تواصل المنظومة الاقتصادية الوطنية أداءها في ظل مؤشرات كلية متوازنة ومطمئنة في المدى القصير على الأقل، غير أن التشخيص الأخير الذي أجراه صندوق النقد الدولي افرز جملة من المعطيات من بينها ما يستدعي ضرورة توخي الحذر في تسيير الاحتياطات المالية التي بدأت تتأثر ومن ثمة تتطلب يقظة دائمة حتى لا تهتز المعادلة. ولعل أول ما ينبغي إحاطته بالحرص والمتابعة الدقيقة لصندوق ضبط الواردات الذي أسس ليكون موردا ماليا للأجيال، ومن ثمة لا يمكن المساس به، أو التصرف فيه، إلا في الحالات الاستثنائية الطارئة وضمن إجراءات صارمة تتكفل بها أكثر من جهة دستورية مسؤولة، بما يضمن جانب الشفافية. وفي الظرف الراهن المتميز بتسجيل تراجع واردات صادرات المحروقات مقابل ارتفاع فاتورة الاستيراد، يبدو أن السيولة المالية للجزائر من احتياطات موجودة بخزائن الدولة وتلك المودعة في مؤسسات مالية دولية،أصبحت من الواجب تسليط الأضواء عليها. حقيقة بقدر ما كانت تطلق إشارات خضراء للوضع الاقتصادي والمالي الصلب إلى غاية اليوم وسيستمر في المدى القصير والمتوسط أيضا، بقدر ما كان هناك لدى العارفين بخبايا الأسواق والمالية الدولية إدراك لقدوم ظرف يطلق إشارات حمراء للتنبيه، بما سيترتب عليه عدم توخي الحذر في التعاطي مع أسواق الاستثمار المحلية والعالمية، ويكفي التوقف عند ما تعرضت له العملة الوطنية الدينار الجزائري، من تخفيض يحمل انعكاسات سلبية محتملة في حالة عدم التصدي للاختلالات ليس بإجراءات جاهزة، وإنما باعتماد حلول تعكس درجة من الذكاء الاقتصادي. وفي خضم كل هذا، تبقى المؤسسة الاقتصادية المنتجة للثروة بغض النظر عن طبيعتها القانونية، الأداة الفعلية التي تشق الطريق أمام بناء اقتصاد بديل للمحروقات يرتكز على القيمة المضافة وقادر على اختراق الأسواق الخارجية. ولا يتعلق الأمر بالرهان على المؤسسات الصغيرة والموسطة فقط وإنما بتوجيه الاهتمام وبدرجة اكبر إلى المؤسسات الصناعية الكبرى التي لا يمكن لغيرها من جر القاطرة الاقتصادية بكل مشاريعها وتطلعاتها، لما لتلك المؤسسات من طاقة مادية وبشرية وخبرات كفيلة بتنشيط مختلف جوانب التنمية بمفهومها الاقتصادي والاجتماعي، شريطة أن تلتزم بقواعد حوكمة التسيير والإدارة ويبقى التحدي الذي يرتبط مباشرة بالمجموعة الوطنية، أن تتم مضاعفة الجهود وتدارك جوانب الهشاشة في دواليب الاقتصاد، بما يحصن البلاد من أي خطر محتمل لعودة هاجس المديونية التي تخلصت منها الجزائر بكل ما نجم عنها من آثار وبثمن باهض. وأمام هذا التحدي فان كل الشركاء بما في ذلك المواطن على درجة من المسؤولية في ترشيد النفقات واقتصاد الموارد وترقية الأداء.