وضعت قمة الهند-إفريقيا، التي انطلقت أمس، بالعاصمة نيودلهي، في أجندتها إستراتيجية شراكة اقتصادية مربحة للطرفين. القمة تراهن على تعزيز فرص الاستثمار المباشرة وتوسيع مجالاتها بتوفير الآليات المناسبة، وتعلق على القمة آمالا كبيرة في أن تتوج بقرارات تضخ نفسا جديدا في التعاون جنوب-جنوب. وصل رؤساء دول وحكومات البلدان الإفريقية، تباعا إلى الهند، والمناسبة:» منتدى الهند وإفريقيا»، في طبعته الثالثة. ولن يخوضوا مع قادة هذا البلد في أمور السياسة إلا ما تعلق بالماضي والتاريخ المشترك، فالمنتدى اقتصادي محض، يخصص لمناقشة تفاصيل شراكة جديدة تساعد الهند في تعزيز مكانته ضمن أقوى اقتصادات العالم، وتساهم في تنمية القارة الإفريقية. القمة انطلقت أمس، بالعاصمة نيودلهي، في وقت كان مقررا أن تنعقد شهر ديسمبر من العام الماضي، لكن انتشار وباء الإيبولا في بلدان غرب إفريقيا، أدى إلى تأجيلها وسمح للحكومة الهندية بالتحضير الجيد لها، وبوشرت الأشغال باجتماع لوزراء الخارجية. وتتواصل العروض والنقاشات إلى غاية الخميس، حيث ستتوج بتوصيات وقرارات تتمحور كلها حول إستراتيجية مناسبة للرقي بالتعاون الاقتصادي الثنائي، تماشيا وشعار الدورة الداعي إلى «الفخر، الشجاعة والإقدام والاستعداد للمستقبل واغتنام الفرص». اللافت للانتباه في المنتدى الاقتصادي الهندي-الإفريقي، حضور جميع البلدان الإفريقية بتمثيل على أعلى مستوى، الأمر الذي سيعطيه دون شك أهمية واهتماما أكبر، ويزيد من احتمالات الخروج بمقترحات مفيدة للجانبين وخاصة للشعوب الإفريقية التواقة إلى حياة أفضل. المتابعون والمهتمون بالشأن الإفريقي، يتساءلون عما تريده الهند بالضبط من القارة السمراء؟ وما إذا كانت قادرة على وضع بصمة مختلفة عن الحضور الصيني أو الأوروبي والأمريكي بها؟ وما هي أسس الشراكة الجديدة؟ وفي السياق، ترشح التقارير الصادرة عن الهيئات والمعاهد الدولية المتخصصة، أن تحقق الهند أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم خلال السنوات الثمانية المقبلة، بمعدل نمو متوسط قدره 7.9 بالمائة، ما يعني أنه قد يصبح من أعظم الاقتصاديات العالمية إذا أخذت الخطط الإنتاجية والتجارية منحاها التصاعدي كما هو عليه الحال الآن، مستغلة تراجع اقتصاد الشريك في مجموعة «البريكس» والمنافس لها في إفريقيا، الصين. الهند القوة الاقتصادية ال13 عالميا، بحاجة ماسة إلى موارد طبيعية تأتيها من الخارج، حيث تستورد 80 بالمائة من احتياجاتها الطاقوية. هي بحاجة أيضا إلى استثمار رؤوس أموال شركاتها في الدول الأجنبية. حاليا يؤدي القطاع الخاص الهندي هذه المهمة بنجاح في عدة دول إفريقية وفي مختلف المجالات (الصناعة، التكنولوجيات والخدمات). وبالتالي، فإن هذا البلد الذي يشتغل في صمت تهمه الموارد الأولوية الإفريقية لتحريك عجلة إنتاجه من الداخل، لكن الاستفادة منها لن تكون على شاكلة القوى الاستعمارية القديمة، بل من خلال إيجاد الأطر المناسبة لجميع الأطراف، فلا شك أن ماضيه مع الاستعمار الإنجليزي والعنصرية المشابه لماضي دول إفريقيا، سيضع الفائدة المشتركة فوق كل اعتبار على حد أراء أهل الاختصاص والمتتبعين للشأن الهندي. في المقابل، يشكل مناخ الأعمال السائد في معظم البلدان الإفريقية، فرصة ثمينة للشركات الهندية التي أجرت غالبيتها عدة إصلاحات اقتصادية وضعت المؤسسة والقطاع الخاص في قلب الإستراتيجية التنموية مع تقديم تسهيلات جد مغرية للمستثمرين الأجانب، وما عليها إلا المبادرة والإقدام قصد ضمان موطأ قدم في ظل المنافسة الشرسة مع والولايات المتحدةالأمريكية وأوروبا. وأمام كثرة العروض والتهافت الدولي على إفريقيا وما توفره من فرص استثمارية عديدة، ليس على الهند سوى اتخاذ التدابير التي تسمح لها بتقليص الفارق الشاسع مع الصين، حيث تقدر مبادلات بكين مع الأفارقة ب 200 مليار دولار، بينما سجلت المبدلات الهندية الإفريقية 70 مليار دولار العام الماضي. بالنسبة للبلدان الأفريقية، تعتبر التنمية المتكاملة هدفا رئيسيا بحيث لم يعد الأمر متوقفا على مشاريع البنى التحتية من طرق وخطوط سكك حديدية، ويتعداه اليوم إلى الصناعة والقطاعات الإنتاجية، وطي صفحة بيع المواد الأولية بأثمان بخسة وإعادة شرائها محولة بأسعار باهظة، وهنا يمكن للهند أن يساهم في تحويل الخبرة والتكنولوجيات والخدمات وتمنح الإضافة المرجوة.