سبق لجريدة «الشعب»، أن تطرقت في ملفها الثقافي لعدد الاثنين 02 نوفمبر 2015 لموضوع «النص الأدبي الجزائري في الكتاب المدرسي بين الغياب والتغييب»، حيث شارك العديد من الأساتذة والمهتمين بالقطاع التعليمي والتربوي في الجزائري بذات المحور، وتطرقت «الشعب» إلى النقاط المهمة في الموضوع، مانحة أرقاما وإحصائيات حسب التدرج المدرسي من الابتدائي إلى غاية الثانوي، معرجة من خلال الشهادات التي قدمها الأساتذة إلى أرقام فضيعة، في واقع أطفالنا الذي يستوجب علينا الاهتمام ودق ناقوس الخطر، خاصة بعد تداول نصوص يجهل أصحابها وأخرى لأحياء تنسب لآخرين ليسوا على قيد الحياة والكثير من الأخطاء، سبق ل»الشعب» وأن تناولتها وفككتها. الموضوع ذاته كان محور نقاش في ندوة نظمتها الجهات الوصية. احتضن صالون الجزائر الدولي للكتاب، أمس الثلاثاء، يوما منظما من طرف وزارة التربية الوطنية والصالون، وبالتعاون مع وزارة الثقافة، حول «المدرسة والكتاب: بذور قرّاء»، وذلك في إطار تفعيل اتفاقية التعاون بين التربية والثقافة.. ونشط اللقاء عدد من الخبراء والباحثين، الذين قدموا نظرة على المناهج المعتمدة في المقررات التعليمية الرسمية، والنقائص المسجلة في هذا المجال، والتي نجد على رأسها النقص الفادح في النص الأدبي عامة، والجزائري خاصة، واعتماد نصوص مجهولة المصدر في المقررات الرسمية. يأتي هذا اليوم بعد الملتقى الذي نظم قبل شهرين بحضور خبراء جزائريين وأجانب من أكاديميين ومختصين، وتم برمجته على مرحلتين: الأولى حول الأدب الجزائري ومكانة التراث الوطني في المدرسة الجزائرية، والثانية حول البعد العملي وقرارات وزارة التربية بخصوص إدماج التراث الوطني في المدرسة الجزائرية. مقاربة جديدة ترتكز على الثقافة افتتح النشاط الأمين العام لوزارة التربية الوطنية السيد بلعابد، ممثلا عن وزيرة التربية، المتواجدة في الدورة 32 للجمعية العامة لليونسكو بباريس، بصفتها رئيسة وفد جزائري يضم قطاعات التربية، الشباب والرياضة، التعليم العالي، الثقافة، التكوين والتعليم المهنيين. وقال بلعابد إن الوزارة رأت في الصالون وقتا استثنائيا للحياة الثقافية في البلاد، وفرصة ملائمة لتفعيل اتفاقية الشراكة بين التربية والثقافة الموقعة شهر مارس الفارط. وقال المتحدث، إن حصة الأدب الجزائري في الكتب المدرسية ضئيلة جدا، وأن التوجه الجاري بلورته يقوم على تعليم وقراءة نصوص أدبية في الأطوار الثلاثة في منظور متعدد الثقافات واللغات، فالنصوص تشكل مشروع الهوية الجزائرية. ووضعت الوزارة خطوطا عريضة للتغيير، مؤكدا بأن الكتاب المدرسي سيرجع إلى مهمته البيداغوجية، إلى جانب تكريس احتكار الدولة للكتاب المدرسي، وضرورة المصادقة المسبقة على الكتب شبه المدرسية. كما تحدث بلعابد عن مقاربة جديدة مركزة على الثقافات وليس فقط الجانب اللغوي، وألح على إشراك المختصين وتقديم الكتاب وزيارات للولايات الداخلية، وبرمجة ندوات لضيوف الصالون في فائدة مؤسسات بالعاصمة، بومرداس وتيبازة. اتفاقية إطار بمحاور متعددة أما السيد حمدي، المفتش العام لوزارة الثقافة، الذي حضر ممثلا للوزير عز الدين ميهوبي، فوصف «سيلا» بأنه «موعد ثقافي بارز له حضور دولي وموعد متميز، وأن الكتاب أحد المسائل الأساسية للثقافة». وقال إن اتفاقية الإطار بين وزارة الثقافة والتربية تحمل برنامجا ثريا ويؤكد على العلاقة بين التربية والثقافة، يتوزع على العديد من المحاور التي تثري قطاع