تحلّ علينا وككل عام الذكرى ال48 لمظاهرات الحادي عشر ديسمبر ,1960 التي تزامن تاريخها مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي غاب في جزائر (1954 1960) بسبب إختراق المستدمر الفرنسي لكل الأعراف الدولية وهو (المستعمر) الذي كان يتباهى بشعاراته الزائفة حول (الحرية، العدالة، المساواة). وبالرغم من المجازر التي ارتكبتها فرنسا في الثامن ماي 1945 وال17 أكتوبر 1961 وال11 ديسمبر ,1960 إلا أن المجتمع الدولي لم يعاقبها وهي بدورها لم تكن لها الشجاعة للإعتراف بمجازرها اللاإنسانية. في مثل هذا اليوم خرج الجزائريون في مظاهرات سلمية للتأكيد على مبدأ حق تقرير المصير ومناهضين لسياسة الجنرال ''ديغول'' الرامية إلى الإبقاء على فكرة ''الجزائر جزائرية'' ومن جهة أخرى، محاربة موقف المعمرين الفرنسيين الذين يحلمون ب''الجزائر فرنسية''، حيث ارتكز ديغول على الفرنسيين المتواجدين بالجزائر لمساندة سياسته والخروج في مظاهرات واستقباله في عين تيموشنت يوم 9 ديسمبر ,1960 وعمل المعمرون على مناهضة ذلك بالخروج بدورهم في مظاهرات، وفرض الأمر على الجزائريين للردّ على سياسة ديغول الداعية إلى إعتبار الجزائر للجميع في الإطار الفرنسي. ولم تكن جبهة التحرير الوطني محايدة، بل دخلت هي الأخرى حلبة الصراع بقوّة شعبية هائلة رافعة شعار ''الجزائر مسلمة مستقلة'' ضد شعار ديغول ''الجزائر جزائرية''، وشعار المعمرين ''الجزائر فرنسية''. بعد ذلك، زحفت المظاهرات الشعبية بقيادة الأفلان في الحادي عشر ديسمبر ,1960 ليعبر عن وحدة الوطن وإلتفاف الشعب حول الثورة، مطالبا بالإستقلال التام، حيث خرجت مختلف الشرائح في تجمعات شعبية في الساحات العامة عبر المدن الجزائرية كلها، ففي العاصمة وبالضبط ساحة ''أول ماي''، عرفت كثافة شعبية متماسكة مجندة وراء العلم الوطني وشعارات الاستقلال وحياة جبهة التحرير الوطني. وتوزعت المظاهرات في الأحياء الشعبية ببلكور، ديار المحصول، باب الواد، الحراش، بئر مراد رايس، القبة، بئر خادم، القصبة، وادي قريش حاملين نفس الشعارات، ثم توسعت المظاهرات لتشمل العديد من المدن الجزائريةوهران، الشلف، البليدة، قسنطينة، عنابة وغيرها من المدن ودامت المظاهرات لأزيد من أسبوع. وحسب المناضلين الذين عايشوا الأحداث، فإن هذه المظاهرات الشعبية، أكدت حقيقة الاستعمار الفرنسي الإجرامية، وفظاعته أمام العالم وعبّرت من جهة عن تلاحم الشعب الجزائري وتماسكه وتجنده وراء مبادئ جبهة التحرير الوطني والقضاء على سياسة ديغول وفكرة المعمرين. أما على الصعيد الدولي، فقد برهنت المظاهرات على المساندة المطلقة لجبهة التحرير الوطني واقتنعت هيئة الأممالمتحدة بإدراج ملف القضية الجزائرية في جدول أعمالها، كما صوتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية، رافضة المبررات الفرنسية الداعية إلى تضليل الرأي العام العالمي. واتسعت بذلك دائرة التضامن مع الشعب الجزائري عبر العالم، لاسيما في العالم العربي وحتى في فرنسا نفسها خرجت الجماهير الشعبية في مظاهرات تأييد كان لها تأثير على شعوب العالم، ودخلت فرنسا في نفق من الصراعات الداخلية وتعرّضت إلى عزلة دولية بضغط من الشعوب، الأمر الذي أجبر ديغول على الدخول في مفاوضات مع جبهة التحرير الوطني الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري وهو الأمل الوحيد لإنقاذ فرنسا من الإنهيار الكلي. في نفس السنة، قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ال20 ديسمبر ,1960 بإصدار لائحة اعترفت فيها بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره وبالتالي تأكد للعالم بأن جبهة التحرير الوطني هي الممثل الشرعي للشعب الجزائري، مما أعطى دفعا قويا لمسار المفاوضات الختامية وتدعّمت الثورة معنويا وعسكريا وديبلوماسيا وأفضى ذلك إلى استقلال البلاد وبناء الدولة الوطنية الحديثة. فيمكننا القول، بأن مظاهرات الحادي عشر ديسمبر ,1960 كانت فصل الخطاب لاستعمار دام 132 سنة من الاحتلال والقمع والبطش وضرب المقدسات الوطنية. ------------------------------------------------------------------------