ساهمت الفوائض المالية الناجمة عن صادرات المحروقات في إعادة رسم طريقة جديدة لتمويل الإقتصاد الوطني قصد تنفيذ سياسة مالية أريد لها أن تكون فعّالة وحذرة وذلك من أجل تحقيق أهم أهداف إنعاش النموّ الاقتصادي التي تعتمد أساسا على تقليص هشاشة الاقتصاد الوطني ورفع مستوى النشاط خارج قطاع المحروقات وعدم نسيان حق الأجيال القادمة في كل ما يتعلق بالثروات الباطنية. أما عن أدوات تحقيق هذه السياسة الجديدة، فقد أوجزها المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي في أربعة محاور، ويتعلق الأمر بصندوق ضبط العائدات والتسيير الفعّال للديون العمومية للدولة والبرنامج الخماسي لدعم النموّ وأخيرا نظام جبائي ناجع وفعّال. فبالنسبة لصندوق ضبط العائدات الذي أنشئ سنة ,2004 قصد تسيير الفوائض الناجمة عن فارق سعر النفط المرجعي في إعداد الميزانية وسعره الحقيقي على مستوى الأسواق النفطية، فقد استطاع في ظرف زمني قياسي جميع 9,58 مليار دولار، وذلك إلى غاية نهاية السداسي الأول من العام الجاري، ويتوقع أن يتجاوز هذا الرقم في نهاية السنة الحالية على الرغم من الإنخفاض المتسارع لأسعار النفط التي لم تبلغ بعد مستوى السعر المعتمد عليه في ميزانية السنة الجارية وهو 37 دولارا للبرميل. لقد استطاع صندوق ضبط العائدات من جمع مبالغ مالية معتبرة خلال السنوات القليلة الماضية، إذ سجل مستوى يقدر ب 1798 مليار دج في سنة ,2006 اقتطع منه ما قيمته 6,709 مليار دج، جزء منه وقيمته 1,618 مليار دج خصص لتسديد أصل الديون العمومية و5,91 مليار دج في إطار المساهمة في تمويل عجز الميزانية، في حين أنه في سنة 2007 بلغ ما جمعه صندوق ضبط العائدات 1739 مليار دج، تم تخصيص 922 مليار دج لتسديد الديون العمومية و532 مليار لتغطية عجز الخزينة الذي بلغ 2,29٪، ليبقى في الصندوق ما قيمته 3200 مليار دج، أي 46 مليار دولار وكان يعتقد أن تساهم هذه الفوائض المالية في ضمان التوازن المالي إلى غاية سنة ,2009 وذلك قبل أن تنزلق الأسعار على مستوى الأسواق النفطية لتفقد سعر الخام أزيد من 100 دولار للبرميل في أقل من أربعة أشهر. ومن حيث تسيير الديون العمومية للدولة، فقد سجل إنخفاض محسوس للدين الداخلي بما تعادل نسبة 67٪ في السنوات القليلة الماضية، حيث تحسن مستوى الدين العمومي الداخلي مقارنة بالناتج الداخلي الإجمالي لتنخفض النسبة إلى 7,11٪ في السنة الماضية مقابل 8,21٪ سنة 2006 و7,18٪ في سنة .2005 إعتماد مبدأ البرمجة الشاملة متعددة السنوات كما هو الحال بالنسبة لبرنامج دعم النمو أو المخطط الخماسي الذي يشرف على نهايته، بحيث لم يتبق له سوى عام واحد، هذا المبدأ سمح برسم خطط وبرامج محددة الأهداف والغايات وشمل تقريبا كل القطاعات الحيوية التي يعتمد عليها ليس فقط في بعث النمو بهدف رسم خطة تنموية مستدامة وإنما ركز أيضا على كل ما من شأنه تلبية الحاجيات الأساسية للمواطنين من مختلف الهياكل القاعدية الأساسية، والحاجيات الأخرى. يبقى أن تطوير نظام جبائي ناجع وعصري عملية تتطلب المزيد من التركيز ضمن نطاق تحقيق تطور هام في النشاط الاقتصادي خارج المحروقات وتنويعه من أجل بلوغ مستوى نمو اقتصادي دائم للموارد الجبائية العادية، الكفيلة بضمان إستمرارية للموارد العمومية من أجل تسديد الديون العمومية. ولعل أولى مؤشرات النمط الجديد في تمويل الاقتصاد بدأت تبرز خلال السنوات القليلة الماضية من خلال وتيرة النمو الاقتصادي التي تتدعم من سنة إلى أخرى وتحقيق موارد هامة مدخرة، في انتظار أن تعطي الورشات الكبرى المدرجة في مخطط دعم النمو الاقتصادي التي انطلقت بصفة فعلية منذ مدة، أولى ثمارها في المرحلة القادمة والهدف الأساسي يبقى تعزيز القدرات المالية الذاتية التي تعد الضمان الوحيد لإنجاز البرامج التنموية ضمن محيط اقتصادي ملائم، عوض انتظار مداخيل المحروقات التي تتأثر باستمرار بالعوامل الخارجية مثلما يحدث حاليا من هزات عميقة في أسواق المال والاقتصاد والطاقة. ------------------------------------------------------------------------