- الأمن والاستقرار شرطان أساسيان لإنجاح التّنمية ومحاربة الإرهاب من خلال مقاربة شاملة لإشكالية التّمويل - تعميق المسار الدّيمقراطي وإرساء علاقات جديدة بين الدّولة والمواطن مخطّطات الجزائر «الشعب» قدّم د محمد العربي ولد خليفة رئيس المجلس الشّعبي الوطني أمام الجمعية ال 132 للاتحاد البرلمان الدولي بهانوي، مقاربة حول الشّروط الأساسية لترسيخ السّلم، العدالة والتّضامن الاجتماعي، عارضا تجربة الجزائر في مجال البناء الوطني وتسوية النّزاعات بالطّرق السّلمية. «الشعب» تنشر النص الكامل باعتباره وثيقة مرجعية. سيّدي الرّئيس، سيّدي الأمين العام، زملائي الكرام، سيّداتي سادتي، اسمحوا في البداية أن أضمّ صوتي إلى من سبقني على هذا المنبر لأهنّئكم، السيد الرّئيس، على الجهود التي بذلتموها من أجل إنجاح أشغال دورتنا هذه. كما يطيب لي أن أعرب، نيابة عن الوفد البرلماني الجزائري، عن خالص امتناننا وعميق شكرنا لجمهورية الفيتنام، حكومة وشعبا، على ما لقيناه من حفاوة التّرحيب وحسن الضّيافة. إنّ اختيار أهداف التّنمية المستدامة «الانتقال من الأقوال إلى الأفعال» كموضوع رئيسي للنقاش، لمناسبة للتّذكير بأهمية البرلمانات ودورها المحوري المتمثل في إسماع صوت الشعوب وإيصال صدى تطلعاتها، والتأكيد على التزامنا الراسخ بخدمة التنمية. إنّ الوقت الرّاهن وما يحمله من تحديات على المستويين الاجتماعي والإنساني، وكذا الطّابع الشّمولي للصّعوبات وحجم التحديات التي علينا مواجهتها، يشكّل عبئا على عاتقنا في خضم سعينا الدّؤوب نحو إحلال السّلم وإرساء العدالة وتحقيق التضامن الاجتماعي.
أهداف الألفية تحقّقت سيّدي الرّئيس، سيّدي الأمين العام، زملائي الكرام، سيّداتي سادتي، إنّ مناقشة أهداف التنمية المستدامة تعيد إحياء إشكالية التّنمية في بلداننا، فالجزائر قد انضمّت كلية لبرنامج الأهداف الإنمائية للألفية من خلال تسجيل مشاريع ذات أهمية كبرى في تحقيق أغلب تلك الأهداف، خاصة تلك المتعلّقة بالقضاء على الفقر وتعميم التّعليم على الجميع وتعزيز المساواة بين الجنسين في عملية التنمية وتخفيض معدل الوفيات لدى النساء ووفيات الأطفال وحماية البيئة، وهي الأهداف التي تحقّقت بفضل تركيز جهود الدولة على بناء اقتصاد متنوع يكون مصدرا لخلق فرص العمل وتنمية الثروة، واقتصاد قائم على استراتيجية الكفاءة والتّنمية المستدامة الشّاملة والعادلة. وبغية تجسيد عنصر الفعالية في عالم التنمية، عمدت الجزائر إلى تطبيق استراتيجية التنمية البشرية، وذلك من خلال انتهاج سياسات طموحة تشمل ترقية العدالة الاجتماعية والتهيئة العقلانية للعمران، في إطار التسيير الصّارم للموارد ووضع قطاعات الصحة والسكن والبنى التحتية على رأس الأولويات، ودعّمت الدولة هذه المكتسبات باللجوء إلى الاستثمار في النمو الاقتصادي بفضل مختلف المخطّطات الخماسية، التي رصدت لها الدولة ميزانيات ضخمة من أجل بعث وإنجاز برامج التنمية المتتالية من خزينة الدولة: 30 مليار دولار من 2001 إلى 2004 و150 مليار دولار من 2004 إلى 2009. ومن أجل تحقيق تنمية فعّالة، خصّص المخطّط الخماسي 2010 2014 المقدرة قيمته ب 286 مليار دولار ما نسبته 40% للتنمية البشرية، التي تتمثل أهدافها في توفير البنية التحتية وتحسين الخدمة العمومية، وخلق