السياسة الخارجية للجزائر، لها إمتدادات تضرب بجذورها في أعماق الثورة التحريرية.. المنبع الذي استلهم منه المسؤولون المبادىء الثابتة لمسار التفاعل مع كل الأحداث المؤثرة في العلاقات الدولية.. منها خاصة مبدأ تقرير مصير الشعوب الرازحة تحت نير الإستعمار.. والمتابعة المستمرة.. والمرافقة المتواصلة لكل الإفرازات الناجمة عن ما يعرف بالحرب الباردة والتعايش السلمي.. وتأثيرات القطبية الثنائية في بناء الأنظمة السياسية ما بعد مرحلة الإحتلال. وبالتأكيد، فإن الديبلوماسية الجزائرية ولدت من رحم الثورة.. وفي ظروف عصيبة جدا.. كشفت عن عنفوانها وكفاءاتها خلال جولات مفاوضات ايفيان.. والمشاركة في المحافل الدولية كمؤتمر باندونغ. والقاسم المشترك لكل هذه التحركات.. في هذه الإتجاهات هو التعريف بالقضية الجزائرية.. و عدالة نضالها.. من أجل استرجاع السيادة الوطنية. هذا الرصيد أضفى على هذا التوجه القوة في فرض تمايز فريد من نوعه في أداء هذه الديبلوماسية التي مافتئت تحقق نجاحات تلو الأخرى. هذا الحرص، كان دائما الشغل الشاغل للعمل الديبلوماسي في الجزائر.. بحكم بعدها التحرري ما يترجم احتضان بلدنا لمؤتمرات عملت على تعميق مفهوم التحرر في العالم .. كمرحلة عدم الإنحياز.. ومجموعة ال 77 وفتح فضاء الأممالمتحدة لزعماء تاريخيين كالقائد الفذ ياسر عرفات.. وطرد نظام الأبرتايد من هذا المنتظم الدولي.. مع اعتبار أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية. ولابد من الإعتراف بأن الديبلوماسية الجزائرية خلال السبعينات كانت قوية جدا على الصعيد الخارجي.. كلمتها مسموعة ومحترمة إلى درجة التوافق الكامل مع الثورات الفتية آنذاك التي قاومت أعتى الترسانات العسكرية منها الثورة الكوبية والثورة الفيتنامية التي لقّنت هؤلاء درسا لا ينسى. ونقطة التحوّل في العلاقات الدولية إنهيار جدار برلين، تبعه في ذلك سقوط نظام المعسكر الإشتراكي خلال تلك الفترة.. وبالرغم من هذه التغييرات الجذرية في مفهوم الأواصر بين الشعوب.. فإن الجزائر لن تتنازل عن مرجعيتها في نشاطها الخارجي.. وهذا باتباع سياسة إعادة الإنتشار على مستوى أكثر اتساعا. وإن تطلّبت المقتضيات تكييف السياسة الخارجية الجزائرية مع المرحلة المفروضة عالميا.. وهذا بتكريس ما يعرف بالأحادية القطبية.. إلا أن ثوابت أو منطلقات أو قواعد هذه السياسة لم تتغير أبدا وهذا بعدم التدخل في شؤون الغير.. واعتماد قناعة حسن الجوار واحترام مواقف البلدان الأخرى مهما كانت.. والدفاع عن السلم والأمن العالميين.. وتفادي النزاعات وإبعاد الصراعات ورفض الانقلابات، والمطالبة بنظام عالمي جديد.. يشدّد على المساواة والعدل وعدم نهب الثروات.. والتلاعب بأسعار المواد الأولية. كلها مطالب مشروعة للجزائر.. ما فتئت تؤكد عليها في كل المحافل الدولية.. ناهيك عن دفاعها المستميت عن حقوق الإنسان.. واستقلال الشعوب التي تعاني ويلات الإحتلال كالشعب الفلسطيني والشعب الصحراوي. في الظرف الراهن.. وبحكم تنامي ظاهرة الإرهاب في بقاع معيّنة من العالم.. وتزايد أخطبوط تلك الإيديولوجيات الهدّامة في قتل الأفراد واختطافهم مقابل المطالبة بفدية لدعم قدراتهم المالية وابتزاز الدول القائمة كذلك.. سارعت الجزائر إلى تحذير المجموعة الدولية من المخاطر والأذى الذي يمكن أن يحدثه الإرهاب.. وهذا من خلال تحسيس البلدان الكبرى على أنها ظاهرة عابرة للقارات ولا حدود لها في ضرب استقرار الشعوب الآمنة.. وهذا العمل ظهر أكثر فأكثر على مستوى الأممالمتحدة واللقاءات الدولية.. أولا بإدانة الإرهاب وثانيا بعدم دفع الفدية.. والسعي من أجل وضع فواصل مابين ما هو إرهاب ومقاومة.. وتغيّرت المعطيات جذريا بمجرد أن ضرب الإرهابيون الأبراج الأمريكية بنيويورك ثم تلاه غزو أفغانستان لملاحقة الرأس المدبر بن لادن الذي قضي عليه فيما بعد بباكستان. من هنا تفطّن الجميع لهذه الظاهرة الجديدة في العلاقات الدولية.. وبالتوازي مع ذلك اكتسبت الجزائر تجربة رائدة في مكافحة الإرهاب وأصبحت بلادنا مرجعا حقيقيا، وهذا من خلال قدوم العديد من المسؤولين الأمريكيين والأوربيين وغيرهم للإستفادة من هذه الخبرة. خاصة ما تعلّق بتبادل المعلومات.. في انتشار قواعد الإرهابيين بما فيها الساحل.. المنطقة التي يريد البعض استغلالها لأغراض سياسية بحتة.. إلا أن الجزائر تبقى البلد الوحيد المتحكّم جيدا في هذا الفضاء بكل توجّهاته المتميّزة في هذه الجهة الجيو الاستراتيجية. فالسياسة الخارجية الجزائرية تنطلق من رؤية واضحة جدا في كيفية التعامل مع الأحداث الحسّاسة والملفات الشائكة.. وتراعي كل الأعراف الدولية.