دعا رئيس المجلس الشعبي الوطني، محمد العربي ولد خليفة، إلى وضع نظام متعدد الأطراف يسمح لجميع الدول بالمشاركة الفعالة في إدارة الشؤون الدولية، ويرى أن الحكم الراشد شرط أساسي لتحقيق تنمية حقيقية شاملة من خلال هيئات تتمتع بصلاحيات رقابية واسعة، مستعرضا تجربة الجزائر في تحقيق التنمية، ولتحقيق ذلك أكد ولد خليفة إلزامية وجود برلمانات قوية، قادرة على المساهمة فعليا في التوزيع العادل للمال العام، وقادرة على محاسبة ومراقبة الحكومات في تنفيذ المشاريع والسياسات التنموية وإنفاق الأموال المخصصة للتنمية. قال محمد العربي ولد خليفة إنّ الوقت الراهن وما يحمله من تحديات على المستويين الاجتماعي والإنساني وكذا الطابع الشمولي للصعوبات وحجم التحديات التي علينا مواجهتها، يشكل عبئا على عاتقنا في خضم سعينا الدؤوب نحو إحلال السلم وإرساء العدالة وتحقيق التضامن الاجتماعي، مشيرا إلى إنّ مناقشة أهداف التنمية المستدامة تعيد إحياء إشكالية التنمية في بلداننا. وأوضح رئيس المجلس لدى تدخله أثناء مناقشة موضوع »أهداف التنمية المستدامة: الانتقال من الأقوال إلى الأفعال« أمام الجمعية 132 للاتحاد البرلماني الدولي بهانوي، أن الجزائر قد انضمت كلية لبرنامج الأهداف الإنمائية للألفية من خلال تسجيل مشاريع ذات أهمية كبرى في تحقيق أغلب تلك الأهداف، خاصة تلك المتعلقة بالقضاء على الفقر وتعميم التعليم على الجميع وتعزيز المساواة بين الجنسين في عملية التنمية وتخفيض معدل الوفيات لدى النساء ووفيات الأطفال وحماية البيئة، وهي الأهداف التي تحققت بفضل تركيز جهود الدولة على بناء اقتصاد متنوع يكون مصدرا لخلق فرص العمل وتنمية الثروة، واقتصاد قائم على إستراتيجية الكفاءة والتنمية المستدامة الشاملة والعادلة. وبغية تجسيد عنصر الفعالية في عالم التنمية، لفت ولد خليفة الانتباه إلى أن الجزائر اتجهت إلى تطبيق إستراتيجية التنمية البشرية وذلك من خلال انتهاج سياسات طموحة تشمل ترقية العدالة الاجتماعية والتهيئة العقلانية للعمران في إطار التسيير الصارم للموارد ووضع قطاعات الصحة والسكن والبنى التحتية على رأس الأولويات. إضافة إلى ذلك أوضح بأن الدولة دعّمت هذه المكتسبات باللجوء إلى الاستثمار في النمو الاقتصادي بفضل مختلف المخططات الخماسية التي رصدت لها الدولة ميزانيات ضخمة من أجل بعث وانجاز برامج التنمية المتتالية من خزينة الدولة: 30 مليار دولار من 2001 إلى 2004 و150 مليار دولار من 2004 إلى 2009. ومن أجل تحقيق تنمية فعالة، كشف ولد خليفة عن الأرقام المتعلقة بهذا الجانب، حيث خصص المخطط الخماسي 2010-2014 المقدرة قيمته ب 286 مليار دولار ما نسبته 40 بالمائة للتنمية البشرية التي تتمثل أهدافها في توفير البنية التحتية وتحسين الخدمة العمومية وخلق الظروف المواتية لتحقيق رفاهية المواطنين. أما فيما يتعلق بالمخطط الخماسي 2015- 2019 الذي يُقدّر غلافه المالي ب 262 مليار دولار، أبرز رئيس المجلس الشعبي الوطني تجنيد الدولة كل الوسائل الضرورية من أجل تجسيد الأهداف المنشودة، والتي ترمي خصوصا إلى الحد من البطالة وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين. وعدّد ولد خليفة جملة من أهداف هذه المخططات الخماسية، والتي حصرها في مواصلة جهود عصرنة مؤسسات الدولة، من أجل إرساء علاقات جديدة ما بين الدولة والمواطن، وهو ما يندرج حسبه مباشرة في ديناميكية تعميق المسار الديمقراطي النابع من إرادة ترسيخ دولة القانون، في إطار ضمان الحريات العامة وتلبية حاجيات المجتمع. أما فيما يخص المستوى الإقليمي، فان النهج الجزائري حسب ولد خليفة يندرج في منظور شامل ومتكامل، يعكس نظرة وأهداف النيباد، والإسهام في دعم مسارات الاندماج من خلال الآليات الدولية والإقليمية والثنائية. وتطرّق ولد خليفة إلى إسهامات الجزائر في ترقية الأمن الجماعي في منطقة الساحل وفي باقي إفريقيا وفي مناطق أخرى من المعمورة، وذلك من خلال انتهاجها واعتمادها للحوار والوساطة للوصول لحلول توافقية شاملة، وفي إطار تعزيز وتقوية علاقات التعاون، والمساهمة في تخفيف عبء المديونية، قامت الجزائر بإلغاء ديون 14 دولة افريقية، بلغت قيمتها الإجمالية 902 مليون دولار. وتحدث محمد العربي