ثورة نوفمبر عظيمة ونخشى تقزيمها المواجهات المسلحة استمرت مع المصاليين إلى غاية 1958 حادثة ملوزة والاقتتال الداخلي.. أخطاء في التقدير يشدّد المجاهد المعروف “الأخضر بورقعة” على أنّ مؤتمر الصومام كان أشبه بجرعة أوكسجين، مشككا في صدقية أولئك الذين طعنوا في اللقاء المنعقد قبل 56 عاما، قائلا إنّ من تحاملوا على مؤتمر الصومام لهم حسابات سياسية شخصية ضيقة. وفي هذا الحوار الذي خصّ به “السلام”، يروي بورقعة أحد قادة الولاية الرابعة التاريخية كيف أن الحركة المناوئة التي قادها المصاليون ضد جيش التحرير ساهمت في تأخير الثورة لسنوات، معتبرا أن مصالي الحاج ارتد كونه رفض التغيير، في حين اعتبر أن أحداث ملوزة وبني ولمان لم تكن تصفية حسابات وإنما كانت عبارة عن أخطاء في التقدير، على حد تعبيره. كأحد صانعي الثورة وقادتها بعد مرور 54 سنة عن اندلاع الثورة التحريرية، أما زالت نظرتكم هي ذاتها عما كانت عليه في السابق؟ الثورة شأنها شأن الكائنات الحية لا يمكنها العيش إلا إذا تكيفت مع المحيط الذي تعيش فيه، وكان للثورة الجزائرية عالمين: ضفة البؤس والفقر والحرمان بمقابل ضفة الأمل والحياة والكرامة والاستفادة المشروعة من خيرات البلاد، لما نتكلم عن الثورة من المنبر السياسي نسمع أن الشعب الجزائري قام كرجل واحد، هذا كذب، ربما البعض بمناسب أول نوفمبر يقول أنه لا يجب أن يقال مثل هذا الكلام، لا.. التاريخ يجب أن يُكتب كما هو، وعندما نقول أن الثورة لم تكن في متناول الجميع والشعب لم يقم كرجل واحد لا يعني أن الشعب كان يحب فرنسا. نفهم أن نظرتكم للأمور قد تغيرت.. أجل، لقد أخفقنا بعد الاستقلال في إيجاد القوة التي تحمي عقيدة الثورة .. الثورة بدأت عظيمة ونخشى أنها بدأت تتقزم .. الدول الخارجية لم تكن لتمد يدها أبدا للدبلوماسية بالرغم مما قدمته من إسماع صوت الثورة إلى الخارج، لولا القوة الداخلية للثورة التي أبانت عليها ميدانيا، فالداخل الداعم الأساسي للخارج وليس العكس.. والثورة في بدايتها كانت مبهمة وتسودها الضبابية عند البعض، كما ظهرت حركات مناوئة للثورة هنا وهناك وخاصة في قلب البلد، وإذا قمنا بجرد منطقي لتاريخ الثورة نجد أنها قد أضافت ثلاث سنوات في عمرها. هذه الحركات المناوئة هل التحقت بالثورة فيما بعد ؟ - سآتي إلى ذكرها، في أوت 1956 أو ما سمي بمؤتمر الصومام ، وأنا لا أسميه مؤتمر، بل أسميه لقاء القادة الذين ضاقت بهم السبل لانعدام الوسائل، وذلك لأنّ لقاء الصومام لم يكن بمعيار المؤتمر الذي يمثل جميع الأطراف وذلك لظروف قاهرة، والوثيقة التي تمخضت عنه كانت أشبه بجرعة أوكسجين، لأنّ بيان نوفمبر كان عاما ولم يحدد وسائل وبرنامج العمل الثوري، ولذلك فإنّ بعض رواد بيان نوفمبر رأوا في وثيقة الصومام انقلابا، والتركيز تم دائما على شخص عبان رمضان الذي كان في السجن ولم يشارك في صياغة بيان أول نوفمبر، وأتساءل هنا لماذا حصل التركيز على عبان ؟ لماذا لا نتكلم على الآخرين .. العربي بن مهيدي- كريم بلقاسم وغيرهما، السؤال الذي يُطرح بحدة وليست له إجابة، هو هل الجماعة التي كانت مع عبان رمضان، مصنفة في خانتي الغباء والتواطؤ من أجل الاستيلاء على السلطة الثورية؟ بلا شك كل من طعن في لقاء الصومام له حسابات سياسية شخصية. أرى أنّ لقاء الصومام استطاع أن يقضي معنويا وسياسيا على الحركات المناوئة، مثل المصاليين الذين كانوا في بداية الثورة أكثر قوة ووجودا وتنظيما وتسليحا منا، واستمرت المواجهات بيننا إلى غاية 1958. كيف كانت تلك المواجهات؟ وصلت الى حد الاشتباكات العنيفة وسقط فيها الكثير من الضحايا من الجانبين، قناعتي أنّه لا يجب توظيف التاريخ لغرض السياسة لأنّ التاريخ مقدس وهو ملك الأمة، ولو أننا قمنا باطلاع الجيل الجديد على ما حصل بصفة نزيهة، لا تستطيع أي حركة في المستقبل أن تعبث به، لذلك نجد أنّ المستعمر استثمر في الحركات المناوئة وراح يتحدث عن تصفية الحسابات. هل تقصدون بحديثكم ما عُرف ب«حادثة ملوزة وبني يلمان”؟ أنا هنا أتحدث عن العديد من المسائل وليس ملوزة وبنمي يلمان فحسب .. أشير إلى تصفية الشيخ الطيب وجماعته في الصحراء، تصفية العقيد علي ملاح، والضحايا الذين سقطوا في الولايتين الثالثة والرابعة، بينما حاولت جهات أخرى تقديم المسألة على أنّها عبارة عن تصفية حسابات وغلطات، وهذا الأمر راجع برأيي لأننا لم نقم بجرد لتلك الأحداث، والعدو قام بتغذية هذه السوالب، برأيي أن الأحداث التي وقعت لم تكن مقصودة وإنما هي أخطاء في التقدير.. بالنسبة لي شخصيا، بحكم تموقع منطقة ملوزة على مستوى ممر الأفواج المتجهة نحو الشرق، من القبائل السفلى ببني ورتيلان حتى جبال الشريعة، عمد المصاليون إلى التمركز بها تحت قيادة بلونيس، والشعب مشى معهم وساندهم معتقدا أنهم مجاهدين، لكن الذي لم يكن يعرفه عامة الناس أنّ المصاليين انشقوا عن الثورة وعن جيش التحرير، ولما زادت قوة جيش التحرير، اضطر المصاليون إلى الانسحاب نحو الجنوب، وبقيت آثارهم في تلك المنطقة وهنا وقع الخلل، وأغلب الظن أن سكان بني ولمان بقوا على اتصال بالمصاليين من خلال تزويدهم بمعلومات عن تحركاتنا، وكان بيننا وبين المصالين مسألة حياة أو موت، لذلك كانت تقع الكارثة كلما مرت دورياتنا المتوجهة نحو الأوراس.. فجماعة الولاية الثالثة بحكم تواجد المنطقة في مجال تحركاتهم، تكفلوا بتوفير الحماية لدوريات الدورية الرابعة وذلك بعد أن سقط 111 من جنودنا دفعة واحدة، طبعا لم تكن تلك المرة الأولى، فجماعة الولاية الثالثة قدّروا أنّ سكان بني ولمان يتعاملون مع العدو، حينها تدخلوا على أساس أنهم سيتعاملون مع الجنود، وهناك مثال آخر في الشلف، كان هناك المدعو كوبيس بلحاج رفقة 1500 جندي كلهم شباب تطوعوا للجهاد .. ولما وعوا أنهم كانوا على ضلال أحضرو رأس بلحاج في حقيبة عربونا لجيش التحرير، وكان من بين الحاملين للحقيبة ابن كوبيس نفسه. إذا كان المصاليون منظمين في الميدان وكانوا أكثر تسليحا منكم، ما كان هدفهم ؟ - كان هدفهم الرئيس النيل من جيش التحرير، على أمل التمكين لمصالي الحاج تبعا لاعتباره الأب الروحي للثورة والحركة الوطنية، ولكن مصالي رفض التغيير، واعتبر ثوار نوفمبر منشقين عنه، وبقيت الأمور كذلك إلى غاية الاستقلال، ففي شهر أفريل 1962 اشتبكت قواتنا مع المصاليين في منطقة البيرين بولاية الجلفة، وأسرنا منهم 28 شخصا. اكتشفنا أنّ عمل المصاليين كان يتّم تحت الحماية غير المباشرة للمستعمرين، والحقيقة أنّ مصالي الحاج رفض إيقاف نشاطات أتباعه ضدّ جيش التحرير، والفرق بينه وبين فرحات عباس، أنّ فرحات رضي بالتغيير، عكس مصالي، لذا بالنسبة لنا فإنّ مصالي الحاج مرتد.. وتسبب بانقلابه على الثورة في متاهة استمرت لسنوات.