استحداث صندوق العلاوات العائلية لدعم الأسر الهّشة غياب آليات تقييم المخاطرة يصّعب من مرافقة المستثمرين بالخارج طرح الخبير الاقتصادي الجزائري امحمد حميدوش بدائلا محسوسة وخيارات واقعية لمواجهة التراجع المحسوس في احتياطي الصرف على المديين القريب والمتوسط، بفعل الانهيار المفاجئ لأسعار النفط في الأسواق الدولية خلال السداسي الثاني من السنة الفارطة، وتحدث عن حلول من شأنها أن تساهم في ترشيد وعقلنة الموارد التي تصّب في التحويلات الاجتماعية وسياسة الدعم الوطني. وقدّم مقترحات لاحتواء والتضييق على نشاط المضاربة في السوق الموازية للعملة الصعبة، وأثار عدة مسائل من شأنها أن تفرض احترام القوانين والالتزام بقواعد اقتصاد السوق وتكّرس حرية المبادرة الاقتصادية، وتساهم في تنمية الاستثمار المنتج. "الشعب": كشف محافظ بنك الجزائر عن مؤشرات الوضعية المالية والنقدية، حيث تطلق ضوء أحمر بالنظر لتراجع احتياطي العملة الصعبة وتدّني قيمة الدينار. ما هي قراءتك لتلك الأرقام وما هي القدرات لمواجهتها دون الإخلال بالوضع الاقتصادي والاجتماعي العام؟ الخبير الاقتصادي امحمد حميدوش: إن الوقوف على الأرقام والتمعن فيها يجعلنا نركز في البداية على الرصيد الإجمالي السالب لبنك الجزائر بالنسبة لعام 2014 على اعتبار أنه يقدر ب 5,88 مليار دولار، بينما في سنة 2013 سجل توازنا، لأنه لم يحقّق سوى فائض ب 180 مليون دولار وبذلك شرعت الجزائر في استهلاك احتياطات صرفها ويتطلب الأمر ضرورة إعادة النظر في السياسة الاقتصادية والنقدية والمالية، لأن الجزائر إذا استمرت على نفس المنوال فبعد أقل من 10 سنوات سوف تدخل في مرحلة صعبة، لذا الانطلاقة يجب أن تكون مع تحديد أهم الأهداف التي يجب الوصول إليها حتى تصبح رهان المجتمع وتندرج ضمن مفهوم التحدي وهذا ما من شأنه أن يزيح كل مقاومة للتغيير والخوف من افتقاد مكاسب ويجب أن ترفق هذه الأهداف بأولويات تجسد على مدى سنوات من طرف هيئات الدولة (إدارات مركزية ومحلية وهيئات حكومية) وكذا المؤسسات الاقتصادية (أرباب العمل) باعتبارهما معنيان بالاستثمار و الدعم إلى جانب الأسر كونها عنصرا في الادخار والاستهلاك. باختصار نجد في برنامج رئيس الجمهورية هدف الوصول إلى اقتصاد قوي يصبح رهانا، لأنه لا يوجد مؤسسة مالية عالمية وهيئة دولية رسمية ولا مراكز الدراسات الإستراتيجية تضع الجزائر في العشرين سنة المقبلة من بين الدول ذات اقتصاد بارز، لذا يبقى تحديا يجب أن ترفعه النخبة من خلال اقتراح الحلول على السياسيين الذين يوجدون بمركز اتخاذ القرار في اختيار الأولويات وانتقاء الحلول المثلى، ولا يخفى على أحد أن كل الإمكانيات متوّفرة وعوامل النجاح متاحة. نظام "الرافعة" بديلا إستراتيجيا بالمقابل أظهرت الحصيلة المالية معطيات مشجعة مثل تمويل الجهاز الاقتصادي ومراقبة التضخم. فماذا عن الادخار المالي الوطني، أي كيف سيتم النهوض به خاصة بالنسبة للأسر؟ تشير الاحصائيات أن نسبة تمويل الأسر من طرف البنوك بالنسبة لسنة 2014 يتراوح بين 6 و8 % وهذه الحلقة مفقودة في الاقتصاد، لأن الأسر معنية بالادخار و يوجه جزء من ذلك لسياسة السكن وتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والاقتصاد التضامني و تمثل أهمية لنسيج المؤسسات الاقتصادية، ولكن منذ الاستقلال هذه المنظومة معطلة لأن صندوق الإيداع والائتمان منذ مرسوم وزير مالية الجزائر أحمد فرنسيس عام 1965 لم يستعمل كآلية لجلب الادخار ويفصل عن الخزينة ويجتمع مع أرصدة صندوق الادخار والائتمان لدى البريد والمواصلات ومع صندوق الائتمان ( الذي للأسف أصبح بنكا). وعندما نضع هذا