ولد خليفة عن التغييرات العميقة التي شهدها العالم في العقود الأخيرة والتقدم في المجال التنموي في العديد من الميادين، حيث يرى أن الدول لازالت تواجه تحديات عسيرة لاستئصال الفقر ورفع مستويات النمو، وهي التحديات التي تفاقمت حدّتها بسبب بيئة اقتصادية عالمية غير ملائمة ونقص إصلاح هيئات الحكامة الاقتصادية والمالية العالمية ممّا صعّب من جهود مكافحة الهشاشة التي ما فتئت تزداد. تتطلب هذه الوضعية وفق التحليل الذي قدمه، تنسيقا وثيقا لجهود المجموعة الدولية حول المسائل ذات الاهتمام المشترك بغرض تحقيق اتفاق شامل وطموح لدفع عجلة التنمية المستدامة من جهة، وضع آليات محاربة البؤس والقضاء تدريجيا على الفقر الذي تعاني منه الكثير من المجتمعات عبر العالم من جهة أخرى . ومن هذا المنطلق، دعا ولد خليفة إلى إدراج عنصري التعاون والتضامن الدوليين في كل المقاربات التي سيتم تبينها لما بعد 2015، وهي المقاربات التي تأخذ بعين الاعتبار التعديلات اللازمة لضمان النمو الاقتصادي وحماية البيئة والتنمية الاجتماعية. وفيما يتعلق بالشأن الاقتصادي، أشار ولد خليفة إلى أن »نقص إصلاح هيئات الحكامة الاقتصادية والمالية العالمية صعب من جهود مكافحة الهشاشة«، داعيا إلى » تنسيق جهود المجموعة الدولية لدفع عجلة التنمية المستدامة ووضع آليات لمحاربة البؤس والقضاء تدريجيا على الفقر الذي تعاني منه الكثير من المجتمعات عبر العالم«. وذكّر ولد خليفة بالمشاركة الفعالة للجزائر في مختلف المشاورات التي دارت بشأن الأجندة العالمية للتنمية لما بعد 2015، مشيرا إلى أن هذه المشاركة تترجم رغبة الجزائر في المساهمة البناءة في إثراء النقاش العالمي حول هذه المذكرة، مؤكدا وجوب وضع نظام مستحدث ومتعدد الأطراف يسمح لجميع الدول بالمشاركة الفعالة في إدارة الشؤون الدولية وتبني استراتيجيات موجّهة نحو توسيع أسس النمو . وعلى هذا الأساس نبه المسؤول إلى أنه لا يمكن تجسيد برنامج التنمية لما بعد 2015 بصورة فعلية إلا إذا تمّ التطرق إلى المسائل المرتبطة بإصلاح هيئات الحكامة الاقتصادية العالمية وتفعيل مشاركة الدول السائرة في طريق النمو في اتخاذ القرارات حتى نستطيع مواجهة التحديات الحالية بالطرق الملائمة، حسب تصريح ولد خليفة . وبناء على الطرح الذي قدمه رئيس المجلس الشعبي الوطني فانه من الضروري التذكير بأنّه لا وجود لتنمية من دون أمن واستقرار، وعلى هذا الأساس يرى أن الأمن هو الشرط الأساسي لنجاح أي عملية تنموية اقتصادية أو اجتماعية، وهو أساس أي محاولة لتحسين الظروف المعيشية للسكان في مختلف أقطار العالم . وأبرز الرجل الثالث في الدولة قناعة الجزائر بأنّ استمرار النزاعات وأشكال العنف الناجمة عن التهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة تشكل عائقا حقيقيا أمام جهود التنمية، ملفتا إلى أنّ التعامل الأمني من دون إشراك عنصر التنمية ليس بالحل الأمثل، حيث يجب وفق المنظور الذي قدمه ولد خليفة » أن لا ندير ظهورنا لهذا الوضع الذي يتطلب منا تعهدا دوليا وتضافرا لجهود الجميع من أجل محاربة الإرهاب بكل ما أوتينا من قوة وذلك من خلال تبني مقاربة شاملة لإشكالية تمويل الإرهاب«. وذكر رئيس الغرفة السفلى أنه بناء على السياسية الثابتة للجزائر والتي تقوم على دعم حركات التحرر وإنهاء الاستعمار وكذا لمبدأ تقرير مصير الشعوب، فإننا »نرى أنّ تطبيق المبدأ الديمقراطي القاضي بحق الشعوب في تقرير مصيرها سيسمح لا محالة بضمان حقوق الشعوب وديمومة السلم في بلدانها«، حيث يعتبر السلام حينذاك قائما على أسس صلبة وسواء تعلق الأمر بفلسطين أو بالصحراء الغربية فإنّ تقرير المصير هو الحل الحقيقي والعادل، وفق تعبيره .
ويرى ولد خليفة أن الحكم الراشد شرط أساسي لتحقيق تنمية حقيقية شاملة من خلال هيئات تتمتع بصلاحيات رقابية واسعة،هيئات نحن بحاجة إليها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والمساهمة في التنمية الاجتماعية والبشرية بشكل عام«، وأضاف إلى ذلك إلزامية وجود برلمانات قوية، قادرة على المساهمة فعليا في التوزيع العادل للمال العام، وقادرة على محاسبة ومراقبة الحكومات في تنفيذ المشاريع والسياسات التنموية وإنفاق الأموال المخصصة للتنمية.