عندما ارتفعت أسعار النفط لتبلغ مستويات قياسية متتالية لم تفلح كل المساعي التي قامت بها منظمة أوبيك للحد من هذا الارتفاع رغم الزيادة التي أقرتها في الانتاج، وعندما حدث العكس أي تراجع سريع في الاسعار بنسب قياسية في ظرف زمني قياسي أيضا، لم تفلح لحد الآن جهود أوبيك في وقف هذا التدهور السريع رغم قراري الخفض بمليوني برميل في اليوم إجمالا وذلك في شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين . وقبل اجتماع أوبيك الاستثنائي في الجزائر، بعشرة أيام فقط بات من المؤكد أن تقرر دول الاعضاء في المنظمة تخفيضا ثالثا في الاتنتاج لتهدئة أسواق النفط التي توجد في حالة تذبذب وتميل إلى التدهور السريع، حيث تسعى الدول النفطية وفي مقدمتها الجزائر التي ترأس حاليا المنظمة الى بذل جهود جبارة من أجل ايجاد الصيغ الملائمة للتأثير على السوق النفطية التي بدت وكأنها غير عابئة بما تقرره أوبيك من خفض في الانتاج، مواصلة بذلك تراجع أسعارها في وقت كان يفترض فيه أنها مهيئة لمزيد من الخفض في الانتاج بعد التصريحات العديدة الصادرة في هذا الشأن، على الرغم من أن البعض من هذه التصريحات لم تستبعد خفضا كبيرا في إنتاج المنظمة، ومع هذا، فانه مع كل تصريح أو قرار ملموس للخفض تأبى الأسعار التوقف عن التدهور السريع . وأمام هذا الوضع الخطير، فإن سؤالين أساسسين يطرحان، أولهما ما هو الهامش الذي بقي لأوبيك للتحرك لوقف التدهور، وهل عملية الخفض القادمة التي يفترض أنها ستكون حازمة ستؤثر بطريقة أوبأخرى في مستوى الأسعار والحفاظ على الأقل على مستويات تتراوح بين 40 الى 60 دولار ، أما السؤال الثاني فإنه يتعلق بمدى قدرة المنظمة على إقحام دول أخرى منتجة للنفط خارج أوبيك في مساعي الخفض في انتاج النفط لسحب المعروض منه، قبل أن تتفاقم الأوضاع أكثر مما عليه في الوقت الراهن. في ظل الظروف الراهنة المميزة بتعميم شبه مؤكد لظاهرة الكساد في العديد من الدول المتقدمة والناشئة ، وفشل كل الجهود التي تبذل من أجل تفادي تداعيات الأزمة المالية العالمية وبروز أولى انعكاسات الكساد الاقتصادي، فإنه يبدو من الصعب التحكم في أسعار النفط أو على الأقل المحافظة على المستويات الراهنة لأن التوقعات تشير الى أن الأسواق النفطية مقبلة على مرحلة عصيبة للغاية وذلك في الربع الاول من العام القادم، وقد تستمر الى غاية الربع الثاني وحتى الثالث بعد توقع تراجع في الطلب بنحو مليون ونصف مليون برميل في اليوم، وهذا يعني أن نمو الطلب مقبل على انحصار أكبر متأثرا بانحصار دائرة الاستثمار، وهذا يعني أنه إذا كان تراجع أسعار النفط في الوقت الراهن يسير وفق وتيرة سريعة، فإنه في بداية العام القادم يتوقع أن ترتفع وتيرة التسارع لتنخفض الى مستويات قد تناهز 20 دولارا للبرميل ان لم يكن أقل من ذلك. وعلى هذا الأساس، فإن أي خفض في إنتاج المنظمة وإن كان ضروريا لسحب الفائض من المعروض في السوق، قد يكون عديم الفائدة، مما قد يعطي الانطباع على أن زمام الأمور قد انفلت تماما من أيدي المنظمة التي قد تتحمل جزءا من مسؤولية تذبذب السوق، نتيجة عدم التزام البعض من أعضائها لمستويات الخفض المقررة في اجتماع أكتوبر الماضي، ويعتقد أن دولا نفطية محسوبة على الطرف المتشدد داخل أوبيك والتي تدعو إلى أسعار مرتفعة في حدود 90 دولارا للبرميل، لم تلتزم بخفض انتاجها. ومن جهة أخرى فإن الجزائر تسعى الى إشراك دول أخرى منتجة في اجتماع وهران مثل روسيا والنرويج وكندا والمكسيك وغيرها قصد التنسيق والاتفاق حول توسيع خفض الانتاج ليشمل دولا نفطية خارج الأوبيك، خاصة وأن البعض منها مثل روسيا ستتضرر ميزانيتها السنوية بعد أن وضعت على أساس 100 دولار للبرميل ومن المرجح أن تأخذ مأخذ الجد دعوتها للقاء الجزائر قصد إجراء التنسيق اللازم لإنقاذ ما يمكن انقاذه لسوق تأبى أن تخضع لمنطق العرض والطلب، بعد أن هجرها المضاربون وتهاوت الأسعار فيها لتصل أمس الى حدود 44 دولارا للبرميل فاقدة بذلك أكثر من 102 دولار للبرميل منذ جويلية الماضي عقب تسجيله مستويات قياسية ------------------------------------------------------------------------