التربية، ما يدخل بين التضامن الحكومي والتنسيق بين الوزارات. هذه الاتفاقية، يقول حمدي، واعدة غير مسبوقة تحمل محاور من بينها: الكتاب والمطالعة العمومية: حيث تخصص وزارة الثقافة مجموعة من العناوين التي طبعتها في التظاهرات الكبرى السابقة، إضافة إلى البرنامج العادي على مدار سنوات، وسيتم تخصيص مجموعة منها، بحسب الأعمار والأطوار التعليمية، توزع على المؤسسات التربوية، مع تحديث قائمة الكتب. مهرجان «القراءة في احتفال» الموجه أساسا للتلاميذ المتمدرسين، سيتم تكثيفه لتنمية قدرات الطفل. العمل على تنظيم زيارات للمكتبات المتنقلة (مكتبة متنقلة في كل ولاية) وتسطير برنامج لكل المدارس على مدار السنة خاصة المناطق النائية أو المفتقدة لمكتبات عمومية. تكثيف برامج الطفل في مختلف المهرجانات الدولية (الشريط المرسوم، كتاب وأدب الشباب، سيلا). العمل على دعوة كتّاب المنطقة أو المناطق الأخرى إلى المؤسسات المدرسية، حتى يتعرف التلاميذ على التجربة الشخصية للكاتب. قرار وزاري مشترك يكيف ساعات العمل بالنسبة للمؤسسات الثقافية، حسب الولايات، «المكتبة لا تغلق بانتهاء ساعات العمل». تفعيل دور مكتبات المطالعة العمومية (الملحقة بالمكتبة الرئيسية بالولاية) من خلال النشاطات. العمل على تسمية المؤسسات التربوية بأسماء (في إطار اللجنة الوطنية) كتاب ومؤرخين ومبدعين (اقتراح من ميهوبي) لتكريم الكتاب والمبدعين وتكريس ثقافة الاعتراف بمجهودهم. كما تحدث عن تعليمة من ميهوبي بخصوص مجانية الانخراط بالمكتبات الرئيسية وملحقاتها، وسيتم التأكد منها على الأرض. تسطير برنامج لتنقل الإطارات خاصة المختصين في علم المكتبات والمنشطين الثقافيين إلى المدارس وعرض بطاقات فنية حول مختلف الكتاب خاصة المنتمين إلى المنطقة. تشكيل لجنة مشتركة من كتاب وناشرين مع الوزارة لاختيار نصوص أدبية وإدراجها في الأطوار الثلاثة. تنسيق مع وزارة التربية في مجال المسرح والسينما التربوية والتثقيفية (حضور التلاميذ إلى بلاطوهات التصوير مثلا). وأضاف حمدي تعليمة أخرى خارج هذا المحور لتكريس مجانية الدخول إلى المتاحف للتلاميذ ومرافقيهم (الولايات المفتقرة إلى متاحف، تنظيم زيارات ميدانية للمعالم التاريخية). محاولات للتجديد والإصلاح أعقب الافتتاح الرسمي عدد من المداخلات، نذكر منها مداخلة البروفيسور محمد داود، الذي قال إن الأدب مخزون من القيم يقدم للتلاميذ العديد من النماذج، وأن التلميذ ينظر قربه، إذا وجد مثالا يحتذى به فإنه يقوم بذلك. ولاحظ أنه لا كتاب يتحدث عن أبوليوس صاحب أول رواية في العالم «الحمار الذهبي»، واعتمدها ميخائيل باختين للتنظير للرواية كجنس أدبي. وخلص إلى أن الجزائريين لا يملكون ثقافة مشتركة. ثم تطرق الدكتور حسين شلوف، مفتش اللغة العربية، إلى: «كتاب اللغة العربية في التعليم الثانوي العام والتكنولوجي ودراسة النص الأدبي بين التقليد والنزوع إلى التجديد». وقال إن منهاج اللغة العربية مبني على المقاربة بالكفاءات، مقاربة بيداغوجية ونصية وتعليمية، المقاربة بالكفاءات تعني الإدماج، فركزنا على أن يكون النص الأدبي والتواصلي تنشيطا للمواد الفرعية للغة العربية. والنص الأدبي له المكانة الأولى في إعداد النفس والنشء، يرمي إلى صقل الإنسان والأمة قد لا تنهض بالقوى المادية بقدر نهوضه بأساليب التفكير والمبادئ والمثل. واعتبر بأن الطريقة المتبعة قريبة من العقم والجمود والركود، مثل استخراج الفكرة