الظروف المواتية لتحقيق رفاهية المواطنين. أما فيما يتعلق بالمخطّط الخماسي 2015 - 2019 الذي يُقدّر غلافه المالي ب 262 مليار دولار، فإنّ الدولة قد جنّدت كل الوسائل الضرورية من أجل تجسيد الأهداف المنشودة، والتي ترمي خصوصا إلى الحد من البطالة وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين. إنّ من أهداف هذه المخطّطات الخماسية، مواصلة جهود عصرنة مؤسسات الدولة، من أجل إرساء علاقات جديدة ما بين الدولة والمواطن، وهو ما يندرج مباشرة في ديناميكية تعميق المسار الديمقراطي النابع من إرادة ترسيخ دولة القانون، في إطار ضمان الحريات العامة وتلبية حاجيات المجتمع. على المستوى الاقليمي، يندرج النهج الجزائري في منظور شامل ومتكامل، يعكس نظرة وأهداف النيباد (الشراكة الجديدة من أجل تنمية افريقيا)، والاسهام في دعم مسارات الاندماج من خلال الآليات الدولية والاقليمية والثنائية. في هذا التوجه، وفي إطار تعزيز وتقوية علاقات التعاون، والمساهمة في تخفيف عبء المديونية، قامت الجزائر بإلغاء ديون 14 دولة افريقية، بلغت قيمتها الاجمالية 902 مليون دولار. كما أنّ الجزائر تساهم بطريقة ملموسة في ترقية الأمن الجماعي في منطقة الساحل، وفي باقي إفريقيا وفي مناطق أخرى من المعمورة من خلال الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي، بانتهاجها واعتمادها للحوار والوساطة للوصول لحلول توافقية شاملة. إصلاح هيئات العلاقة الاقتصادية المالية أولوية سيّدي الرّئيس، سيّدي الأمين العام، زملائي الكرام، سيّداتي سادتي، رغم التغييرات العميقة التي شهدها العالم في العقود الأخيرة، والتقدم في المجال التنموي في العديد من الميادين، فإنّ الدول لازالت تواجه تحديات عسيرة لاستئصال الفقر ورفع مستويات النمو، وهي التحديات التي تفاقمت حدّتها بسبب بيئة اقتصادية عالمية غير ملائمة، ونقص إصلاح هيئات الحكامة الاقتصادية والمالية العالمية ممّا صعّب من جهود مكافحة الهشاشة التي ما فتئت تزداد. تتطلّب هذه الوضعية من جهة، تنسيقا وثيقا لجهود المجموعة الدولية حول المسائل ذات الاهتمام المشترك بغرض تحقيق اتفاق شامل وطموح لدفع عجلة التنمية المستدامة. ومن جهة أخرى، وضع آليات محاربة البؤس والقضاء تدريجيا على الفقر الذي تعاني منه الكثير من المجتمعات عبر العالم. ومن هذا المنطلق، نرى أنّه يجب إدراج عنصري التعاون والتضامن الدوليين في كل المقاربات التي سيتم تبنّيها لما بعد 2015، وهي المقاربات التي تأخذ بعين الاعتبار التعديلات اللازمة لضمان النمو الاقتصادي وحماية البيئة والتنمية الاجتماعية. كما أنّ الأزمة المالية العالمية، أدّت إلى بروز نوع من الميول إلى تخفيض المساعدات العمومية للتنمية، وهو ما ساهم في حرمان الدول الفقيرة من الوسائل التي تضمن لها تمويل مشاريعها التنموية. لذا، نرى أنّه من الضروري إنعاش تلك المساعدات حتى تصبح عنصرا فعالا في دعم التنمية وتحقيق الوثبة الاقتصادية، ولكن من المطلوب ألاّ تضع قيودا وشروطا تعجيزية وغير قابلة للتحقيق. مساهمة في المشاورات حول الأجندة العالمية للتّنمية سيّدي الرّئيس، سيّدي الأمين العام، زملائي الكرام، سيّداتي سادتي، يجدر التذكير في هذا المقام بالمشاركة الفعالة للجزائر في مختلف المشاورات التي دارت بشأن الأجندة