تنطلق اليوم بالعاصمة الهندية، نيو دلهي أشغال القمة الهندية الإفريقية بمشاركة أربعين رئيس دولة وحكومة، يبحثون طيلة أربعة أيام فرص الشراكة والتعاون الثنائي بين قوة اقتصادية صاعدة ودول إفريقية تواقة لأن تنوع تعاونها مع مختلف القوى الاقتصادية في العالم. وقررت السلطات الهندية تنظيم هذه القمة الاقتصادية سنويا بالنظر إلى الأهمية التي أصبحت تكتسيها القارة الإفريقية في حسابات القوى الكبرى كعمق استراتيجي لها وبابا لاستثمارات واعدة في مختلف المجالات الاقتصادية وكونها أيضا مصدر لا يمكن الاستغناء عنه في التزود بمختلف المواد الطبيعية سواء الداخلة في الصناعات التقليدية أو تلك التي تدخل في التكنولوجيات الدقيقة المعروفة ب«نانو تكنولوجي". وتفطنت الهند كما هو الشأن بالنسبة للصين واليابان لأهمية القارة الإفريقية، وهو ما جعلها توجه اهتمامها باتجاهها وراحت تنظم قمما سنوية تجدد من خلالها تلك والرغبة في مساعدة الدول الإفريقية اقتصاديا من خلال مشاريع استثمارية اجتماعية وفق مبدأ "رابح رابح". وإذا كانت الصين أول قوة آسيوية اقتحمت الفضاء الإفريقي وكسرت هيمنة الدول الاستعمارية السابقة وتمكنت بفضل ذلك حتى في منافسة الولاياتالمتحدة، فإن الهند لم تشأ البقاء على هامش هذا التنافس الخفي من خلال البحث عن مشاريع استثمارية ضخمة ضمن خطة بعيدة المدى لاحتلال موطأ قدم لشركاتها في مختلف الدول الإفريقية. ولم تعد أيا من الدول الإفريقية صغيرة كانت أوكبيرة، فقيرة أو غنية لا تحظى بهذا الاهتمام الدولي بالنظر إلى الخيرات الطبيعية التي يختزنها باطن أراضيها سواء من حيث استغلال خيراتها أو من حيث حاجتها لمشاريع استثمارية تخرجها من دائرة الفقر الذي أصبح صورة نمطية لشعوبها. وإذا كانت الصين تمكنت من تحقيق بون شاسع بينها وبين منافستها الجديدة في القارة الآسيوية في مجال تواجدها وحجم مبادلاتها التجارية مع مجموع دول القارة الإفريقية التي فاقت عتبة 200 مليار دولار العام الماضي، فإن نيو دلهي لم تفقد الأمل في تقليص هذه الهوة من خلال تبنيها لاستراتيجية واقعية استمدت خطوطها العريضة من التجربة الصينية التي حققت نتائج أكثر من إيجابية في وقت قياسي. وهو ما تطمح إليه قمة اليوم التي تعد أكبر ملتقى لقادة أربعين دولة أجنبية يلتقون في الهند منذ 1983 وهو رقم يعكس درجة الاهتمام الذي أصبحت توليه هذه الدولة لمسألة تعزيز تواجدها في قارة لها علاقات تاريخية وطيدة معها اكتسبتها من قربها الجغرافي طيلة قرون وخلال سنوات حروب التحرير والدعم الذي كانت تقدمه نيو دلهي لمختلف الدول الخاضعة للاستعمار الأوروبي. وهو ما ترجمه المنحنى الذي عرفته المبادلات التجارية بين هذه الدولة القارة ومختلف الدول الإفريقية من حجم مبادلات لم يتعد 3 مليار دولار سنة 2000 إلى أكثر من 70 مليار دولار العام الماضي، وهي قفزة عملاقة على خط السباق مع الصين والدول الغربية الأخرى وبحجم استثمارات مباشرة قدرت بحوالي 30 مليار دولار وشملت كل القطاعات الصناعية والزراعية والاتصالات. ويذكر أن الهند التي تستورد قرابة 80 بالمئة من حاجياتها النفطية تريد تحويل وجهتها من مصادرها التقليدية في دول الشرق الأوسط إلى دول نفطية إفريقية مثل أنغولا ونيجيريا، تفاديا لأي هزات قد تعرفها الدول النفطية في المنطقة العربية، بالإضافة إلى المعادن الطبيعية من حديد ومعادن مختلفة وأحجار كريمة ومواد كيماوية. وحسب خبراء هنود مختصين في العلاقات الهندية الإفريقية، فإن الحكومات الهندية المتعاقبة لم تول ذلك الاهتمام لاستثماراتها التي بقيت منحصرة في مبادرات شخصية لمتعاملين هنود، بينما تلقي الحكومة الصينية بكل ثقلها المالي والدبلوماسي من أجل الظفر بأكبر المشاريع الاستثمارية في كل مناطق الإفريقية دون استثناء وهو ما كرس الهوة بين ما تستثمره بكين والذي بلغ حسب بعض الإحصائيات قرابة 180 مليار دولار، بينما لم تستثمر الهند سوى 30 مليار دولار. ويضيف هؤلاء أن الصين تستخدم الدبلوماسية لتحقيق مشاريع اقتصادية من خلال زيارات مسؤوليها السامين إلى مختلف البلدان الإفريقية، بينما لم يقم الوزير الأول الهندي ناراندرا مودي بأي زيارة رسمية إلى دول القارة الإفريقية باستثناء دولتي السيشل وجزر موريس.