اعتبر الرائد لخضر بورقعة الضابط في جيش التحرير بالولاية الرابعة التاريخية، أن أول نوفمبر 1954 بمثابة شهادة ميلاده الحقيقية، بحكم أن الاستقلال بالنسبة له كان حلما مستحيلا لأنهم يواجهون أقوى دولة آنذاك بما تتوفر عليه من ترسانة عسكرية كبيرة، مضيفا في حوار خص به «الشعب» أن مؤتمر الصومام المنقذ والمتنفس لحرب التحرير الوطني، كونه قسم الولايات ونظم الجيش، لكنه استطرد قائلا:»النقطة السوداء فيه هو غياب آلية للتنسيق ما بين الولايات التاريخية»، مشيرا إلى أنه بسبب موقف مصالي ضيعنا 80 بالمائة من مجموع الشهداء. «الشعب»: هل يمكن أن تحدثنا عن عشية اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 ومشاركتك فيها؟ لخضر بورقعة: في 1 نوفمبر 1954 كنا في بريانسو نؤدي الخدمة العسكرية سمعنا باندلاع الثورة، وأخبرونا عبر رسائل، ومدربنا اللبناني المسيحي الرائد حكيم، هو من أخبرنا ب1 نوفمبر 1954، كنا نائمين وقام بإيقاظنا ظننا في البداية أنها خدعة، لم نصدقه، بعدها إكتشفنا أنه يتعاطف مع الثورة الجزائرية، عندما نذهب إلى ساحة التدريب على الرماية، كنا نتعمد أن لا نصيب الهدف كي لا يأخذوننا إلى الحرب الصينية، اتفقنا على عدم إصابة الهدف، هو كان ينصحنا بعدم القيام بذلك لأنها في صالحنا ونستخدمها فيما بعد، ونحن لم نفهم ما كان يقصد، قال لنا حين كنت أخبركم بأول نوفمبر لم تصدقون فدبروا أحوالكم. ومدة فيما بعد أحضرونا إلى مراكش كنا 11 جنديا، علي خوجة مصطفى، جمعي من عين البيضاء، مشماش عبد القادر وشرشال ميمون، شريف الربيع من الأربعاء، مصطفى لكحل من عين البيضاء، وآخر من القليعة دخلنا إلى الجزائر وفيما بعد التقينا في الجبل، كنا قناصة الجبال، منهم اثنين التقينا في معركة كبيرة اسمها موقورنوا، استشهدوا جميعا وبقي واحد فقط حيا، كنا مدربين وهناك الكثير من الجزائريين الذين كانوا في الخدمة العسكرية الإجبارية وإلتحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني، قبل مؤتمر الصومام. هناك من أخذوهم إلى تونس وأنا وأصدقائي أخذونا إلى صحراء مراكش، تدربنا قليلا ثم دخلنا إلى الجزائر وتم تسليحنا هناك، حتى التقينا في الجبل لا أتذكر التاريخ بالضبط، كان معنا أحدهم يدعى شريف الربيع من الأربعاء، مشماش عبد القادر ومداس التقينا في نواحي منطقتنا بالمدية، ومصطفى جمعي، كنا جنودا في المعركة كل واحد في ولايته. وفيما يتعلق بقضية ملوزة التي أسالت الكثير من الحبر، هل من توضيحات؟ حدث أسال الكثير من الحبر، فرنسا لم تكن بعيدة عن الدسائس سكان ملوزة في الأصل كانوا مصاليين، بعدها جاء بلونيس تمركز هناك كانوا يتعاطفون مع المصاليين، لكن فيما بعد لما أصبح المشكل بين جبهة التحرير والمصاليين وقعت معارك، المصاليين بالنسبة لنا في عمري كانوا يفوقوننا تجربة وتكوينا ودهاءً، صعدوا إلى الجبل كانت حركة مسلحة وهم أقوى منا في بعض الجهات خاصة في الوسط، كنا حين نشتبك معهم ونمسك الأسرى لا نعرف التحدث معهم يعجزوننا لأنهم كانوا قدماء في الحركة الوطنية لكن للأسف انقلبوا على الثورة، مصالي الحاج ما له وما عليه، ببساطة رفض التغيير شباب الذي فجروا الثورة، النقطة السوداء هو انقلابه على الثورة لو قال فقط أنا لست مسؤولا، بقوا يكافحون فينا حتى أفريل 1962، ولدينا شهداء، في فرنسا عانى المناضلون منهم أعتقد أن موقف مصالي الحاج زاد للثورة حوالي عامين، وضيعنا حسب الإحصائيات 80 من المائة من مجموع الشهداء. ماذا يمثل بالنسبة لك بيان أول نوفمبر 1954؟ 1 نوفمبر 1954 يمثل لي شهادة ميلادي وليس 1933 لأن كنا نرى أنفسنا غير موجودين ومستحيل مواجهة العدو أشعر أنني ولدت في 1 نوفمبر 1954. نرى اليوم شبابنا يجهل تاريخه في اعتقادك مسؤولية من؟ مسؤولية الجميع خاصة الطبقة المثقفة من المؤرخين والإعلاميين الذين يهتمون بالأحداث الكبرى فقط وهي معروفة كأول نوفمبر الحركة الوطنية اجتماع 22 أكتوبر 1954، اجتماع الست، مؤتمر الصومام ولكن أهملوا الأهم في التاريخ وهي التفاصيل في كل ولاية تاريخية أو منطقة هناك أحداث لا توجد في الثورات الأخرى، بقي التاريخ مرمي في القرى والجبال وحلاوة التاريخ هي التفاصيل، مثل فكتور هيقو، وعائلة تنردي الذين دعموا الثورة، كل ثورة وكل الشعب له أحداث لا تشبه الأخرى، وعندما نذكر الثورة من جانب الانتقاد الذاتي، مثلا حين نتحدث عن جرائم فرنسا رأينا أن المرأة حين يبدأ الطيران يقنبل وابنها على كتفها هي تستشهد وابنها يبقى يرضع فيها 24 ساعة هذه التفاصيل لها معناها في التاريخ للأجيال. لا توجد أحداث كبرى دون أحداث تفصيلية حين نتحدث عن اجتماع الستة يجب أن نبدأ من اجتماع 22. نلاحظ صدور العديد من المذكرات التاريخية والكتب هل هي صحيحة؟ المذكرات الشخصية ليس تاريخ، حين تدخل الذاتية تصبح غير مهمة ونحن نحكي عن قضية شعب وأمة، الشخص هو حصيلة لمجموعة من الحوادث في التاريخ حين يركز الكاتب على ما قام به وعلى صراعاته مع بعض المناضلين هذا لا نعتبره تأريخا، بعض التفاصيل يذكرها باحتشام لان هناك تصفية حسابات، الباحث يبحث عن الحقيقة ويضع توازن ما بين شخصيات الثورة. هذه الأخيرة هي ثورة بطولات ومعجزات وتضحيات لكنها لم تخلو من بعض الشوائب والثغرات حتى لا نقول غلطات، يجب الحديث عنها، لنحذر مستقبلا. وأشير هنا إلى أن انشغالنا ببعض الخلافات جعلتنا نفوت فرصة كتابة تاريخ حرب التحرير الوطني. لكن هناك بعض المؤرخين يقولون أنه لو نذكر بعض الأحداث السلبية تؤثر على الشباب ويصبح يشكك في الثورة؟ نذكر بعض العثرات لكن من جانب الانتقاد الذاتي ولا نحمل المسؤولية لشخص واحد، هناك أحداث كبيرة مثل قضية لابلويت، كان البعض يدعي أن الشهيد عميروش كان يقتل المثقفين و هذا خطأ لان فرنسا هي من زرعت الفتنة، عميروش كان في الجبل، ولا تنسوا أننا كنا نواجه دولة عظمى ونحن بدأنا من الصفر، ولهذا العدو تفوق علينا في جانب المخابرات والدعاية المغرضة بحكم أنه يملك إمكانيات كبيرة . بعد نصف قرن من الصعب سرد كل الأحداث. وماذا يمثل لك مؤتمر الصومام؟ مؤتمر الصومام هو من أنقذنا وأعطانا دافعا للثورة، وأنا لا أعتبره مؤتمرا بل اجتماعا لمجموعة من المناضلين ذاقت بهم السبل، وقاموا بإعداد وثيقة وسرنا عليها لغاية إمضاء اتفاقيات إيفيان، هي وثيقة مهمة، لما رأينا برنامجها شعرنا بالاستقلال، في سبتمبر1956 من قبل لم يكن لنا شيء كل وذكاؤه هناك من انتقدها وهم كانوا أساسين في الثورة، مؤتمر الصومام قدم الآليات ونظم الجيش ودستور الثورة، النقطة السوداء في مؤتمر الصومام هو غياب آلية للتنسيق ما بين الولايات التاريخية لتطبيق البرنامج، مما أدى إلى حدوث مشاكل في الولايات الداخلية لان كل ولاية كانت حرة وليس لها دخل في الولاية لا بالإيجاب ولا السلب وحتى التعاون بيننا لم يكن إجباريا، وهذا أمر مهم لأنه لا توجد قيادة تنسق ما بين الولايات، القيادة التي كانت تنسق كان ذلك عبر المراسلة، وأكرر أن مؤتمر الصومام انتشلنا من قاعة البئر وبعد مشاهدة برنامجه أحسسنا بالاستقلال. هل تعتقد أن الشق الثاني من بيان أول نوفمبر 1954 المتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية طبق؟ مرحلة الاستقلال مرحلة أخرى، أنا أفضل أن لا أقول كل شئ، بعض التاريخ ينبغي تلقينه بالتدريج لفائدة الشباب. ماذا تقول بالنسبة لبعض الأوروبيين الذين ساعدوا الثورة وللأسف بقي البعض منهم مجهولا؟ هناك الكثيرين من الأوروبيين الذين قدموا لنا الدعم، وهناك من تعاطف مع ثورتنا ربما بخلفيات ولا ننكر ما قاموا به، أتذكر حين قمنا بالتقسيم الإداري في 1962 لم نجد مكانا أمنا للاجتماع سوى عند أوروبي الذي اجتمعنا في منزله بالبليدة وكل قادة الساحل بالجزائر حضروا، لكن للأسف المرسوم الصادر سنة 1962 لم يعط الاعتراف للأوروبيين وهذا اعتبره عدم الوفاء للذين ساعدونا.