العالمية للتنمية لمابعد 2015، فهذه المشاركة تترجم رغبة بلادي في المساهمة البناءة في إثراء النقاش العالمي حول هذه المذكرة. وفي اعتقادنا، يجب وضع نظام مستحدث ومتعدد الأطراف يسمح لجميع الدول بالمشاركة الفعالة في إدارة الشؤون الدولية، وتبنّي استراتيجيات موجّهة نحو توسيع أسس النمو حتى تغدو أكثر صلابة وشمولية ومصدرا لخلق مناصب الشغل، وتعزيز الجهود من أجل تسريع وتيرة التنمية. إنّ تطبيق أي استراتيجية اقتصادية يجب أن يتمّ موازاة مع آلية التنمية البشرية، وتعزيز الخدمات العمومية في مجالات التربية والصحة بهدف رفع القدرات الانتاجية من منظور شامل وعادل. وأخيرا، تنبغي الإشارة إلى أنّه يستحيل تحقيق نمو شامل ما لم يكن قائما على مبدأ التنسيق بين جميع الأطراف المعنية، وذلك من خلال تعزيز آليات المشاركة في إعداد برامج التنمية وتطبيقها ومتابعتها. وبالتالي لا يمكن تجسيد برنامج التنمية لما بعد 2015 بصورة فعلية، إلا إذا تمّ التطرق إلى المسائل المرتبطة بإصلاح هيئات الحكامة الاقتصادية العالمية وتفعيل مشاركة الدول السائرة في طريق النمو في اتخاذ القرارات حتى نستطيع مواجهة التحديات الحالية بالطرق الملائمة. ومن جانب آخر لا يقل أهمية، نعتقد أنّه من الضروري التذكير بأنّه لا وجود لتنمية من دون أمن واستقرار، ولهذا السبب، يبقى الأمن هو الشرط الأساسي لنجاح أي عملية تنموية اقتصادية أو اجتماعية، وهو أساس أي محاولة لتحسين الظروف المعيشية للسكان في مختلف أقطار العالم. إنّنا على قناعة راسخة بأنّ استمرار النّزاعات وأشكال العنف الناجمة عن التهديدات الارهابية والجريمة المنظمة تشكل عائقا حقيقيا أمام جهود التنمية، وأنّ التعامل الأمني من دون إشراك عنصر التنمية ليس بالحل الأمثل. يجب أن لا ندير ظهورنا لهذا الوضع الذي يتطلب منّا تعهدا دوليا وتضافرا لجهود الجميع من أجل محاربة الارهاب بكل ما أوتينا من قوة، وذلك من خلال تبني مقاربة شاملة لإشكالية تمويل الارهاب. ومن جهة أخرى، ووفاءً لسياستنا الثابتة القائمة على دعم حركات التحرر وانهاء الاستعمار، وكذا لمبدأ تقرير مصير الشعوب، فإنّنا نرى أنّ تطبيق المبدأ الديموقراطي القاضي بحق الشعوب في تقرير مصيرها سيسمح لا محالة بضمان حقوق الشعوب وديمومة السلم في بلدانها، لأنّ السّلام حينذاك سيكون قائما على أسس صلبة، وسواء تعلق الأمر بفلسطين أو بالصحراء الغربية، فإنّ تقرير المصير هو الحل الحقيقي والعادل.
الحكم الرّاشد عصب البرلمانات سيّدي الرّئيس، سيّدي الأمين العام، زملائي الكرام، سيّداتي سادتي، إنّ الحكم الرّاشد، شرط أساسي لتحقيق تنمية حقيقية شاملة من خلال هيئات تتمتع بصلاحيات رقابية واسعة، هيئات نحن بحاجة إليها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والمساهمة في التنمية الاجتماعية والبشرية بشكل عام. كما يستلزم الأمر وجود برلمانات قوية، قادرة على المساهمة فعليا في التوزيع العادل للمال العام، وقادرة على محاسبة ومراقبة الحكومات في تنفيذ المشاريع والسياسات التنموية، وإنفاق الأموال المخصصة للتنمية. تلكم هي مجمل الأفكار التي أردت مشاركتكم إياها في هذا النّقاش، الذي يشكّل بحق لحظة حاسمة نستفيد خلالها من تبادل خبراتنا وتجاربنا. أتمنّى كل التّوفيق والنّجاح لهذه الأشغال. وشكرا.