الكليب الشعري إضافة قد تضفي جمالية ما وتغطي على أي ضعف. ونجد الكثير من الأمسيات الشعرية التي ترافقها موسيقى هادئة تتماشى مع الكلمات لحظات القراءة وحتى في الحصص التلفزيونية والاذاعية، كل هذا عبارة عن بدع استحدثت لاستمالة المستمع وأحيانا قد نفرغ الشعر من مضمونه ونرفقه بمواد مستقلة عنه قد تكون بحد ذاتها محل إعجاب ومقصد للمتلقي، ويبقى على الشاعر أن يجعل لقصيدته حضورا، وأن يحاول إيجاد روابط ما تقرّبه من جمهوره من خلال القصيدة. ❊ من هم أبرز الشعراء الذين تحبّون متابعتهم وقراءة أشعارهم وقصائدهم؟ ❊❊ دائما أقول أنّ تعدّد المناهل من أهم الأسباب التي تساعد الشاعر على الغوص أكثر في بحر الكلمة، وتنمي ذائقته وتجعله من خلال تعامله مع الكثير من الطبوع والأساليب يرسم مساره الخاص بكل راحة، ويحدّد طريقه الجديد في الكتابة، وما القصيدة سوى صياغة مجموعة من المكتسبات بطريقة فنية. صراحة أسير وفق المثل القائل “أقطف في الشعر من كل بستان زهرة"، أقرأ لكل من يثبت لي من خلال كتاباته أنه شاعر، لمن يستطيع أن يحرك داخلي شيئا ما، لمن يمتلك مهارة الإبهار ويعرف كيف يجعلني أكمل قراءة القصيدة إذا بدأتها. ❊ كشاب تطمح للتميز، حدّثونا عن مشاركتكم بالملتقيات والندوات الفكرية الشعرية، وما انعكاسها على كل مبدع؟ ❊❊ العمل الجماعي مهم، وما أجمل أن يجد الشاعر نفسه بين شعراء كبار وقامات أدبية شامخة يستطيع أن يناقش وأن يستفيد بكل راحة من خبراتهم ومن تجاربهم، وأن ينهل من معارفهم، لكن للأسف أصبحنا نسمع أحيانا بملتقيات أبعد ما تكون عن خدمة الكلمة الجميلة وحمل رسالة الشعر. أما عن تجربتي فقلّما أكون حاضرا بهذه الملتقيات، ومن الفعاليات التي تشرّفت بحضورها ملتقى الشعر بالبويرة، الشاطئ الشعري، الربيع الشعري بالمدية وآخر بوادي سوف. ❊ أيّ من القصائد تجدونها أقرب إلى الجمهور ولماذا؟ ❊❊ القصيدة التي أجدها أقرب للجمهور هي تلك التي كتبت بصدق أكبر وبإحساس متدفّق، وكما يقال ما يخرج من القلب يعرف طريقه للقلوب، فيكفي أن تكون القصيدة صادقة لتعرف كيف تكسب جمهورها. ❊ ما اللغة التي تحبّذون استعمالها: الشعر الفصيح أم الكتابة بالدارجة والعامية؟ ❊❊ أكتب الشعر العمودي وأعتزّ ببحور الخليل بعدما كادت تنسف، وأصبحنا نرى غربة القصيدة العمودية في الشعر العربي وهي أساس الشعر، وأصبحت بحور الخليل تعني عند بعضهم مرحلة وجب تجاوزها ونمطا كلاسيكيا يجب تخطيه وتحديثه بما يسمونه الشعر النثري، أحترم الإبداع ولكل مبدع أن يكتب بالطريقة التي يحب بشرط أن نسمي الأمور بمسمياتها وأن يبقى المبدع بعيدا عن هاته المؤامرات التي تحاك. ❊ برأيكم متى تصبح القصيدة ناجحة؟ ❊❊ تصبح القصيدة ناجحة بنظري حين تضيف شيئا ما، حيث يستطيع الشاعر من خلالها أن يعالج قضية أو ينتصر لمبدأ، أرأيت كيف يتبادر لأذهاننا اسم نزار قباني بمجرد الحديث عن المرأة في الشعر، نزار عرف كيف يصنع من قصائده جواهر وأن ينتصر للأنثى وأن يتحدث بلسانها، أو أن تصنع القصيدة جمالا من العدم، أن تكون مختلفة عن ما قيل قبلها. وفي الأخير القصيدة الناجحة هي التي تعرف كيف تحرك قارئها وكيف تجعله يعيش أحداثها، وتنقل له الصور التي التقطها الشاعر بجودة أعلى. ❊ تميلون إلى كتابة قصائد الغزل، متى يسقط الغزل من حساباتكم؟ ❊❊ ربما كتابتي في الغزل راجعة لكونه القطرة التي أفاضت الكأس، وجعلتني أكتب أول خربشة لي ذات احتراق، واكتشف حب الكتابة وتعلّقي بالبوح، وربما لأنّه الموضوع الوحيد الذي أستطيع أن أتكلم فيه بقليل من الإدراك بعيدا عن فوضى السياسة وضبابية الأحداث. ❊ هل لديكم ديوان صوتي؟ ❊ لا ليس لديّ ديوان صوتي، ولم أحاول خوض هذه التجربة مطلقا. ❊ حدّثونا عن ديوانكم المقبل الذي هو قيد الطباعة، وهل من صعوبات واجهتكم ليخرج عملكم إلى النور؟ ❊❊ لي مخطوط شعري سيرى النور قريبا، عبارة عن مجموعة شعرية تحتوي على 40 قصيدة ومقطوعة غزلية وجميع قصائده عمودية، وككل شاعر مبتدأ عانيت كثيرا قبل أن تتاح لي فرصة النشر وأتمنى أن نقدّم شيئا جميلا للمتلقي. ❊ هل ترون بأن الشباب الشعراء في الجزائر باستطاعتهم الدخول في المنافسات الدولية العربية؟ ❊❊ إذا تحدّثنا عن الشباب الجزائري وتمثيله لبلده أرى أنّ الجزائر وطن معطاء يزخر بمواهب تستطيع أن ترفع رأسه وأن تشرّفه على كل المستويات، وبالمناسبة أهنئ الشاعر الجزائري ناصر الدين باكرية ممثل الجزائر في برنامج أمير الشعراء، الذي استطاع أن يتأهل وأن يصل لمراحل متقدمة، وأتمنى له التوفيق في المراحل المقبلة. ❊ كيف تسقطون تجربتكم الحياتية بمرّها وحلاوتها على تجربتكم الشعرية؟ ❊❊ سبق وقلت أن القصيدة داخلي تحتاج لحدث لتخرج، وأحداث يومي بما تحمل من فرح وحزن وملل وأمل، إما أن ترسل قصيدة ما وإما أن تجعلها تنضج على نار هادئة الشعر في كثير من الأحيان يكون متنفّسا عمّا نعانيه ونعيشه. ❊ ما دور الشبكة العنكبوتية في التعريف بشعركم وتواصلكم مع البقية بشتى أنحاء الدول العربية؟ ❊❊ الشبكة العنكبوتية حقيقة غطّت على النقص الذي تحدثه وسائل الإعلام بأنواعها، وأصبح بوسع الشاعر أن يتواصل مع شريحة هامة وأن يخاطب النخبة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وأن يخلق له جمهورا من كافة الدول ومن كل البقاع، أستطيع أن أقول أنّني كشاب يحاول أن يكون شاعرا استفدت منها كثيرا من خلال تواصلي مع شعراء كبار. ❊ في كلمة أخيرة ماذا تهدون لقرّاء “الشعب" بمناسبة هذا اللقاء؟ ❊❊ أشكركم على هذا الحوار وأتمنى لكم مزيدا من العطاء في خدمة الحرف، وتحية لكل قرّاء جريدة “الشعب"، وأهديكم هذه الأبيات: تميمة عشق كفي تقول بأنّنا لن نلتقي وأقول يا كفّي ارحمي وترفّقي فنجان أقداري رؤى عرافتي أم هدهدي المذبوح صوب المشرق من رغبتي علقت ألف تميمة وفضحت شوقي في الهوى وتعلّقي يا أنت يا وجع القصائد كلها يكفيك أنّي قد خلقت لتخلقي