يبقى التحدي الأكبر الذي تواجهه المنظومة الاقتصادية الوطنية قلب معادلة الصادرات الراهنة والموروثة منذ سنوات طويلة لصالح البضائع والخدمات خارج المحروقات بما يضمن موارد مالية كفيلة بإبعاد أي خطر محتمل ينجم عن تقلبات سوق البترول والغاز، التي تمثل أسعارها في الظرف الراهن المرجع الأساسي في تحديد القرار الاقتصادي بمختلف جوانبه الاجتماعية وغيرها، فإن كانت مرتفعة ساد الارتياح وإن تراجعت كما هو الحال منذ مدة نتيجة الأزمة المالية العالمية تعلن حالة الطوارئ، و يلوح التشنج والقلق على مختلف المستويات إلى درجة تخلط فيها الحسابات بما يهدد الاستقرار الاجتماعي الهش نتيجة ضغط الميزانية على الجانب الاجتماعي. وعلى الرغم من تسجيل مسار ترقية الصادرات خارج المحروقات ضمن أولويات النهوض بالاقتصاد الوطني تحسبا لمثل تلك التوقعات، ورصد الدولة لإمكانيات وموارد هائلة وضعت تحت تصرف المؤسسات والمتعاملين لرفع التحدي، إلا أن الموقف لا يزال يتطلب عملا كبيرا ليس على مستوى تجنيد الموارد المالية ومختلف التحفيزات لمن ينخرط في ديناميكية ترقية الصادرات خارج المحروقات، وإنما بدءًا بتسجيل وقفة تقييم لهذا المسار الاستراتيجي المعول عليه في إرساء بديل لاقتصاد المحروقات والذي يرتكز على منظومة قطاعات مثل الفلاحة والصيد البحري والسياحة والخدمات المصرفية ومختلف نشاطات اقتصاد المعرفة، إلى جانب البناء والأشغال العمومية وكلها تحتاج إلى إعادة صياغة، بتعديل ما يمثل اعوجاجا وتعزيز ما يعد قويما أظهر نتائجه الايجابية. بلا شك أن العادة تقاوم التغيير خاصة على مستوى سلوكات وذهنيات مفاصل اتخاذ القرار الاقتصادي، ولذلك يلاحظ تراجع تلك النبرة التي طبعت مسار بعث اقتصاد خارج المحروقات قبل سنوات قليلة، ليخيم وضع يبدو أن الارتياح المالي للدولة قد كرسه، علما أن قوة الاحتياطي المالي المحصل بفضل الارتفاع الهائل لأسعار البترول قبل حوالي سنتين يواجه تهديدا، بفعل مضاعفات الأزمة المالية العالمية التي وإن لم تمس الوضع الاقتصادي الكلي في الوقت الحالي، فإنها إن تمادت سوف تحدث أثرها فيه بأي شكل من الاشكال، خاصة وان المؤشرات الدولية تقدم عناصر جديرة بالمتابعة منها السعي الحثيث للبلدان المستهلكة للموارد الطاقوية التقليدية لانتاج طاقة بديلة متجددة، والضغوطات الممارسة على أسعار المواد الغذائية الأساسية بالدفع نحو ارتفاعها بشكل يخلط حسابات البلدان التابعة غذائيا ومنها بلادنا، ما يفرض إحاطة الامر بكل الجدية اللازمة تحسبا لاحتمالات مكلفة في المديين المتوسط والبعيد. إن القطاعات المعول عليها في انتاج اقتصاد بديل للمحروقات ولو بحجم النصف منه مطالبة بأن ترتقي الى مستوى التحدي بالسهر على ترشيد استثمار الموارد والامكانيات والاستغلال الأجدى للفرص بما يحقق انتاج عنصر القيمة المضافة التي تحسم مسألة المنافسة، خاصة في السياحة والفلاحة وتربية الأبقار والمواشي، وانتاج الأدوية والصيد البحري، وتسيير الموارد المائية باعتبارها تمثل ركائز سياسة الأمن الغذائي التي تنتهجها مختلف البلدان التي تشعر بنفس درجة الخطورة، ولذلك لا يمكن القبول بوضع لا يميز فيه بين المؤسسات والمتعاملين، أو المستثمرين الذين يؤمنون بضرورة رفع التحدي المصيري بالانخراط كلية في العملية التنموية، أو أولئك الذين يستثمرون في المزايا الضريبية والعقارية وشبكة المحفزات الإعفائية والدعم المالي بالقروض الميسرة لجمع ثروات لا يضخ نصيب من عائداتها الهائلة في العملية الاقتصادية الهادفة، فإلى متى ساعة الفرز ؟