دخل اختفاء حافلات مؤسسة النقل الحضري للجزائر «ايتوزا» من شوارع العاصمة منذ 11 نوفمبر الجاري، مرحلة يحتمل أن تؤثر بشكل سلبي ومباشر على مستقبل عمالها (سواق وقابضون) الذين دخلوا في إضراب يبدو انه تحول إلى استقالة جماعية، ستكون عواقبها وخيمة إذا لم يحتكم جميع الأطراف للحكمة والتعقل بالعودة إلى طاولة الحوار المسؤول والشفاف والتوقف عن الاستمرار في تعنت لن يتمخض عنه سوى الوبال. ومن مؤشرات ذلك أن خدمة النقل لم تتوقف بعد أن تدخلت حافلات الخواص التي وجدت مساحة أخرى لربح مضمون، وقد يبدأ الزبائن في نسيان مؤسسة لطالما ارتبطت بالعاصمة. من المستفيد من إضراب بدأ يلوح بخسائر سوف تتكبدها المؤسسة وعمالها خسائر كبيرة بدءا بفقدان مصداقية أنجزتها أجيال متعاقبة من العمال الأولين الذين اشتغلوا في ظروف صعبة وفي فترات بالمجان للحفاظ على ديمومة مؤسستهم التي قاومت مراحل صعبة مر بها الاقتصاد الوطني، قبل أن تبعث من جديد خاصة وأنها تشكل جزءا من هوية المدينة، بعد حصولها على دعم معنوي ومادي من قبل الدولة في ظل سوق تنافسية ومضمونة الربح للمتعامل الملتزم بالخدمة العمومية. هذا الإضراب الذي يبدو انه بدا يأخذ منحى استقالة غير معلنة، سيضع الجميع مؤسسة وعمالا وزبائن أمام مصير كله متاعب، علما أن أسلوب الإضراب كخيار للمطالبة بالحقوق ليس دائما السبيل الأفضل لبلوغ الهدف، بل غالبا ما يتحول إضراب غير مدروس العواقب ويعكس تهورا لدى البعض ومغامرة لدى البعض الآخر إلى انتحار. وسبق أن اختفت مؤسسات (خاصة في قطاع البناء) دخل عمالها في إضراب غير محدود في مرحلة التسعينات ولم ينفع حينها الندم بعد زوال نعمة مناصب العمل على ما كانت عليه من نقائص ومشاق وقلة أجر وتسلط مسؤولين استسلموا للأمر الواقع. إن المسؤولية في قيادة مطالب عمالية لا تختصر في إطلاق مواقف راديكالية، بقدر ما هي التزام الواقعية وامتلاك القدرة على توقع المستقبل وقراءة سليمة وواسعة للمؤشرات، والأخطر أنها تفرض حماية مصالح عمال لا يملكون دخلا آخر يعيل أسرهم ويحفظ كرامتهم، الأمر الذي يفرض على متزعم أي إضراب فردا كان أو مجموعة تغليب خيار الجلوس إلى طاولة الحوار لإنقاذ مكاسب عمالية وتحقيق أخرى كلما سنحت الفرصة. وفي انتظار ذلك سوف يصل الموقف إلى خط يكون فيه الحسم أمرا ضروريا، وقد لا يخرج ذلك عن خيارات قاسية ولا تخرج الخيارات عن توقع توقيف نشاط المؤسسة وعرضها للخوصصة، وربما إشهار إفلاسها وإعادة تأسيس مؤسسة جديدة بقانون أساسي مختلف وبعمال جدد خاصة وان عالم الشغل يطرح ارتفاع الطلب على العمل، إذا لم يتدارك العمال خطورة المسألة والعودة إلى حافلاتهم وانتداب ممثلين يجيدون الدفاع عن الحقوق ويحرصون على مؤسستهم، علما أن الدعم العمومي لن يستمر إلى ما لا نهاية، مما يضع الجميع أمام مسؤولياتهم.