التصميم يتبعه صياغة الادخار لتمويل السياسات مثل دفتر الادخار أو دفتر الادخار الأزرق ودفتر الادخار الأخضر وحسابات الادخار الصناعي والتي بموجبها توجه هذه الإدخارات إلى تمويل سياسة السكن أو السياسة الصناعية والاقتصادية كتمويل المشاريع الخاصة بالخدمات والتنمية المستدامة على غرار الطاقة المتجددة، وما إلى غير ذلك. دون شك فإن انهيار أسعار المحروقات منذ منتصف جوان 2014 ألحق ضررا بالموارد المالية للجزائر، كيف يمكن تعويض تلك الخسارة المالية خاصة وان الدولة أعلنت التزامها بمواصلة تجسيد البرنامج التنموي الخماسي؟ يجب التوضيح أن الدخل الوطني يعادل 220 مليار دولار وأن ثلثه مصدره المحروقات، علما أن ميزانية الدولة تعادل نصف الدخل القومي وبالتالي الإنفاق الحكومي معني بالمداخيل الضريبية والتي نصفها مصدره جباية المحروقات، وهذا ما يسمح للحكومة الحالية أو الحكومات المتتالية صياغة برامج تنموية، وفي أسوء الحالات بإمكان توفير ما بين 10 إلى 20 مليار دولار سنويا لميزانية التسيير ويتسنى الإبقاء على نفس النمط الإداري، فيصبح على الجهاز التنفيذي إعادة النظر في الأولويات وحجم المشاريع وزيادة في مدة الإنجاز وفي حالة ما إذا تم التوجه نحو صياغة جديدة من حيث شراكة قطاع عام قطاع خاص أو الاعتماد على تمويلات بنكية محلية وأجنبية، فإننا سوف نتوجه نحو تحقيق بما يسمى بالرافعة أي أن كل دينار يمكن أن يستقطب من 5 إلى 10 دنانير أجنبية وبالتالي في هذه الحالة يتعادل حجم الاستثمار الحكومي فينتقل ما بين 10 و 20 مليار دولار إلى 100 و 200 مليار دولار سنويا وهذا النظام يعمل به في دول الإمارات العربية. ضرورة استحداث صندوق العلاوات العائلية هناك من يحمّل السياسة الاجتماعية للدولة انتقادات ويدعو بعضهم إلى وقف سياسة الدعم. كيف يمكن التوفيق بين مواصلة التمويلات الاجتماعية وفقا لمعايير العقلانية في الإنفاق الاجتماعي بذهنية اقتصادية؟ السياسات الاجتماعية عندما توجه إلى الغني والفقير وعندما توجه الى المواطن ويستفيد منها السائح والأجنبي المقيم والسفراء وتهرّب السلع المدعمة الى الخارج، فلا يحسن بذلك توزيع هذا الدعم ومن خلال هذا الباب فإننا نطرح تساؤلا ..لماذا الدعم يوّجه للأسعار؟ وخير دليل على ذلك، دعم السكر فالنتيجة أن الجزائر صارت من أكبر المستوردين في العالم للسكر البني، ليحوّل فيما بعد إلى سكر أبيض بينما في الدول المجاورة دعم السكر يوّجه للفلاح الذي ينتج البنجر السكري، لأنه مادة أولية في إنتاج السكر، ويوجه هذا الدعم إلى الفلاح من خلال صندوق المقاصات (caisse de compensation) في حالة واحدة وهي انخفاض أسعار البنجر حتى لا يفلس الفلاح وعندها يحدث خلل في سلسلة الإنتاج، كما قد يتدخل لحماية الشركات المنتجة للسكر عندما ترتفع أسعار البنجر السكري لتدعم إنتاج السكر وبالتالي، فإن يتحقق الحفاظ على سعر التوازن الذي يخدم كل الأطراف أي الفلاح المنتج والمستهلك، أما فيما يتعلق بالأسر، فيجب استحداث صندوق العلاوات العائلية والتي تمول الأسر ذوي الدخل الضعيف لتمول في المرحلة الأولى، المنح العائلية كمنح التدريس ومنح السكن ويتوقع بعد عشر سنوات أن تلعب دورا على غرار صناديق العلاوات الموجودة في العديد من دول العالم. يعاني الجهاز الاقتصادي من تأثيرات الفساد الذي أعلنت الحكومة مكافحته، كيف يكون ذلك بشكل يحقق المراقبة للموارد، ويمنع تبديدها دون المساس بقواعد اقتصاد السوق وحرية المبادرة الاقتصادية؟ حقيقة الفساد أنه يعمل على عدم احترام قواعد السوق في المؤسسة الاقتصادية التي لا تسدد الضرائب لغرض تنافسي بالمقارنة مع المؤسسة الاقتصادية التي تدفع ضرائبها، فإن هذا التعامل يعد إخلال بقواعد السوق وأيضا الفوز بالصفقات العمومية مع عدم احترام الإجراءات التي يضبطها القانون المعمول به فهو يعتبر كذلك إهدار للأموال العمومية ويتسبب في ظهور الفساد، لذا يجب أن نحاربه من منطلقين.. الأول كونه يضر بالخزينة العمومية سواء من حيث المداخيل أي الضرائب وتطبيق مبدأ الشريعة الإسلامية بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من غشنا فليس منا" وبالتالي التركيز على كل من لا يدفع الرسم على القيمة المضافة (TVA) وإحالته مباشرة على النيابة العامة مع العلم أن كل مؤسسة اقتصادية معنية بالتصريح شهريا أمام مصلحة الضرائب بالتصريح المسمى (G 50) ويكون فعالا عندما يكون كل مواطن معني بالتصريح الضريبي السنوي على غرار ما هو معمول به و ما يقوم به رجال السياسة من تصريح عند كل موعد سياسي مثل الاستحقاقات الانتخابية. وأما المنطلق الثاني وتطبيقا دائما لمبدأ الشريعة الإسلامية بقول الرسول صلى الله علية وسلم: " لعن الله الراشي والمرتشي"، فالملاحظ أن القوانين الموجودة في الجزائر تتهم المرتشي مع العلم انه أخذ نصيب ليستفيد الراشي من خلال عدم احترام قواعد السوق وبالتالي يجب استحداث قانون خاص بمحاربة الفساد من خلال مقاضاة الأعوان للمؤسسات الاقتصادية الجزائرية والأجنبية التي تخل بالقواعد ومتابعتها حتى في الخارج بغية تعويض الخسائر للخزينة، على أن تهتم العدالة بالخبرة لتقييم هذه الخسائر وقد تتوقف المحاكمة عندما يتم دفع الخسائر والتعويضات للمحكمة من طرف المؤسسة الراشية باعتبار أن المحكمة أو العدالة طرف ممثل لهذه الخسارة. يجب أن يستثمر الجزائريون في الخارج من المؤكد أن للبنوك دور كبير في مراقبة حركة رؤوس الأموال والتضييق على تهريبها من جهة ومن جهة أخرى، ضمان تمويل الاستثمار من خلال مرافقة برامج المؤسسة الإنتاجية. فما هي إمكانيات ومسؤوليات الجهاز المصرفي في القيام بهذا من أجل دفع النمو؟ يجب أن نفهم بأننا لدينا سلوك أمام العملة الصعبة، حيث أصبحت تمثل السيادة وهنا يكمن الخطأ، ويجب الخروج من هذا التفكير و بالتالي تحويل العملة إلى الخارج هو سلوك قام به الإنسان منذ وجود النقود المتمثلة في الذهب والفضة وهذا ما يجب أن ينجر عنه قابلية تحويل الدينار إلى أي عملة وأن كل عملية تحويل الدينار من الجزائر إلى الخارج أو العكس ومن منطلق الاستهلاك و الاستثمار والادخار وجعل رصيد التمويلات والتحويلات بالعملة الصعبة إيجابية في حالة تحسن التنافسية في هذه المجالات. وعندما نتحدث عن الاستثمار فإننا نراها فقط من جانب جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ولكنها في المرحلة الأولى تحقق لنا أرصدة موجبة وفي الحقيقة مع مرور الوقت تحقق أرباحا والتي تحول أهمها إلى الخارج وعلى المدى المتوسط، رصيد الاستثمار يصبح سالبا لأنه مع الوقت يتم تحويل المبلغ المستثمر وحتى يتم تحسين هذا الرصيد يجب التعامل بالمثل، فعلى وتيرة المبالغ الأجنبية المستثمرة في الجزائر يجب أن يقوم المتعاملين الاقتصاديين بالاستثمارات في الخارج وبنفس المردودية أو بأحسنها حتى تتوازن الأرصدة والأمر سار على باقي الحسابات الأخرى الخاصة بميزانية البنك المركزي ونصّحح الخلل الذي بموجبه نسعى فيه إلى جلب العملة الصعبة مع رفض خروجها، وبالتالي قبل الخوض في مبدأ قابلية تحويل الدينار يجب التوصل إلى ضبط تنافسية القطاعات والنشاطات وفهم نقاط القوة والضعف وتحديد المسؤوليات مع وضع آليات تقييم الضعف والخلل وفق مؤشرات ومعايير مضبوطة مسبقا. لكن يلاحظ بالمقابل استمرار نشاط المضاربة في السوق الموازية