بدأ الإعلام في السنوات الماضية، يحذو حذو العديد من القطاعات الأخرى التي عرفت حضورا مكثفا للعنصر النسائي، حتى أصبح يطلق عليه بالقطاع الذي «تأنث «. ولكن هل هذا التواجد المتزايد للمرأة الإعلامية قد فتح لها الأبواب نحو تبوء مناصب المسؤولية الحساسة في وسائل الإعلام الوطنية، وماذا عن مكانتها في المشهد الإعلامي والصعوبات التي تواجهها و دورها في ترقية مهنة المتاعب. حول هذه المحاور وغيرها كان هدف الدراسة الأولى من نوعها، التي أعدتها الزميلة الصحفية السيدة إلهام تير بالتعاون مع الفيدرالية الدولية للصحافيين، حللت من خلالها وبالدقة المتناهية وضعية المرأة الإعلامية في الجزائر والعراقيل التي لا تزال تواجهها على الرغم من بعض الجهود المبذولة في هذا الإطار. انطلقت إلهام تير في دراستها من أخذ عينة من الصحافيات في العديد من ولايات الوطن و بأعمار مختلفة، من أقل من25 سنة، وتمثل 8 في المائة فقط، إلى ما بين 35 و40 سنة، وتمثل على التوالي نسبتي 24 و25 في المائة وهو ما يعادل إجمالا 52 في المائة من الأجوبة. لتتوالى المعلومات حول اللغة المستعملة والتي تغلب عليها العربية ب42.79 في المائة، ربما بالنظر إلى الانتشار الواسع نسبيا للعناوين باللغة العربية، مقابل 38.15 في المائة من المستجوبات، آلائي يكتبن بلغة موليير. بينما تقدر نسبة مزدوجات اللغة ب 19.06 في المائة، وهن عادة ما يشتغلن في وكالة الأنباء أو قطاع السمعي البصري. ومن حيث سنوات الخبرة، فإن ذات الدراسة تفيد أن أغلب الإعلاميات التحقن بالصحافة منذ انفتاح الإعلام في بداية التسعينات، وأن الشهادة الجامعية تبقى المعيار المحدد للانضمام إلى المهنة، بالنظر إلى أن العمل الصحفي يتطلب الكثير من المعرفة والتحكم في تقنياتها. الأغلبية الساحقة من الصحافيات مرت على الجامعة بنسبة 81.81 في المائة، مع الإشارة إلى أن الشرط الوحيد للعمل في الصحافة المكتوبة يكمن في الشهادة الجامعية، بينما لا تقدر نسبة المستجوبات ذوات المستوى الثانوي سوى 4.54 في المائة. استفادت الإعلاميات من عمليات التحسيس والتوعية التي أطلقتها وزارة العمل قبل سنوات في إطار محاربة العمل الطفيلي، ليشهد القطاع المزيد من المنخرطات بصفة دائمة تجاوزت 83 في المائة من النساء الصحافيات حسب العينة المعتمدة، و12.11 في المائة في شكل عقود محدودة المدة و 2.07 في المائة صحافية متعاونة. كشفت الدراسة، أن اهتمام الإعلامية بالنشاط الصحافي يبقى هزيلا بسبب ما تعتقد أن المشاكل التي تواجهها النقابة الوطنية للصحافيين أثرت على انضمام الصحافيات إليها، وبالتالي فإنها لم تسجل سوى حضور 10 في المائة من النساء، بينما صرحت المستجوبات بنسبة 62.66 في المائة أنهن لا ينتمين إلى أية نقابة، كما أن النشاط الجمعوي لا يمثل للأغلبية الساحقة منهن أي شيء تقريبا و فقط 5.84 في المائة منخرطة في جمعية ما. أهم الصعوبات التي تواجهها المرأة الصحافية في عملها بحسب ذات الدراسة وتتمثل أساسا في الأجور بنسبة 59.09 في المائة، تليها عراقيل حول استفادتها من الترقية ب 46.66 في المائة وعدم منحها فرصة تغطية بعض المواضيع التي تبقى حكرا على الرجال بنسبة 31.79 في المائة، مع تسجيل وجود ما نسبته 27.27 في المائة تواجه التحرش الجنسي في مكان العمل و أزيد من 22 في المائة تعاني من صعوبات في توقيت العمل، خاصة وأن العينة المستهدفة في الدراسة تتجاوز فيها نسبة المتزوجات 63 في المائة والباقي عازبات، مما يطرح بالنسبة للأغلبية مشكل الوقت والتوقيت. و في تحليل معمق حول الأجور وبالنظر إلى مشكل عدم المساواة بين الرجل والمرأة الذي يبدو غير مطروح في القوانين الجزائرية وبالذات في قطاع الإعلام العمومي، فإن الدراسة تشير إلى أن نسبة 33.33 في المائة من النساء المستجوبات تعتبر أن أجور الصحافيين وبنفس المهام أعلى من رواتب الصحافيات، وأن 28.57 في المائة من نفس المستجوبات، تقرن بالتساوي في الأجور. و لعل ما يثير الانتباه أن 52.38 في المائة منهن يرجعن السبب في اختلاف الأجور إلى العلاقة الجيدة التي تربط الرجل بصاحب العمل، بينما ترجعها نسبة تتعدى بقليل 14 إلى الكفاءة المهنية التي تميز الرجل عن المرأة من وجهة نظرهن. للإشارة فإن غياب الشفافية لا يزال يميز الأجور في الإعلام الجزائري لاسيما في القطاع الخاص. أما عن المشكل الآخر الذي بات يؤرق المرأة عموما ويتمثل في الترقية المهنية، فإن المستخلص من الدراسة أن السبب الأساسي يعود إلى الذهنية السائدة، وحتى إذا وصلت المرأة إلى منصب ما فإن ذلك يعد فريدا من نوعه. 47.61 في المائة يعترفن بوجود صعوبات في الترقية و38.03 في المائة من نفس المستجوبات يخالفهن الرأي. أما عن مناصب المسؤولية، فإنها تنحصر في رؤساء المكاتب أو رؤساء الأقسام ونسبة قليلة جدا من رؤساء التحرير و فقط 0.45 تمثل نسبة النساء المالكات لمشاريع إعلامية. حملت الدراسة ثلاثة محاور أساسية تعتقد أنها ضرورية لتحقيق العدالة بين الرجل والمرأة ويتعلق الأمر بالتكوين المهني للنساء وإنشاء لجنة خاصة بهن في النقابات والجمعيات والقيام بحملة واسعة ضد التحرش في مكان العمل.