العامة، الأسلوب، العاطفة، المعاني، تلخيص الدراسة.. هذه المبادئ جنت على فكر التلاميذ لتعرضنا إلى هذه العناصر بأحكام جاهزة نطبقها على النص الأدبي (الأفكار مترابطة متسلسلة أو قوية) (العاطفة صادقة في كل النصوص) (الألفاظ قوية مختارة جزلة)، والأحكام الجاهزة ترن على أذان المتعلمين في كل حصة تقريبا، فأستاذ اللغة العربية صار محط سخرية من بعض التلاميذ بسبب الدراسة النمطية للنص الأدبي. طريقة جافة عقيمة ولايمكن تطبيقها دون الحاجة إلى أستاذ على رأي الأستاذ عبد الجليل مرتاض. إلا أن الفن لا قواعد له، والتدريس الخاضع إلى القواعد والضوابط يفرغ النص من قالبه الجمالي. ولخص المحاضر الخطوات المعتمدة في اكتشاف معطيات النص: التركيز على الجانب الفني الجمالي (قبل المعلومات). مناقشة معطيات النص: الأولى سطحية، الثانية تعمل في التفكير، دراسة نوعية للنص باستثمار الملكة الفكرية للمتعلم. تحديد بناء النص: أي البحث عن النمط الغالب على النص حجاجيا أو سرديا أو وصفيا أو حواريا.. وهذا يفيد التلميذ في تحسين ملكة كتابته (كتابة رسالة إدارية مثلا تستلزم النص الحجاجي المستخدم بغرض الإقناع). رابعا: تفحص مظاهر الاتساق والانسجام في تركيب فقرات النص: فالنص منتوج مترابط في أفكاره، متوافق في معانيه. خامسا: تلخيص للدراسة مع المتعلمين. وأكد شلوف بأن هذه الدراسة تمت بعد الاطلاع على مختلف التجارب والاستشارة مع مختصين عرب وغربيين. وفي نفس الاتجاه، ذهبت الدكتورة مجاهد المختصة في الأدب الفرنسي المقارن، التي قالت إن النظريات الجديدة التي جاء بها أمثال أمبرتو إيكو دحضت الطرق المتعارف عليها في دراسة النص، وأظهرت أن المتلقي هو حلقة هامة في فهم النص على عكس مركزية الكاتب التي كانت سائدة في السابق. نصوص مجهولة المصدر لأبنائنا وكان من أهم المداخلات تلك التي قدمها المفتش عبد السلام مختار بعنوان: «قراءة في نصوص اللغة العربية في كتب التعليم المتوسط»، والتي قال فيها إن أهم ما في الكتاب المدرسي هي النصوص، ولما تكون ذات دلالة تكون منها الانطلاقة والاستفادة. وقال إن حمولة النص تتلخص في: أنه نموذج لغوي، ومصدر للقيم (تصور للمجتمع من خلال القيم التي يؤمن بها)، ومورد للثقافة. وما حدث في النصوص المقررة هو غياب الكاتب والشاعر، بل نصا مبتورا لا يعلم القارئ من أين جيء به، ونكون فوّتنا فرصة على التلاميذ بعدم تعريفهم بالكتاب والشعراء، خاصة وأننا في عصر تزاحم فيه أشياء كثيرة الكتاب والمطالعة. السنة الأولى: 96 نصا، الثانية 74، الثالثة 48 والرابعة 48، بمجموع 266 نصا أي 266 كاتبا وشاعرا، بمعنى أنها إذا كانت مختارة اختيارا دقيقا لمثلت مكتبة حقيقية للمتعلم في وقت وجيز. وأعطى مثالا بكتاب السنة الأولى متوسط، الذي تضمن 18 نصا مجهول المؤلف والمصدر (عن الأنترنت) بنسبة 18.75 بالمائة، 31 نصا مجهول المصدر تماما 32.29 بالمائة، 06 نصوص المصدر مذكور ولكنه غامض (مثلا: كتاب المطالعة، مجلة العربي)، بنسبة 6.25 بالمائة، و50 نصا لكتاب مجهولين (52.08 بالمائة). والأمر مشابه في كتاب السنة الثانية ب 12 نصا من الأدب الجزائري فقط (2 بالمائة)، أما السنة الثالثة فنجد في كتابها نصا جزائريا واحدا فقط في المقرر، و8 نصوص للمطالعة الحرة. أما كتاب السنة الرابعة فتضمن 4 نصوص من الأدب الجزائري، و58.33 بالمائة نصوص مجهولة المصدر تماما، و8 نصوص فقط لكتاب جزائريين بنسبة 8.33 بالمائة. أرقام تتحدث عن نفسها، بحسبما أكد لنا بعض الحضور.