للعملة الصعبة. ألا تضر هذه الممارسات بقيمة العمل المنتج للقيمة المضافة، ويقلل من ثقل الجهود الكبيرة للدولة في تنمية الاستثمار المنتج للسوق الموازي هامش من المناورة، أي ما يسمى بالعتبة المقبولة لأنه يتوّجه نحو الضبط أكثر فأكثر ممثلا الذين يقومون بالبيع على الأرصفة والطرقات والأسواق الفوضوية ومشكلتهم مع الإدارة تكمن في عدم التصريح الضريبي بما فيها القيمة المضافة، ولكن في العديد من الدول يتم ضبطها من خلال الآليات والوسائل التي نلخصها كالآتي: في البداية مع سوق الجملة ومهما كان نوع السلعة لا يمكن لأي كان سواء كان مستوردا أو منتجا التهرب في هذه السوق ويكون معني بدفع الرسم على القيمة المضافة والتي توجه إلى سوق التجزئة ويحولها إلى المستهلك وفي هذه السلسلة يصعب الهروب منها إلا كميات قليلة لا تتجاوز 5% كأقصى تقدير، أما باقي الضرائب والرسوم فهي تدفع من خلال نظام السوق المبسّط، حيث هناك أسواق يومية وأسبوعية وشهرية في مناطق معينة يمكن البيع فيها من خلال تصريح بسيط ودفع التكاليف الخاصة المتعلقة باستغلال مربع داخل هذه الأسواق التي تنظمها الجماعات المحلية، فنجد رسم خاص بالتنظيف والآخر خاص بالاستغلال، إلى جانب الرسم الجزافي وضريبة مبسّطة على رقم المبيعات، تجعل من سمسار الشارع يدفع ضرائب بطريقة غير رسمية إلى الذين ينظمون السوق وإن كانت بسيطة ومتعددة وتستفيد منها الجماعات المحلية كمداخيل خاصة بها وجزء منها يوجه للخزينة كمداخيل للدولة مع العلم ان التصريح الضريبي السنوي لكل الأفراد يمتص كل ما بقي من مداخيل أخرى وفق الضريبة على المداخيل إذا كان المتعامل يجني الأرباح في سوق. برزت ظاهرة استنزاف الموارد المالية نحو الخارج. كيف يمكن التحكم في حركة رؤوس الأموال خاصة مع موافقة بنك الجزائر للمتعاملين بالاستثمار في الخارج. وماذا عن دور البنوك الأجنبية في ذلك. لقد تعوّدنا بالنظر إلى حركة رؤوس الأموال نحو الخارج، ونخشى من الخوض فيما ضيّعناه حول مدى استقطاب رؤوس الأموال من الخارج وعلى سبيل المثال قيام المتعاملين الاقتصاديين في التفكير في بناء أبراج سكنية مثل ناطحات السحاب والتي يتراوح كلفة بنائها ما بين 600 مليون دولار أمريكي إلى 2 مليار دولار أمريكي للبرج الواحد، وبالتالي ماذا تعني الملايين التي تنفق مقابل الملايير التي تحّصل، وبالنسبة للمتعاملين الاقتصاديين المعنيين بالترخيص للاستثمار في الخارج وبالنظر إلى ثقل الإجراءات الخاصة بالترخيص إضافة إلى الشروط، فإن عددهم على المدى السنة قد لا يتجاوز عدد أصابع الأيدي، لأنه ليس للجميع القدرة على تحمل نفقات استكشاف الأسواق والتغلغل فيها، على اعتبار أنه لا يتوفر نظام المعلومات، بما يمكن المتعاملين من تفادي هذه التكاليف ويضاف إلى ذلك غياب آليات خاصة بتقييم المخاطرة مثلما تقوم به شركة (coface) الفرنسية و (Ducroire) البلجيكية و (Eximbank) الأمريكية (ICE) الإيطالية مما يصعب المهمة في غياب المرافقة المالية من البنوك الوطنية في الخارج، وما تجدر إليه الإشارة فإن رجال الأعمال وضعوا إفريقيا كأولوية، علما أن للدول المجاورة فروع بنكية في أكثر من 20 دولة من بين 54 دولة إفريقية، وعلى ضوء كل ذلك يمكن القول أنه ليس لدينا القدرة على التأثير بما يكفي لجعل المؤسسات المالية الإفريقية والإسلامية والعربية مثل بنك إفريقيا للتنمية أو البنك الإسلامي للتنمية على الأقل لتأمين وضمان عمليات الاستثمار والتصدير إلى دول إفريقيا وإذا عدنا إلى البنوك الأجنبية المتواجدة في الجزائر للمرافقة فإنها في هذه الحالات ترجع دائما إلى البنك الأم وتكون العملية بتكلفة باهظة.